مارلين سلوم
ما هو عدد الأفلام التي تنتجها السينما الأمريكية كل عام؟ وكم هو عدد الأفلام التي يمكنك مشاهدتها لتشعر بمتعة حقيقية وتجد فيها كل معاني الإبداع والفن في التصوير والإخراج والموسيقى والتجدد في الكتابة والتأليف وفي الحوار..؟ لا مجال للمقارنة، فالكم يفوق النوع بدرجات، والمعروض كثير جداً، بينما الجيد والمميز نادر جداً، وقد يختفي في بعض المواسم. لا تفهم مثلاً لماذا تم إنتاج فيلم مثل «كود نايم: بانشي»، وترجمته «اسم الرمز: الشؤم»؟ ولماذا يقبل نجم مثل أنتونيو بانديراس، أن يكون حضوره مجرد وسيلة لتسويق الفيلم، وضمان إقبال عدد من الجمهور لمشاهدته في الصالات؟ فيلم يتكئ على مسميات وأسماء كبيرة، بينما هو فارغ إخراجاً ومضموناً.
محاولة استغلال اسم وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه»، واتهام البطل الرئيسي بالخيانة وتهريبه عميلة روسية، واستغلال النجم المحبوب أنتونيو بانديراس لكونه بطلاً اقترن حضوره في ذهن الجمهور بصورة «زورو» نجم الأكشن والرومانسية، كلها «كليشيهات» باتت معروفة، ولا يمكن الاعتماد عليها بعد الآن لضمان أي نسبة، ولو بسيطة، لنجاح أي فيلم؛ فالجمهور أصبح صاحب خبرة كبيرة في النقد السينمائي، ولا تنطلي عليه هذه المقدمات لاستدراجه، رغم استمرارية تأثير أسماء النجوم ومشاهير الفن السابع في الناس، والمساهمة في تحفيزنا على المشاهدة.
في «كود نايم: بانشي» توقعنا أن نشاهد أكشن بوليسياً مخابراتياً، وربما رومانسياً قليلاً، ظريفاً إلى حد ما، نقضي معه نحو ساعة ونصف الساعة من الوقت نحصد المتعة الفنية على أقل تقدير، إن لم نحصد الجودة في القصة، والعمق في الكتابة، والإبهار في الإخراج، فانطلقنا مع المخرج جون كييس، والكاتب ماثيو روجرز، في مغامرات لم تبدأ قوية في التشويق، رغم الأجواء المظلمة والمخابراتية والتحقيق الجدي والحوار الحاسم بين امرأتين كارلا (كيم ديلونجي) التي تحقق مع الثانية بانشي (جايمي كينج) باعتبارها ابنة أحد عميلين سابقين في وكالة المخابرات الأمريكية جيرمي (كولن ووكر) وزميله كاليب (أنتونيو بانديراس) المتهمين بتسليم مصدر روسي مهم والهروب. مقدمة تتقطع فيها المشاهد وتتداخل مع أسماء فريق عمل الفيلم وفريق الإنتاج، ويتقطع الحوار بإيقاع يُفقد الغموض سحره، لكننا توقعنا أن يكون المخرج قد أجّل جرعة التشويق والإثارة لما بعد المقدمة.
نفهم أن بانشي ابنة جيرمي التي تدربت على يدي كاليب لتكون عميلة مخابرات من الطراز الأول، قررت البحث عن الحقيقة، لكننا لم نفهم لماذا تعاقدت الوكالة المركزية مع عميل آخر لديها، أنتوني جرين (تومي فلاناجان)، تولى مهمة ملاحقة كاليب ودفع جائزة عشرة ملايين دولار لمن يجده، بعد مرور خمسة أعوام من وقوع الحادثة التي تبين أن جيرمي قُتل فيها، وغاب أي أثر لكاليب. يتصل جرين ببانشي ويحاول استدراجها إلى فخ، لكن بما أنها البطلة الخارقة التي لا تُقهر، وبذكائها الخارق أيضاً، تتمكن من قتل عدد لا يحصى من رجال جرين المدججين بالسلاح، وهي لا تحمل سوى مسدسين كاتمين للصوت تشهرهما في آن واحد طوال الفيلم.
