التخطي إلى المحتوى

نعت الأوساط السينمائية العالمية المخرج السينمائي الفرنسي جان لوك غودار الذي توفي يوم أمس الثلاثاء في منزله ببلدة رولّ السويسرية عن عمر ناهز 91 عاما.  

وجاء نعي غودار على أعلى المستويات في وطنه فرنسا فكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تويتر: “جان لوك غودار (كان) أكثر صانعي أفلام الموجة الجديدة رمزية… لقد فقدنا كنزا وطنيا”. وكتب وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: “نحن مدينون له بالكثير… لقد ملأ السينما بالشعر والفلسفة. بصيرته الحادة والفريدة جعلتنا نرى ما لا يمكن لأعيننا رؤيته”.

نهاية تشبه الانتحار

لكن الغريب في وفاة رائد الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، أن طريقة وفاته كانت شكلا من أشكال الانتحار، إنما وفق تقليد طبي معترف به قانونيا، ووفق ما أكد وكيل عائلته فإن المخرج الفرنسي السويسري لجأ للمساعدة على الانتحار. وأوضح باتريك جانريه أن “غودار استعان بالمساعدة على الإنهاء الطوعي للحياة، وهو إجراء قانوني في سويسرا، نتيجة معاناته  من أمراض عدة تسبب الإعاقة،  بحسب ما جاء في تقرير طبي لحالته”، مؤكدا بالتالي المعلومات التي نشرتها صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية أمس.

غودار وموجة السينما الجديدة

يعتبر غودار عراب الموجة السينمائية الجديدة في فرنسا، وهي حركة سينمائية بدأت في أواخر الخمسينيات واستمرت حتى منتصف الستينيات حيث شهدت اقتحام العديد من صانعي الأفلام الشباب العمل السينمائي خلال هذه الفترة الزمنية. وجاءت هذه الحركة  رداً على الواقع الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية والطبيعة المحافظة لفرنسا ما بعد الحرب. وكان جان لوك جودار أبرز وجوه هذه الموجة إلى جانب فرانسوا تروفو وكلود شابرول وإريك رومر ومعظمهم أصدقاء من حركة (الضفة اليسرى لباريس) وهي حركة بوهيمية نشأت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.. لكن رغم ذلك بقي هو الأشهر بينهم واعتبر عراب هذه الموجة تاريخياً. وكان هؤلاء المخرجون جميعًا يبحثون عن طرق جديدة للتعبير عن أنفسهم بشكل فني، مما دفعهم إلى صنع أفلام عن الحياة اليومية مع القليل من الواقعية أو بدونها.

المجدد ومخرج الكلاسيكيات 

بزغ نجم غودار بإخراجه بعضا من أشهر الأفلام التي زادت قيمتها مع مرور الزمن وباتت ضمن الأعمال الكلاسيكية في تاريخ السينما، مثل فيلمي (بريثليس) “منقطع الأنفاس” و(كونتمت) “ازدراء” حيث خرجت أفلامه عن التقاليد الراسخة للسينما الفرنسية وساعدت في إطلاق طريقة جديدة في الإخراج تعتمد على التصوير بالكاميرا المحمولة والانتقالات الفجائية في المشاهد والحوارات الوجودية، فضلا عن فيلمه الرائع قبل فيلم “ألفاڤيل” الذي أنجزه عام 1965 وهودراما خيال علمي تدور أحداثها المتخيلة عام 2002 عن مجتمع يقع في كوكب آخر، متتبعاً قصة امرأة شابة من ألفاڤيل (مدينة ألفا) تكسر القانون وتقع في حب محقق أمريكي يأتي ليستكشف كوكبها.  في حين جاء فيلم  “بييرو المجنون” كانفجار في سينما الألوان. عن قصة حب تجمع بطل الفيلم مع فتاة تلعب دور عضو في عصابة. ليكسر غودار كل التوقعات فيما يخص السرد السينمائي، حيث يتتبع الأبطال وهم في طريق تدميرهم لأنفسهم بشكل حرفي ومشهدي بالغ التأثير.. وصولا إلى فيلمه “سوسياليسم” الذي امتنع عن حضوره لدى عرضه مهرجان (كان)  الفرنسي في ايار/مايو من عام 2010 وفيلم “وداعا للغة” الذي أنجزه عام 2014 وكان قد تجاوز الثمانين من العمر، حيث يظهر الفيلم علاقتنا باللغة والاستعارات، وآلية التفاعلات البشرية من خلالها. ورغم استخدام تقنية الأبعاد الثلاثية  إلا أن الفيلم ذو بناء سردي تجريبي، ممتلئ بالمجازات والعناصر غير التقليدية 

