التخطي إلى المحتوى

أحمد عاطف (القاهرة)

في مساء الجمعة، الأول من أبريل الماضي، كان البعض على موعد مع عرض من نوع خاص وفريد لأحد عروض الأزياء المقرر أن يستمر لأسبوع، حيث أضاء مدرج العرض الدائري باللونين الأرجواني والأسود، وبدا الحضور على هيئة وميض من الضوء الأزرق، في حين كان العارضون والعارضات يرتدون ملابس مُبهرة، ولكنها لم تكن مصنوعة من نسيج الخيوط تلك المرة، بل مصنوعة من البكسل والبرامج، وينظرون لخطواتهم بهدوء، فبعضهم يرتدي قبعات وغيرهم نظارات شمسية.
لم يكن ذلك العرض مشهداً من فيلم هوليوودي، ولكنه كان أول أسبوع للموضة في عالم «ميتافيرس»، والذي وصفه بعض الحضور بأن تحضيراته تشبه أي حدث في مجال الموضة، لكن بدلاً من استئجار الملابس والتخطيط لوسائل السفر، كانوا يقومون بتنزيل ملحقات برنامج «جوجل كروم» ويفكرون في كيفية إنشاء الصورة الرمزية الرقمية الخاصة بهم أو ما يعرف بـ «الأفاتار» الذي يأتي في إطار التحول الرقمي غير المسبوق الذي جري بوتيرة أسرع من جائحة «كورونا»، لا سيما مع إعلان مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك عن تصوراته المستقبلية لعالم الميتافيرس الذي خلق اهتماماً متزايداً بمتطلبات الحياة الافتراضية، وربط الملموس بالمجاز داخل العالم الافتراضي.
ورغم أن تلك «الملابس الرقمية» المصنوعة من خيوط ثلاثية الأبعاد اتخذت خطواتها بشكل كبير في الدول الغربية وأضحى لها زبائن من المشاهير، إلا أن خبراء توقعوا وصولها للعالم العربي قريباً وانتقالها تدريجياً، مثلما حدث مع الإنترنت والموبايل وغيرها. لكن على الرغم من جنونية فكرة دفع أموال حقيقية لشراء أشياء تبدو وهمية، حققت الموضة الرقمية مبيعات كبيرة.
ويرفض دودز، أحد مبتكري الواقع الافتراضي وفنان المشاهير الرقمي من مانشستر في المملكة المتحدة، ما يشاع بأن اهتمام «الملابس الرقمية» ينحصر في شريحة صغيرة من العالم تُعرف باسم شريحة الأثرياء، قائلاً: «لن أقول ذلك».
ويضيف دودز لـ «الاتحاد الأسبوعي»، أن الأشكال الرقمية في الألعاب على سبيل المثال الملابس وجلود الأسلحة في ألعاب مثل Fortnite، هي حقاً القصة الأصلية للأزياء الرقمية وهي صناعة تبلغ قيمتها مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة وحدها. يستخدم 1 من كل 5 أشخاص فلاتر الواقع الافتراضي للوسائط الاجتماعية كل يوم، موضحاً أنه على الرغم من أنه يقول: إن الموضة الرقمية مخصصة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و34 عاماً، إلا أنه لن يقول أنها شريحة صغيرة.
وحول موقف سكان الشرق الأوسط والمنطقة العربية من «الملابس الرقمية»، يقول دودز، إن هناك فرصة كبيرة للصناعة الرقمية في الشرق الأوسط للاستفادة من هذا الاتجاه العالمي المتنامي، لافتاً إلى أن الموضة الرقمية أصبحت أكثر شيوعاً ومن الصعب القول بأن هذا ليس المستقبل الذي يتجه إليه الجميع، مشيراً إلى أن Meta وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى تعمل على إنشاء أجهزة تسمح لنا بالعيش رقمياً وجسدياً في نفس الوقت. وستحتاج تلك الصور الرمزية إلى ملابس لارتدائها.

 ثلاثية الأبعاد
واتفق أستاذ التكنولوجيا الرقمية بالجامعة الأميركية في القاهرة، واستشاري مجالات التسويق الإلكتروني والإعلام الرقمي فادي رمزي خلال حديثه لـ«الاتحاد الأسبوعي»، مع حديث «دودز»، متوقعاً أن «الملابس الرقمية المخيطة من برامج ثلاثية الأبعاد» قادمة وبقوة للمنطقة العربية وشمال أفريقيا، لافتاً إلى أن فترة زمنية بسيطة تفصلنا عن هذا الأمر، خاصة أن فكرة الميتافيرس موجودة في الوطن العربي بشكل أو بآخر، سواء في الألعاب أو النظارات ثلاثية الأبعاد أو غيرها وتباع بشكل متفاوت.
في المقابل، يختلف مصمم الأزياء الشهير في العالم العربي هاني البحيري، مع ما طرحه دودز ورمزي، ملخصاً وجهة نظره في الملابس الرقمية في العالم الافتراضي قائلاً: «إذا شعرت بالجوع أفضل أن يُقدم لي طعام حقيقي وليس أن أشاهده فقط»، مشيراً إلى أن ثورة الابتكار في التصاميم أمر جيد، لكنه لا يزال افتراضياً وليس محسوساً أو ملموساً.