البطلة الخارقة يساعدها هاكر (خارق أيضاً)، كرونوس (ألكسندر فيشلبويم)، لا تفوته أي تفصيلة في عالم الالكترونيات، يخترق بسهولة كل الحسابات، حتى أنه يتمكن من الدخول ببساطة على ملفات ال«سي آي إيه» وأخذ المعلومات التي يريدها، ويتابع بانشي عبر الاتصال المباشر معها، ويعطّل الكاميرات في المبنى الذي تقصده، ويتحكم في المصعد الكهربائي وفي السيارة التي ستقودها، فيدير محركها من مكانه البعيد لتستقلها هي بلمح البصر، وتنطلق مسرعة مخلفة عشرات القتلى، وخيبة لدى جرين. وبفضل ذكاء الهاكر كرونوس تعرف المكان الذي لجأ إليه كاليب ليبدأ حياة جديدة بعيدة عن عمله السابق وكل المشاكل.
طوال الفيلم وأنت تنتظر الإطلالة المبهرة لأنتونيو بانديراس والتي لا بد أن تحدث فرقاً كبيراً، وتقلب الأحداث ويستلم هو دفة الفيلم، ليقود ما تبقى منه حتى النهاية، لكنك تفاجأ بأن هذا النجم هو مجرد ضيف شرف، تم استغلاله بشكل جيد منذ اللقطة الأولى، حيث يظهر بالشكل أكثر من الفعل، بينما المحرك الأول والبطل الرئيسي هو جايمي كينج التي لا تجيد التمثيل، مجرد مؤدية للمشاهد، شعرها وملابسها وشكلها يليق بالدور ظاهرياً، بينما هي تجسد الشخصية بلا روح، كأنها روبوت، لا تتأثر بالأحداث ولا تؤثر في المشاهدين، لذا يمكن القول فعلياً إنها شريكة في إفشال العمل الذي بُني أساساً على أحداث لا منطقية، وبرود وجمود في إيقاع الأكشن، وإطالة في الحوار يزيد من فتور الحركة وحماس الجمهور، وحوارات لا مشاعر فيها تجبر المشاهدين على التعاطف مع الأبطال..
طبيعي ألا يحقق الفيلم نجاحاً، لا في التقييم، ولا في نسب المشاهدة، فرغم وجود الكثير من أفلام الأكشن والقتال الخالية من المنطق، والمعتمدة على القوة البدنية لأبطالها، إلا أنها تعتمد في جزء أساسي على أداء نجومها، والأهم على الإخراج والجرافيك والتقنيات الحديثة، بينما المخرج جون كييس، تاه بين الأكشن والدراما، فلا طال هذا ولا أتقن ذاك، ولم يساعده النص في تقديم مضمون يساعد في رفع مستوى العمل، ويجبرنا على التفاعل معه، كتابة باهتة، حتى في الأجزاء المفترض أن نتعاطف معها مرت عادية وضعيفة، مثل موقف اكتشاف بانشي كيفية قتل والدها، واللحظة الحاسمة التي يفارق فيها كاليب ابنته الوحيدة هايلي (كاثرين دايفيس).
ولم نتأثر أيضاً، أو نتحمس لوجود فتاتين مسلحتين بمسدسين، وبضع قنابل يودوية في مواجهة عصابة من الرجال مدججة بكل أنواع الأسلحة، ورغم ذلك لكم أن تتخيلوا كيف تكون النهاية ومن سينتصر؟
فكرة جديدة
لا قيمة لأي عمل سينمائي يخلو من فكرة جديدة وعمق في الفكرة وإبداع في كل جوانبه الفنية؛ ولا يكتمل أي عمل بأبطال باهتين، فجايمي كينج لا يمكن أن تكون بطلة خارقة لأفلام جاسوسية، أو أكشن مقبلة، وأنتونيو بانديراس الذي وافق أن يخدع الجمهور باللعب على حضوره في صدارة الملصق الدعائي للفيلم، لن يحصد محبة هذا الجمهور، ولن يضمن استمرارية نجوميته، إن استمر في الاعتماد على مثل هذه النوعية من الأفلام والأدوار الباهتة، إذ لا يكفي أن يسجل النجم حضوراً في عمل ما كي يضمن حضوره الدائم على قائمة النجوم الحاضرين في السينما، وفي ذاكرة الجمهور، مثلما يفعل بروس ويليس الذي يكثف من الحضور على الشاشة من دون أن يحصد نجاحاً وتميزاً يليق بالنجومية التي حققها في السابق.
[email protected]