التخطي إلى المحتوى

“كافحتُ طويلا للفوز بأول ألقابي في بطولات اتحاد لاعبات التنس المحترفات. هزيمتي في أميركا المفتوحة من الصعب تقبلها، لكني لست ممن يستسلمون، أنا متأكدة من أني سأعود بقوة، والأكثر أهمية هو التعلم من المباريات النهائية العديدة التي خسرتها”.

بهذه العبارات وتحت وابل من هتاف الجماهير على مدرجات ملعب “آرثر أش” بنيويورك، تحدثت لاعبة كرة المضرب أُنس جابر بعد خسارة نهائي بطولة أميركا المفتوحة أمام المصنفة الأولى عالميا البولندية إيغا شيانتيك بمجموعتين دون رد، قبل أن تفشل في مغالبة دموعها فيما كان مدربها عصام الجلالي والمعد البدني كريم كمون يحاولان تخفيف وقع الهزيمة عليها.

وفي الحقيقة، لم تكن تلك الرسالة المؤثرة لأيقونة التنس العربية سوى تعبير عن شعور متجدد بالحسرة في آخر محطة من البطولة، وذلك في سيناريو تكرر في مناسبات عدة وعانت منه جابر طويلا خلال العام الجاري.

حسرة وعزيمة

ففي أقل من عام ونصف، فرطت جابر في التتويج باللقب في 6 مناسبات من أصل 8 أدوار نهائية كانت طرفا فيها، من بينها مباراتا نهائي بطولتي ويمبلدون وأميركا المفتوحة، ليتحول الإخفاق في النهائي إلى ما يشبه العقبة الصعبة للاعبة التي صعدت أسهمها بسرعة الصاروخ في العامين الأخيرين، إذ إنها كثيرا ما طوت بنجاح كل المراحل لتصل إلى النهائي، قبل أن تنهزم بسيناريو متطابق في المباراة الحاسمة وتفرط في لقب كان قريبا منها.

وفي الوقت الذي انتظرت فيه جماهير الكرة الصفراء وعشاق أنس جابر بشغف أول ألقابها في الغراند سلام، خسرت اللاعبة التونسية -السبت الماضي- دورا نهائيا آخر، وهو الثاني على التوالي في البطولات الكبرى والسادس منذ أبريل/نيسان 2021.

وأثناء مراسم تتويجها وصيفة لشياتنيك، قالت أنس جابر -في تصريحات مباشرة- “لن يكون من السهل نسيان الأسبوعين اللذين عشتهما في نيويورك. أعلم أنني سأكون يوما ما إحدى المتوجات ببطولة كبرى، استغرق الأمر وقتا لأتوج بأول لقب احترافي، وسيستغرق تتويجي ببطولة كبرى وقتا أيضا، سيأتي ذلك اللقب بصعوبة، لكنه سيأتي يوما ما”.

وفي وقت سابق، أثار تفريط أنس جابر في اللقب في المراحل الحاسمة جدلا حول الإعداد الذهني والبدني الذي يشرف عليه فريقها التدريبي، لكن اللاعبة ردت آنذاك قائلة: “أشكر فريقي الذي اجتهد من أجل مساعدتي على تطوير مستواي طوال هذه الفترة، لقد كنا جميعا نأمل في أن تكون النهاية أفضل، ثقتي بنفسي وبالطاقم الذي يعمل معي متواصلة، أدين لهم ولعائلتي بما حققته”.

فرص مهدرة في اللحظة الحاسمة

وبين أبريل/نيسان 2021 وسبتمبر/أيلول 2022، خاضت أنس جابر 8 أدوار نهائية ضمن رابطة محترفات التنس، غير أنها فرطت في إحراز اللقب في 6 مناسبات. ففي أبريل/نيسان 2021، أضاعت فرصة التتويج بدورة “شارلستون” الأميركية، عندما خسرت النهائي أمام الأسترالية شارما بمجموعتين لواحدة، بعد أن كانت على بعد شوط واحد من إحراز لقب المسابقة الذي فرطت فيه ثانية في أبريل/نيسان الماضي أمام السويسرية بيلندا بينسيتش بمجموعتين لواحدة.

وفوتت أنس جابر الفوز بدورة شيكاغو 2021، بخسارتها أمام الإسبانية موغوروزا (2-1)، قبل أن تتواصل متاعب النهائيات بالتفريط في لقب بطولة روما المفتوحة (ألف نقطة) أمام غريمتها التقليدية “إيغا شياتنيك في مايو/أيار الماضي، ثم في نهائي ويمبلدون وأميركا المفتوحة.

