بعيدًا عن الصورة النمطية التي رسمتها السينما العالمية للأشخاص المتدينين بأنهم يغلب عليهم التعصب والتطرف، أثبتت نتائج دراسة أمريكية حديثة عكس ذلك.
الدراسة التي أعدها باحثون بجامعة إلينوي الأمريكية، ونشرتها دورية “ذا جورنال أوف ريليجن آند هيلث”، ذكرت أن الأشخاص المتدينين لديهم قدرة أكبر من غيرهم على مواجهة الضغوط النفسية وأزمات الحياة، وأنهم غالبًا ما يستخدمون طرقًا إيجابيةً في التفكير حينما يتعرضون للأزمات، وأن الإيجابية التي يتعاملون بها في المواقف الصعبة تشبه إستراتيجيةً يستخدمها علماء النفس تسمى “إعادة التقييم المعرفي”، وتعني أن يعيد الفرد تقييمه المعرفي للموقف بغية استخلاص الانفعال المحتمل حدوثه من ذلك الموقف وخفض أثره. بحسب موقع للعلم.
وأوضحت الدراسة أن “المتدينين يميلون إلى الثقة بأنفسهم في التعامل مع ضغوط الحياة وأزماتها، ولديهم قدرة أكبر على التعامل معها بمرونة والتأقلم معها، وهو ما يخفض معدلات القلق والاكتئاب لديهم، ويجعل ذلك معدلات الرفاهية العاطفية لديهم أكبر من غيرهم، وأن المتدينين يستخدمون الطرق ذاتها التي يستخدمها علماء النفس للحماية من الضيق والاكتئاب”.
تكشف الدراسة عن أن الأشخاص المتدينين يلجؤون إلى استخدام أدوات يعتمد عليها علماء النفس للوقاية من القلق والاكتئاب عند مواجهة الشدائد؛ لتجنُّب تأثير المشاعر المؤلمة المؤثرة على مدى رفاهيتهم وجودة الحياة التي يعيشونها، وأن التحلي بالإيمان والثقة بالنفس يحد من التداعيات السيئة التي تخلِّفها الشدائد.
ويوضح الباحثون أن المتدينين يستخدمون إستراتيجيات تساعدهم في التكيف مع ما يواجهونه من أزمات، إذ تُعد الكفاءة الذاتية من العوامل المهمة التي تؤدي إلى خفض شعور الفرد بالتوتر والقلق، إذ تكون لديهم قدرة أكثر فاعليةً في مواجهة تحديات الحياة، كما يتمتعون بقدرة أكبر فيما يتعلق بـ”إعادة التقييم الإيجابي”، وهي إستراتيجية تكيفية تنظيمية للعاطفة تحافظ على الاستقرار العاطفي في أثناء ظروف الحياة الصعبة أو المجهدة، وتوفر الحماية من أعراض الضيق المرتبطة عادةً بالاضطرابات العاطفية، كالقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
كما يتمتع المتدينون بالتعامل مع “الكفاءة الذاتية” باعتبارها جزءًا من الآليات التي توفر دورًا وقائيًّا للتكيُّف الديني ضد الضيق العاطفي، ويتمتعون بمرونة متزايدة تقلل من شعورهم بأعراض الضيق وتزيد من قدرتهم في الحفاظ على “الرفاهية العاطفية” من خلال الحد من تأثير الشدائد على “جودة الحياة”.
ويرى الباحثون أن مواجهة الشدائد هي العامل الرئيسي الذي يؤثر على عودة الناس إلى الدين؛ إذ جرى الإبلاغ عن التكيُّف الديني باعتباره أحد أكثر أشكال التأقلم شيوعًا في أوقات الأزمات، بغض النظر عن الانتماء الديني أو الثقافي، وبغض النظر عن نوع الضغوط (على سبيل المثال، وفاة الأحباء، والتحديات الشخصية، وما إلى ذلك).
ويُقصد بـ”التكيف الديني” تمتُّع الأفراد بمستوى ديني مرتفع يمنحهم إستراتيجيات فعالة لمواجهة الضغوط النفسية، ما يحقق للفرد صحةً نفسيةً جيدةً تُشعره بالأمان.
ففي كثير من الأحيان يستخدم الأفراد تديُّنهم للتأقلم مع الشدائد ووضع مصيرهم “بين يدي الله”، والتعامل مع المواقف الصعبة في الحياة باعتبارها وسيلةً إلهيةً لتقويتهم، والتعامل مع التحديات التي يواجهونها في حياتهم باعتبارها “مشيئة الله”، ما يمنحهم شعورًا بالأمان والدعم والمثابرة في المواقف العصيبة.
نتائج هذه الدراسة تتفق مع نتائج دراسة سبق أن أجراها باحثون في معهد ماساتشوستس بجامعة هارفارد، مؤكدةً أن “ممارسة الشعائر الدينية والروحية قد يكون لها آثار إيجابية على الصحة النفسية، وأن الأشخاص الذين يحرصون على أداء الصلوات اليومية أو الأسبوعية أو مارسوا التأمل في شبابهم كانوا أقل عرضةً للاكتئاب والقلق، وكانوا أقل عرضةً لإدمان المخدرات والتدخين، وأن الأطفال الذين يتم تربيتهم تربية دينية يؤثر ذلك بصورة إيجابية على صحتهم النفسية والعقلية والجسدية وعلى مستوى السعادة والرفاهية لديهم”. كما أفادت دراسة أخرى بأن “الاحتماء بالمعتقدات الدينية من شأنه أن يزيد من معدلات الرفاهية النفسية، وأن التأقلم الديني مع الأزمات، ومن ضمنها الأزمات الصحية، يحقق مزيدًا من السلامة النفسية”.
