مارلين سلوم
رؤية المخرج جعلت «بوليوود» في قلب «هوليوود»، وهو ما يناسب «نتفليكس» التي تسعى إلى استقطاب الأفلام من مختلف دول العالم والجنسيات وتقديمها مؤمركة اللغة والروح والتفكير. فيلم «موسم زفاف» الذي يعرض حالياً ويحقق نجاحاً على المنصة ويمكن تصنيفه دراما رومانسية كوميدية، هو النموذج المثالي لكيفية تقديم السينما الهندية بالرؤية والروح الأمريكية، وقد خرج على الشاشة ناجحاً بمواصفات العولمة ولطيفاً مقبولاً بمعايير الإنتاج السينمائي للأفلام الرومانسية.
ليست التجربة الأولى للسينما الهندية- الأمريكية، لكن اللافت هذه المرة أن الكاتبة شيواني سريفاستافا، هندية تعيش في أمريكا تكتب من واقع مجتمع تعرفه جيداً مع مبالغات تقتضيها الكوميديا حيناً والكتابة الرومانسية المشبعة بالمفردات التي حفظناها غيباً من السينما الأمريكية، وكثير من «الكليشيه» الذي يجعلك تتوقع مسبقاً إلى أين سيؤول مصير الأبطال ومسار العقدة والحل وحتى النهاية. أفكار شيواني وميولها إلى المجتمع الأمريكي واضحة في تفاصيل كثيرة التقت مع رؤية المخرج الأمريكي توم داي (صاحب فيلمي «شنغهاي نون» و«فيلور تو لانش»..) الذي جعل «حفل زفاف» وكأنه قصة عائلات ما زالت تحتفظ ببعض تقاليدها الاجتماعية التي حملتها معها من الهند ولكنها تأقلمت مع المجتمع الأمريكي وتطبعت بطباعه وقولبت أفكارها بما يجعلها تنسجم بشكل تام مع محيطها.
إنقاذ الموسم
«نتفليكس» الساعية بقوة إلى استعادة رصيدها ونيل رضا مشاهديها بعد موجة العزوف عنها بشكل كبير وملحوظ، بسبب نوعية الأعمال التي كانت حريصة على عرضها بشكل استفز فئة غير قليلة من مشتركيها، استعانت بالرومانسية لتنقذ موسمها الصيفي، وخصوصاً «التيمة» المضمونة التي تعجب الجمهور من مختلف الفئات العمرية ومن مختلف الجنسيات. لذا تجد أن قصة «موسم زفاف» يمكن أن تنطبق على كثير من المجتمعات العربية مثلاً أو أي من المجتمعات التي ما زالت تعتبر أن زواج الفتاة ضروري وشكل من أشكال الضمان والاطمئنان على حياتها ومستقبلها، لذلك تسعى الأمهات إلى الوسائل التقليدية في البحث عن عريس لبناتهن، وغالباً ما تكون المناسبات الاجتماعية وخصوصاً الأعراس، حيث يجتمع أكبر عدد من العائلات في مكان واحد، وتلبس الفتيات أجمل الأزياء ويتبرّجن، فرصة «ذهبية» لنيل إعجاب «فارس الأحلام» أو ربما أمه وأبيه، فيتم التعارف ثم الارتباط. ومع وجود مخرج مثل طوم داي، تشعر أنك أمام فيلم أمريكي تقليدي يشبه مجموعة من الأفلام التي سبق للسينما الأمريكية أن قدمتها وما زالت تقدمها حتى الآن.
الكاتبة شيواني سريفاستافا حافظت على هذا الخط الكلاسيكي في قصص البحث عن عريس والقصص الرومانسية عموماً، بطلتها آشا (بالافي شاردا) انفصلت للتوّ عن خطيبها، وتركت وظيفتها في أحد المصارف لتنتقل إلى نيوجيرسي من أجل بداية حياة جديدة، لكن والدتها سونيتا (فيينا سود) ترى الأمور من وجهة نظر مختلفة، حيث تؤمن بأن آشا تحتاج إلى الزواج سريعاً كي تستطيع الخروج من محنتها وحزنها، لذا يجب العثور على زوج مناسب في أقرب وقت ممكن؛ تتولى المسألة بنفسها وتقوم بنشر معلومات عن ابنتها على أحد المواقع بما يشبه السيرة الذاتية، مع إضافة بعض «البهارات» لجذب العريس المناسب. في المقابل تقوم والدة الشاب رافي (سوراج شارما) بالبحث عن عروس لوحيدها، مع تزوير في سيرته الذاتية، والرفع من مستواه التعليمي والمهني ونشره على نفس الموقع على الإنترنت. رافي ليس الشاب الأول الذي يتقدم للتعرف على آشا، ولكن اللقاء بينهما والذي يبدأ سلبياً ومستفزاً، يبقى مميزاً ويؤدي إلى سلسلة مواقف كوميدية وظريفة ومن ثم كما هو متوقع رومانسية.