تشويش
ويعتبر فنان المشاهير الرقمي البريطاني «دودز» خلال حديثه لـ «الاتحاد الأسبوعي»، أن التقنيات الرقمية تعمل على تشويش الطبقات الاجتماعية حقاً لأنه كما ذكر سابقاً، فإن الملابس التي تستخدم مواد باهظة الثمن لا يستطيع تحمل تكلفتها إلا عميل من الطبقة العليا، ويمكن الآن تكرارها مقابل جزء بسيط من التكلفة رقمياً، وليس ذلك فحسب، بل يمكنك شراء مجموعة من الألوان ولها ماس ضخم يدور في جميع أنحاء الثوب. ويشير دودز إلى أنه على الرغم من ابتكار العلامات التجارية الفاخرة في هذا المجال مؤخراً، فإن تكلفة إنتاج الملابس الرقمية على الملابس المادية أرخص بنسبة 90% تقريباً، لذا يمكن أن تصبح مساحة للمبتدئين للأشخاص الذين لن يكونوا قادرين على شراء قطعة فاخرة.
ويفسر فادي رمزي لـ «الاتحاد» الظاهرة بأن أحد أهم أعمدة «الميتافيرس» هو التجارة الإلكترونية للأفاتار الذي يمثلنا في العالم الافتراضي، سواء بشراء تذكرة لمشاهدة العروض والسينمات وكذلك الملابس والكماليات الخاصة بها، ويتم دفع مبالغ حقيقية لها مقابل الشعور بالمتعة، مشيراً إلى أن معظم البراندات العالمية للملابس وضعت قدمها بالفعل في السوق الرقمي وحجزت مكاناً لمستقبلها ونفذت أموراً فعلية مادية. إلا أن مصمم الأزياء الشهير في العالم العربي هاني البحيري رغم تأكيده على اهتمامه بمسايرة الموضة العالمية، لكنه يفضل أيضاً ترجمته لمنطق «خذ وهات» بدلاً من ارتداء ملابس في أراضٍ افتراضية، ودفع مقابلها في أراضي الواقع، مشيراً إلى أن كبار مصممي الأزياء في العالم سلكوا هذا الاتجاه الافتراضي الرقمي الجديد وهو لا يعترض على ذلك لأن له تجربته الخاصة.

الواقع المعزز
وحول فلسفة تصميم «الملابس الرقمية» ومستقبلها قول دودز، إنه لا يرى أن الرقمية تستحوذ بالكامل على صناعة الأزياء المادية، موضحاً أن أي حد سيكون قادراً على فتح تجربة الواقع المعزز التي تتيح له مسح العنصر المادي بهاتفه ومشاهدته وهو ينبض بالحياة، وهذا يفتح الباب أمام المزيد من الإبداع ويخلق تجربة علامة تجارية إيجابية جديدة ومحسّنة، بالإضافة إلى من لن يرغب في التباهي بقميصه الجديد الذي يحتوي على شاك مخفي بالداخل؟!».

سوق الموضة
تشير تقارير اقتصادية إلى أنه فيما تربح صناعة الأزياء بشكلها التقليدي الحالي نحو 1.25 تريليون دولار سنوياً، فإن البعض يراهن على أن سوق الموضة الرقمية ستكون له القيمة ذاتها في غضون عقدين من الزمن.

منطقة الخليج
يشير أستاذ التكنولوجيا الرقمية فادي رمزي لـ«الاتحاد الأسبوعي» إلى أن الأمر يشبه الموبايل منذ تم اختراعه كان للأثرياء وطبقات مجتمعية وسرعان مع مرور الوقت أصبح في يد الجميع بمختلف طبقاتهم، لكنه أوضح أن العالم الافتراضي الجديد ربما يغير منطق وطريقة الحياة على طريقة «الأفاتارات».
ويلفت الدكتور رمزي إلى أن منطقة الخليج مؤهلة لاستقبال هذا النوع الجديد من الصناعة الرقمية، خاصة مع التطور الرقمي والتكنولوجي للحياة هناك، إضافة إلى مجتمع أجنبي من السائحين والعاملين هناك بالتأكيد تربطهم أواصر صلة مع الخارج، مشيراً إلى أنه يأتي بعد الخليج منطقة شمال أفريقيا بأكملها.

Scan the code