وفي المقابل، توّجت اللاعبة التونسية بلقبي دورة مدريد (ألف نقطة) في مايو/أيار 2022، وبرلين (500 نقطة) في يونيو/حزيران من العام ذاته.

وتعليقا على ضياع فرص التتويج في عدة مناسبات، قال المدرب التونسي عبد الرزاق ولها للجزيرة نت: “قبل الحديث عن ملابسات خسارة البطلة العربية نهائي دورة أميركا، لا بد من الإشادة بما أعتبره إنجازا خياليا لأنس جابر ونتائج لن يستطيع أي لاعب أو لاعبة تنس معادلتها، لكن من المؤكد أن أخطاء فنية وبدنية وذهنية ارتكبتها أنس وأحدثت الفارق لمصلحة منافستها البولندية، فرياضة التنس تتطلب التركيز التام خلال لحظات فارقة من المباراة”.

وقال ولها: “هناك أخطاء مباشرة ارتكبتها أنس جابر، أخطاء ذاتية تتعلق بها لا بمنافستها. وفي مستوى عال مثل بطولة ويمبلدون أو أميركا المفتوحة أو سائر البطولات الكبرى، على اللاعب تفادي الأخطاء المباشرة التي تعتبر منعرج المباراة، وللأسف لم توفق أنس في هذه النقطة بالذات رغم أنها عادت في الشوط الثاني، وبعد التأخر بمجموعتين لأربع تمكنت اللاعبة التونسية من تعديل الكفة، لكنها سرعان ما سقطت مجددا في فخ الأخطاء المباشرة القاصمة”.

وتابع المدرب الذي يشرف على تدريب لاعبي التنس في أكاديمية صفاقس (جنوب) أن “المشكل كان ذهنيا، فالمنافسة البولندية مرت بفترة فراغ في الشوط الثاني لم تنجح أنس في استغلالها، حيث ارتبكت في بعض الكرات وفقدت السيطرة ذهنيا، وأعتقد أن صورة الكأس حضرت في ذهنها قبل نهاية المباراة، لقد حصل ذلك أيضا في نهائي ويمبلدون في يوليو/تموز الماضي”.

ويرى المتحدث أن الحل “يكمن في مزيد من التركيز الذهني والعمل على تلافي الأخطاء المباشرة، ولكن هذا لا يمنع من القول إن إيغا شفيتناك كانت أقل أخطاء من أنس، وذلك ما حسم المواجهة. عموما هذا لا يقلل في شيء من الإنجاز التاريخي لأنس جابر التي تعد فخر لتونس والتنس العربي، وسيأتي التتويج حتما عن قريب”، بحسب قوله.

وكانت أنس جابر اعترفت عقب تفريطها في بطولة ويمبلدون أن “أخطاء بسيطة ارتكبتها في لحظات حاسمة حالت دونها وإحراز اللقب” آنذاك.

وتعد جابر من اللاعبات اللاتي حققن مسيرة ملهمة في رياضة الكرة الصفراء، لكنهن فرطن في أكثر من لقب في المحطة الأخيرة، وهو ما يحدث للكثير من لاعبي ولاعبات التنس، على غرار البريطاني أندي موراي الذي خسر نهائي دورات الغراند سلام 6 مرات بالتمام والكمال، من بينها 5 نهائيات في أستراليا المفتوحة، والإسبانية أرانكسا سانشير التي خسرت 6 أدور نهائية ضمن الدورات الأربع الكبرى.

واستحقت أُنس -التي استعادت الاثنين المركز الثاني لترتيب اللاعبات المحترفات- أن تكون بالفعل “وزيرة السعادة” -وهو اللقب الذي يطلقه عليها التونسيون، بعد أن باتت في يوليو/تموز الماضي أول لاعبة عربية وأفريقية تبلغ نهائي إحدى الدورات الأربع الكبرى بعد أن تأهلت لنهائي ويمبلدون، قبل أن تضيف إنجازا جديدا الخميس الماضي وتصبح أول عربية وأفريقية أيضا تصل نهائي بطولة أميركا المفتوحة.

وعلى امتداد مشوارها الاحترافي الذي انطلق في دورة قطر المفتوحة 2012، توّجت اللاعبة البالغة من العمر 28 عاما بثلاثة ألقاب، وهي بيرمنغهام في 2021، ومدريد، وبرلين في 2022.

Scan the code