حيلة ذكية
التوافق في الأفكار بين البطلين يقرب المسافات بينهما بشكل منطقي وتدريجي، وقد لجأت الكاتبة إلى حيلة ذكية ساعدتها في مطّ قماشة القصة إلى نحو ساعة ونصف الساعة دون السقوط في فخ الفراغ والتكرار، حيث جعلت البطلين يتفقان على إيهام أهلهما بأنهما يتواعدان ويلتقيان من أجل التعرف على بعض أكثر وأنهما موافقان على منح نفسيهما فرصة للتعارف من أجل الارتباط، بينما في داخل كل منهما قناعة مختلفة ورفض للفكرة؛ لكن الجمهور الذي بات شريكاً لصناع الأفلام خصوصاً هذه النوعية السلسة والمألوفة، فهم أن السحر سينقلب على الساحر وسيقع كل منهما في حب الآخر حتى ولو لم يعترفا بالأمر.
تكرر البطلة عبارة «البحث عن أمير أحلامي الهندي» و«أحلم بعرسي الكبير» والبطل يكرر «أبحث عن عروس غير مملة» و«المرأة المثالية» وتقصد الكاتبة بالتكرار شيئاً من السخرية من الأفكار المعلبة والجاهزة والشعارات التي يضعها المرء وأهله أمامهم عندما يفكرون في مسائل التعارف والزواج، بينما الأساس في الارتباط مرهون بأشياء أخرى أكثر أهمية من تلك «الأوهام الكبيرة». علماً أن الكاتبة تتمسك ببعض التقاليد الاجتماعية الهندية وتحترمها وهو ما يبدو جلياً في مواقف كثيرة ومراسم إتمام زفاف بريا (أريانا أسفار) شقيقة آشا من خطيبها الأمريكي نيك (شين كليير)، مع كسر لبعض التقاليد من ناحية أخرى، مثل ارتباط بريا برجل غير هندي ومن ديانة مختلفة، وغيرها من المواقف التي تشعر بأنها «أمريكية صرف» مثل الحوار الذي دار بين والد آشا (ريزوان مانجي) وابنته وبدأ بالحديث عن ماضيه وطفولته والنصائح التي يقولها الآباء في كل الأفلام الأمريكية..
مشكلتان تواجهان البطلة، وهي الأكثر بروزاً من البطل والعنصر الرئيسي الأول في الفيلم، وأدتها بالافي شاردا بكثير من التميز, مشكلة اكتشافها حقيقة رافي بعد فوات الأوان، ونجاحها في عملها الجديد ما فتح أمامها فرصة لا تعوّض، حيث عرض عليها العمل في لندن، ما جعلها تعيش في حيرة بين البقاء مع أسرتها في أمريكا وتحقيق حلم «الحصول على عريس وعرس كبير» أم تحقيق حلم الوظيفة والنجاح والمستقبل المهني؟
لمسة موسيقية
بجانب البطلة تتألق فيينا سود بأداء راقٍ لدور الأم، كما يتألق سوراج بدور رافي، ميزة السينما الهندية أنها تضيف دائماً أو غالباً لمسة موسيقية غنائية إلى أعمالها إلى أي فئة انتمت، وفي «موسم زفاف» تجمّل الموسيقى والفقرات الغنائية الراقصة الفيلم ويجيد المخرج استخدامها في قالب «مودرن»، وتنقلك من القالب الهوليوودي إلى البوليوودي مع متعة استعراضية لا مغالاة فيها ولا بهرجة كما اعتدنا في الأفلام الهندية، لذا جاءت منطقية ومتناسقة مع العمل ككل وخلطته الأمريكية الهندية.
أحداث لا منطقية
لا بد من بعض اللامنطق في أحداث القصة، وهنا تجنح الكاتبة نحو تدفق عدد مهول من دعوات الزفاف التي تتلقاها أسرة آشا بشكل لا يمكن للمشاهد أن يصدقه، مناسبات تفتعلها المؤلفة لتجد مبرراً كي يكون هناك «موسم زفاف» يأتي بمثابة فرصة للقاءات متكررة بين البطلين، فيلبيان كل تلك الدعوات، يتعارفان إلى بعضهما بعضاً أكثر، ويتواجدان في المناسبات العائلية وأمام أعين الجميع من الأصدقاء والأقرباء. وهي فرصة أيضاً للاستمتاع بالرقص والغناء والمرح. لم تكن المؤلفة بحاجة إلى هذا الكم من حفلات الزفاف كي يتمكن الشابان من الخروج معاً، خصوصاً أنهما نالا بركة العائلتين والكل متحمس للحظة إعلان آشا ورافي نتيجة توافقهما وموافقتهما على إتمام الخطبة والزواج.
[email protected]