الجناح “البرازيلي” فينيسيوس جونيور لفت الأنظار هذا الموسم، ليس بسبب تسجيله 5 أهداف وصناعة 4 مع ريال مدريد، ولكن لأنه يرقص عندما يسجل!
حدث غريب وعجيب وضجة هائلة بمختلف أنحاء أوروبا، حول أزمة صاحب الـ22 سنة، لمجرد أنه فعل ما اعتاد على مشاهدته منذ أن كان طفلًا من أبناء بلاده.
إنها كرة القدم الحديثة، والحساسية التي دفعت البعض للتفوه بإساءات عنصرية والتوعد لفينيسيوس بحدوث مشكلة مماثلة لما شاهدناه أمام ريال مايوركا لو احتفل بنفس الطريقة!
اللاعب فعل ما هو صواب ورفض الاعتذار، ولكنه كان مضطرًا لتبرير ما فعله مستشهدًا بالعديد من النماذج الأخرى ببلاده مثل رونالدينيو وأنطوان جريزمان ولوكاس باكيتا، فهل احتاج لهذا التبرير؟
لماذا فينيسيوس؟
لو كنت من مواليد أوائل التسعينات أو أواخر الثمانينات، ستعرف جيدًا أن الاحتفال بالرقص من أهم سمات اللاعبين البرازيليين، وبالتحديد في رقصة “السامبا” الشهيرة التي تعتبر من علامات نجوم البلد الواقعة في أمريكا الجنوبية على مر العصور، وبالتوازي معها رقصة التانجو في الأرجنتين.
فكرة الاعتراض على رقصة فينيسيوس قمة في الغرابة ومن الصعب العثور على مصدرها، لأنه لم يحتفل بطريقة مستفزة أو قام بإهانة أي شخص عن طريق احتفالاته.
هل هو أول لاعب يرقص؟ التاريخ حافل بالعديد من النماذج مثل رونالدينيو، نيمار، جريزمان، داني ألفيش، روجيه ميلا ورقصته الشهيرة في 1990، بيتر كراوتش، إيمانويل إيبويه، روبينيو وكارلوس تيفيز.
عدد لا يحصى من اللاعبين الذين احتفلوا دون التعرض لأي مشكلة، بل تم اعتبار رقصاتهم كماركة مسجلة لهم وبالتحديد رونالدينيو الذي يعتبر أشهر برازيلي راقص في التاريخ.
هل الأمر يتعلق بالعنصرية؟ لو افترضنا هذه الفكرة، لماذا لم يتعرض أي من بول بوجبا أو إيمانويل إيبويه أو ديدييه دروجبا وغيرهم من النجوم السود لنفس الحملة من الهجوم؟
احترام الخصم
الإجابة الوحيدة المنطقية التي تفسر حالة الغضب من رقص فينيسيوس، هي حالة الحساسية التي أصبح يشعر بها البعض والتي يقوم بتبريرها بجملة مطاطية وهي احترام الخصم.
التطور الذي نشهده في كرة القدم الحديث جعلنا نصل إلى هذا الحد، وهناك أفعال كان يتم التصالح معها في الماضي، أصبحت لا تمر مرور الكرام في الوقت الحالي بسبب هذا النوع من الحساسية.
اليوم نجد البعض يعترض على رقصة فينيسيوس ويصفها بعدم الاحترام، وغدًا سنرى البعض يطالبون بعدم الاحتفال من الأساس بعد التسجيل لمراعاة مشاعر الخصوم.
وربما نجد في المستقبل مطالب بتقليص عدد المراوغات لكل لاعب في الملعب، وعدم استعراض مهاراته، وقتل الارتجال تمامًا من الكرة لعدم إهانة الفريق المنافس.
وبعدها سنجد حملات على بايرن ميونخ ومانشستر سيتي وليفربول وريال مدريد وبرشلونة، بسبب عدم احترام الخصوم والانتصار عليهم بنتائج ساحقة تزيد 5/0، والمطالبة بالفوز بـ4 أهداف أو أقل لتجنب إهانة الفرق الأخرى.
نفاق وتناقض
صفة يتسم بها العديد من المشجعين والمتابعين لكرة القدم مهما كانت مواقعهم، وهي النفاق، كل شيء جيد وعلى ما يٌرام لأنه معي وليس ضدي.
جماهير أتلتيكو مدريد هاجمت فينيسيوس وقامت بتوجيه هتافات عنصرية ضده بسبب احتفالاته، ولكن رقصات لاعبهم جريزمان كانت تكريمًا للخصوم وليست لإهانتهم بكل تأكيد!
هذا النوع من النفاق هو نفسه الذي يجعل توني كروس لا يطالب “زميله” فينيسيوس جونيور بالتوقف عن الرقص لاحترام الخصوم، بينما حرص الألماني بمناسبة ومن دون مناسبة التدخل فيما لا يعنيه بالاعتراض على احتفالات بيير أوباميانج مع آرسنال وبوروسيا دورتموند باستخدام قناع “باتمان” الشهير بعد التسجيل في كل ديربي، رغم أن الجابوني كان يفعلها من أجل طفله وليس لإيذاء أي شخص.
احتفالات فينيسيوس وغيره يجب أن تكون مقبولة لدى الجميع، لأن الكرة هي التي تجمع البرازيلي مع الفرنسي والإسباني والإنجليزي والأرجنتيني والعربي في مكان واحد، لذلك فالكل مُجبر على قبول تنوع الثقافات وطريقة كل شخص للتعبير عن فرحته.
طالما لم يقم اللاعب بتخطي القواعد المتعارف عليها في احترام الخصوم وعدم توجيه أي إهانات لهم، فكل شيء مقبول بل ومُرحب به لإضافة المزيد من المتعة والارتجال للعبة التي عشقناها منذ الطفولة لأنها غير متوقعة وحافلة بالفوضى الخلاقة التي بدونها ستصبح الكرة لعبة مملة نعتبر فيها الرقص جريمة وكارثة يجب التوقف عنها!