القاهرة: الخليج
مرت أمس الأول، 30 أغسطس، ذكرى رحيل نجيب محفوظ ( 1911-2006)، وتعيد دور النشر طباعة بعض الكتب – لمواكبة هذه المناسبة – التي تتناول نجيب محفوظ وأعماله الإبداعية، نقدياً وإنسانياً، ومن بين هذه الكتب «في حضرة نجيب محفوظ» للكاتب المسرحي والروائي «محمد سلماوي» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية.
يجمع الكتاب بين التوثيق، وبين متعة الحكي، عبر لغة سلسة، ويضم تفاصيل خاصة بلقاءات عدد من الأدباء العالميين، الذين كانوا يأتون إلى مصر، ويطلبون لقاء محفوظ، ومن هؤلاء الكاتب البرازيلي باولو كويلو، وكان اللقاء في منزل محفوظ، حيث قام كويلو بتقبيل يد الكاتب الكبير.
قال كويلو إنه يقبل اليد التي أنتجت أعظم الأعمال الروائية في العالم، وعلى الرغم من اندهاش محفوظ، إلا أن كويلو كرر الموقف ذاته في نهاية اللقاء، خصوصاً حين أهداه محفوظ كتابه الأخير «أحلام فترة النقاهة» بتوقيعه.
قال كويلو إنه يشترك مع نجيب محفوظ في الاهتمام بالبشر، قبل الأفكار والعقائد والأيديولوجيات، وأنه عندما يزور بلداً، إذا كان عليه الاختيار بين الجلوس إلى مقهى، أو زيارة متحف، فإنه يفضل أن يجلس إلى مقهى.
**الكنز
وأشار إلى أنه حين قرأ رواية «الطريق» لمحفوظ، وجد أن البطل الباحث عن والده، يبحث عن الحقيقة، ومن خلالها يبحث عن نفسه، وهذا أيضاً حال بطل روايته «الخيميائي» فقال محفوظ أن لكل إنسان الكنز، الذي يبحث عنه، فرد كويلو: وقد يكون الكنز بداخله، فعلق محفوظ بأن هذا هو الكنز الحقيقي.
ظل الكاتب الكبير حريصاً على الالتزام بجدول حياته اليومي، وكان يوم «السبت» مخصصاً لزيارة «سلماوي» الأسبوعية له في البيت لإجراء حوار قصير معه، حول قضية من القضايا المطروحة على الساحة، عوضاً عن المقال الأسبوعي الذي كان مقرراً أن ينشره في الأهرام، وحالت آثار محاولة اغتياله، بين القدرة على الكتابة وبينه.
كما خصص الكاتب الكبير مساء السبت للراغبين في اللقاء به، وأغلبهم شخصيات عامة رفيعة المستوى، محلية وعالمية، وهنا يحكي سلماوي عن ماريو بارجاس يوسا، كاتب بيرو الحائز جائزة «نوبل» وأنه لم يتمكن من أن «يأتي يوم السبت» كعادة من يطلبون مقابلة نجيب محفوظ.
لم تكن الحالة الصحية لنجيب محفوظ تسمح بمقابلته، وحين تعافى كان يوسا في الأيام الأخيرة من زيارته للقاهرة، فكان الحل هو أن يستقبله محفوظ في أحد لقاءاته الأسبوعية مع الأصدقاء، وكان اللقاء في فندق بالمعادي، وخشي محفوظ أن يكون المكان بعيداً، فجاء تعليق يوسا أنه مستعد للذهاب للقائه، ولو على سطح القمر.
من بين الشخصيات العالمية، التي طلبت لقاء محفوظ، كاتبة جنوب إفريقيا الحاصلة على جائزة نوبل نادين جورديمر التي اشترطت قبول دعوة الحضور، ضيفة شرف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أن يتم ترتيب لقاء لها مع نجيب محفوظ، وكانت في الثمانين من عمرها، وهو في الثالثة والتسعين.
*استثناء
حكى سلماوي أيضاً أن السفير الفرنسي في القاهرة، أخبره بأن فرنسا، قررت منح محفوظ أعلى وسام في الآداب والفنون، وأوضح له أن هذا الوسام لا يتم منحه إلا على أرض فرنسية، فإما أن يسافر محفوظ إلى فرنسا، وإما أن يقلده السفير الوسام في السفارة الفرنسية بالقاهرة.
أخبر سلماوي السفير الفرنسي بأن محفوظ لا يحب السفر إلى الخارج، حتى أنه لم يذهب إلى السويد لتسلم جائزة «نوبل» واقترح تسليم الوسام في السفارة بالقاهرة، وحين عرض الأمر على نجيب محفوظ، إذا به يرد رده المعتاد وهو أن يحضر السفير معه إلى البيت يوم السبت، ليسلمه الوسام، وجاء رد السفير بعد تفكير، بأن نجيب محفوظ شخصية استثنائية، ولا بد من اتخاذ إجراء استثنائي معه.
كان سلماوي قد اقترح على محفوظ، بعد شهور من حصوله على نوبل، أن يقضي إجازته بالإسكندرية كعادته، وبينما يستعد للسفر، وجد السكرتيرة تخبره بأنها ستطلب له سيارة من جريدة «الأهرام» ليسافر بها، فرفض، وقال إنه سيسافر بالقطار كالعادة، فردت السكرتيرة بأن هذا كان يحدث، قبل حصوله على نوبل، فقاطعها قائلاً: أنا لم أتغير، ولن يتغير شيء في حياتي.