التخطي إلى المحتوى

  • العرض الافتتاحي للمسرحية العريقة كان على مسرح أوبرا جورجيا عام 1859

دبي: مها عادل

استضافت دبي أوبرا على مسرحها الرئيسي على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء (13 و14 سبتمبر الجاري) المسرحية الأوبرالية الشهيرة «لا ترافياتا»، المستوحاة من رواية ألكسندر دوماس الشهيرة «سيدة الكاميليا»، والتي ألهمت العديد من المؤلفين، وصناع الدراما حول العالم عبر القرون، لتحويلها إلى أعمال درامية بكل لغات العالم. والعرض الافتتاحي للمسرحية العريقة كان على مسرح أوبرا جورجيا عام 1859.

تكونت الأوبرا التي أخرجها لورنت جيرير، وصمم ملابسها إستر مارتين، من 4 فصول رئيسية، بينها 3 فواصل من الاستراحة، ليتمكن الفنانون من تبديل ملابسهم، وتغيير خلفيات الديكور، وإتاحة الفرصة للمشاهدين لهضم الوجبة الفنية الشهيرة التي تقدم أمامهم على المسرح، الأمر الذي جعل مدة العرض تمتد لأكثر من 3 ساعات، وكانت شاشة الترجمة باللغة الإنجليزية المعلقة فوق المسرح، عاملاً مساعداً لمزيد من تفاعل الجمهور مع الأوبرا وشخوصها، حيث كان الغناء بالإيطالية بينما دارت أحداث الأوبرا في مدينة فرنسية.

افتتح العمل الأوبرالي الأيقوني الذي أداره فنياً «بادري مايسورادز»، بمشهد مزدحم بالممثلين على خشبة المسرح يجسد حفلاً ضخماً يزدهر بالألوان الزاهية والديكورات الأنيقة والفساتين الأسطورية وهو المشهد الذي يلتقي فيه العاشقان فيولييت والفريدو للمرة الأولى، لتبدأ أحداث الرواية التي تدور حول قصة حب بين فتاة غانية وشاب أرستقراطي من عائلة مرموقة، وبالطبع هذه التوليفة غير المتكافئة تقود العلاقة إلى الفشل بسبب تدخل والد «الفريدو» لإقناع «فيولييت» للابتعاد عنه والتضحية بحبها له من أجل مصلحته.

وكانت موسيقى فيردي الأوركسترالية الحية المصاحبة للمسرحية وسيلة تواصل وتفاعل مبهرة توحد مشاعر الحضور، فمن أهم عناصر نجاح وشهرة هذا العمل هي الموسيقى الأسطورية من تأليف الموسيقار الإيطالي الشهير الذي منحها الكثير من روحه وإبداعه ليخلد بها هذا العمل الدرامي، ونجحت الموسيقى الحية في أن تمزج أصوات الغناء مع الآلات الموسيقية ليصدح صوت الآلات صعوداً وهبوطاً بقوة تارة وبرقة تارة أخرى، ليسجل مشاعر الحب والانكسار والنبل والتضحية، وترسم الموسيقى حالات الغضب والتعاطف لتتسارع أنفاس الحضور مع مشاهد الأزمات العاطفية والإنسانية بالعرض، كما توهجت في لحظات بكاء البطلة وتوسلاتها لوالد حبيبها لعدم هدم العلاقة بينهما وتركهما لينعما سوياً بحياة هادئة وسعيدة، حيث كانت الموسيقى تنتحب وتعلو الوتريات لتصرخ مع البطلة من الألم.

وتنوعت عناصر الإبهار بالعرض بين الاستخدام البارع للإضاءة والمؤثرات الصوتية والبصرية المبهرة، كما كانت الألوان بالعرض أداة ماهرة في يد صناع العرض لتنقل الحالة العاطفية ومشاعر الشخصيات إلى المشاهدين فلا يمكن أن تخطئ العين طريقة اللعب بالألوان كوسيلة للتغيير منذ المشهد الأول حيث أجواء الاحتفال الصاخب الذي ترتدي فيه البطلة فستاناً مطرزاً بالكامل وباللون الأحمر الفاقع فهي الغانية التي تتطلع إليها العيون، بينما في المشهد الذي يجمع بين العاشقين في أوج سعادتهما تكون الإضاءة بالخلفية بين البنفسجي والأزرق تعبيراً عن الغيوم التي تهدد هذه الحالة الكاملة من النشوة، أما مشهد مصارعة الثيران الذي جمع بين البطلين بعد الفراق فقد غلب على ملابس الجميع اللون الأحمر القاني الدموي والذي يجسد أجواء القتال والمبارزة والتحدي والاحتقان بينما ترتدي البطلة فستاناً أسود اللون تعبيراً عن الحزن والفقد بعد الفراق.

وصل الاهتمام البالغ بالتفاصيل إلى المجوهرات الأنيقة التي تحلت بها البطلة في المراحل الأولى من الأوبرا، والتي تناقضت مع الاكسسوارات البسيطة في بيت البطلة بعد الفقر والعوز والمرض، كما اهتم المخرج بإدارة المجاميع وتعبيرات الوجوه والإيماءات لكل الموجودين على المسرح، حتى لو كان كومبارس صامت كل هذه التفاصيل أكملت حالة توحد الجمهور مع الأوبرا، ونسجت مشاعر حقيقية جمعت بين مقاعد المشاهدين وخشبة المسرح في نهاية العرض الرائع ليخرج الجميع في حالة من الانبهار والتأثر بموت البطلة بالنهاية.

Scan the code