مدافع شرس عن القضية الفلسطينية

عرف غوادر بمواقفه ودفاعه العلني عن القضية الفلسطينية، وفي سبعينيات القرن العشرين كان فيلمه الوثائقي “هنا وهناك” (1976) حدثا ثقافيا احتفلت به الصحافة العربية، وكتبت عنه المقالات ونظمت له العروض الخاصة بعد أن قارن سينمائيا بين صور الزعيم النازي أدولف هتلر، ورئيسة وزراء اسرائيل السابقة غولدا مائير.

وكان غودار واحدا من أغزر أقرانه إنتاجا، إذ أخرج عشرات الأفلام القصيرة والطويلة على مدار أكثر من نصف قرن منذ أواخر الخمسينيات. وجاءت معظم أفلامه الأكثر تأثيرا ونجاحا من الناحية التجارية في الستينيات، ومن بينها (فيفر سا في) “حياتي التي سأعيشها” و(توأور ثري ثينجس آي نو أبوت هير) “شيئان أو ثلاثة أعرفها بشأنها” و(ويك أند) “عطلة نهاية الأسبوع”.

رغم كونه منتقداً شرساً لهوليوود وانماطها السينمائية التجارية وشخصية مثيرة للجدل، منح غودار جائزة أوسكار فخرية عام 2010عن مجمل مسيرته السينمائية..   لكن غودار أعلن حينها أنه لن يذهب شخصيا لتسلم الجائزة. وقد أثار إعلان أكاديمية علوم وتقنيات السينما التي تمنح الأوسكار عن جائزتها هذه  صحيفتا “نيويورك تايمز” و “لوس انجليس تايمز” الجدل فعنونت الاولى “اوسكار تكريمي يؤجج الجدل” فيما تساءلت الثانية “هل من مشكلة اذا كان (غودار) معاديا للسامية؟”. واضطرت الاكاديمية التي تمنح جوائز الاوسكار الى التدخل مؤكدة نيتها مجددا منح هذا السينمائي الفرنسي – السويسري الذي كان قد بلغ الثمانين من العمر، جائزة اوسكار فخرية مكافأة على “مساهمته الرائعة في فن السينما”.

70 فيلما خلال ستة عقود

رحل غودار تاركاً وراءه نحو سبعين فيلماً، بين إخراج فرديّ أو مشترك، وضعها خلال ستّة عقود من العمل، كثيرٌ منها يُعَدّ اليوم من كلاسيكيات السينما وتُحفها، مثل “أن تعيشي حياتك” (1962)، و”الازدراء” (1963)، و”بييرو المجنون” (1965)، و”أنقذْ ما استطعت إنقاذه: الحياة” (1980) ناهيك عن سلسلة “تاريخ السينما” التي أنجزها عام 1998 وهي سلسلة مكونة من ثمانية أفلام متوسطة الطول عن تاريخ السينما وعلاقتها بالقرن العشرين، كان فيها غودار مؤرخا عاشقاً، وصانعا لهذا التاريخ في الوقت نفسه. 

 

google news icon
تابعوا آخر أخبار اورينت عبر Google News

Scan the code