الشعائر الدينية تؤثر على صحة القلب
كما رجّح بحث جديد أن يسجل البالغون الأمريكيون من أصل أفريقي، الملتزمون بممارسة الشعائر الدينية، أو لديهم معتقدات روحية أعمق، درجات أعلى في المؤشرات المرتبطة بصحة القلب الجيدة مقارنة مع سواهم.
وسجل لدى المشاركين المتدينين مؤشرات أفضل لجهة قياس ضغط الدم، والكوليسترول، والمؤشرات الأخرى المعروفة بأثرها على صحة القلب والأوعية الدموية، بحسب دراسة نُشرت في مجلة جمعية القلب الأمريكية. بحسب سي ان ان.
على سبيل المثال، كان حضور الشعائر الدينية مرتبطًا باحتمالية أعلى بنسبة 15% لتحقيق مؤشر صحة القلب والأوعية الدموية المركبة “المتوسطة” أو “المثالية”، المكوّنة من ثمانية مؤشرات، ضمنًا النظام الغذائي، والنشاط البدني، والنوم، والتعرّض للنيكوتين.
وفي بيان صحفي، قالت الدكتورة لابرينسيس بروير، مؤلفة الدراسة الرئيسية، وطبيبة القلب الوقائي، وأستاذة الطب المساعد لدى مجموعة “مايو كلينك” الطبية، في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا: “لقد فوجئت قليلاً بالنتائج التي تفيد بأن الأبعاد المتعددة للتديّن والروحانية مرتبطة بتحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وذلك من خلال العديد من السلوكيات الصحية التي يصعب للغاية تغييرها، مثل النظام الغذائي والنشاط البدني والتدخين”.
وتابعت: “تُسلّط النتائج التي توصّلنا إليها الضوء على الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه مبادرات تعزيز الصحة المصممة ثقافيًا، والتوصيات لتغيير نمط الحياة في تعزيز العدالة الصحية”.
وأضافت أن “الأهمية الثقافية للتدخّلات قد تزيد من احتمالية أثرها على صحة القلب والأوعية الدموية، وكذلك من استدامة التغييرات الصحية في نمط الحياة والحفاظ عليها”.
وتعتبر صحة القلب والأوعية الدموية بين الأمريكيين من أصل أفريقي أضعف مما هي عليه بين الأشخاص البيض غير اللاتينيين، كما أنّ معدلات الوفاة الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية تُعد أعلى لدى البالغين الأمريكيين من أصل أفريقي منها لدى البالغين البيض، بحسب البيان.
نظرت الدراسة بردود الاستبيان والفحوص الصحية الخاصة بـ2،967 أمريكيًا من أصل أفريقي، تتراوح أعمارهم بين 21 و84 عامًا، ويعيشون في منطقة معروفة باعتناق سكانها معتقدات دينية قوية، في مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي.
ولم يشمل التحليل المشاركين المصابين بأمراض القلب المعروفة.
وصنّف المشاركون وفقًا للسلوكيات الدينية المبلغ عنها ذاتيًا بحسب العوامل الصحية، ثم قدّر الباحثون احتمالات تحقيقهم لأهداف الوقاية من أمراض القلب.
من جهتها، قالت مرسيدس كارنيثون، عالمة الأوبئة ونائب رئيس الطب الوقائي بكلية الطب في جامعة نورث وسترن بفينبرغ في شيكاغو، لـCNN، إنّ البحث يشير إلى أنّ الممارسات والمعتقدات الدينية مرتبطة بمؤشرات أفضل لصحة القلب والأوعية الدموية.
وأوضحت كارنيثون، غير المشاركة في الدراسة أنّ “اتباع القيم الدينية يتطلب الانضباط، والضمير، والاستعداد لاتباع التوجيهات. وقد تؤدي هذه السمات أيضًا إلى الانخراط بممارسات صحية أفضل تحت إشراف مقدمي الرعاية الصحية”.
وبالنسبة إلى جوناثان بتلر، الوزير المساعد في الكنيسة المعمدانية الثالثة في سان فرانسيسكو، وعضو هيئة التدريس البحثي في قسم طب الأسرة والمجتمع بجامعة كاليفورنيا، تطرح الدراسة “قضية تعزيز الدين والروحانية في تدخلات أسلوب الحياة الموجهة نحو الإيمان وذات الصلة بالثقافة”.
وقال بتلر: “تتمثل إحدى الطرق المحتملة لمعالجة التفاوتات الصحية في مجتمع الأمريكيين من أصل أفريقي بالاستفادة من قدرة رأس المال المادي والاجتماعي للمنظمات الدينية على تحسين النتائج الصحية”.
وأظهرت دراسات أخرى أن الدين يحمي من أمراض القلب والأوعية الدموية بتقليله ضغطَ الدم، ويطوّر فعالية الجهاز المناعي.