دور البرد المنتشر في المدارس! الصحة: إصابة 73% من الأطفال بالفيروس المخلوي التنفسي
- جيمس غالاغر
- محرر الصحة والعلوم – بي بي سي
علامة عند المشي تنذر بارتفاع الكوليسترول
أتمنى أن تحتوي عينة الدم هذه على إجابات، لأن ثمة سؤالا يلح علي: هل لم أصب على الإطلاق بفيروس كورونا؟
أن يتمكن أحد من تفادي الإصابة به يبدو شيئا استثنائيا. فقد اجتاح الفيروس شتى بقاع العالم منذ ظهوره في الصين قبل نحو ثلاثة أعوام مضت. وظلت المتحورات الجديدة تكتسب قدرة أفضل على إصابتنا. حتى اللقاحات تقلل من خطورة الفيروس فحسب ولا تمنحنا درعا لا يمكن اختراقه.
لكنني ظللت أذهب إلى العمل طوال تلك الفترة، حتى أثناء الإغلاقات، وقد أصاب الفيروس باقي أفراد أسرتي بعنف، ورغم ذلك لم أمرض. أنا لست بأي حال من الأحوال الشخص الوحيد الذي لم تظهر عليه أعراض كوفيد ولم تكن نتيجة اختباراته إيجابية. أحد التقديرات المنشورة الصيف الماضي يشير إلى أن واحدا من بين 10 كل أشخاص في المملكة المتحدة لم يصب بعد بالعدوى.
ما الذي يجري إذن؟ هل يحتوي جسمي وتحتوي أجسام الأشخاص الذين لم يصابوا بكوفيد على الإطلاق سرا ما لمحاربة المرض؟
هناك ثلاثة احتمالات عامة إذا ما كنت تظن أنك لم تصب بالفيروس على الإطلاق:
- أن تكون مخطئا، فقد أصبت بالفعل بالفيروس ولكنك لم تدرك ذلك
- ألا تكون قد احتككت به
- أو أن جسمك به آلية دفاع إضافية نجحت في صده
تقول الدكتورة ليندزي برودبنت المتخصصة في علم الفيروسات بجامعة سَري بإنجلترا: “هناك الكثير من الأشخاص الذين يقولون إنهم لم يصابوا مطلقا بمرض كوفيد. غالبيتهم على الأرجح مخطئون، فلربما أصيبوا بالعدوى ولكنها لم تسفر عن أية أعراض”.
وتضيف: “لكننا نعلم أن هناك بعض الأشخاص الذين لم يصابوا بالعدوى على الإطلاق، حتى بين هؤلاء الذين يعملون في بيئة مرتفعة الخطورة، كالممرضات”.
وتوصلت دراسة لأشخاص أجروا اختبارات كوفيد بصورة دورية إلى أن نصف هؤلاء الذين أصيبوا بمتحور أوميكرون لم يدركوا إصابتهم، أو أرجعوا الأعراض الخفيفة التي ظهرت عليهم إلى سبب آخر.
سوف تحدد عينة الدم – التي آلمني استخراجها من إصبع السبابة – ما إذا كنت أنا أيضا أخدع نفسي أم لا. أضع العينة في قنينة صغيرة وأرسلها بالبريد إلى مختبر بحثي لتحليل خليط الأجسام المضادة الذي تحتوي عليه.
الأجسام المضادة جزء من جهاز المناعة، وتعمل مثل القذائف التي تلتصق بالفيروسات، ما يمنعها من عدوى خلايا الجسم، ويخبر بقية مكونات جهاز المناعة بأن تقتل الفيروس.
الأنواع المختلفة من الأجسام المضادة تلتصق بأجزاء مختلفة من الفيروس، ويركز الاختبار على نوعين منها:
- الأجسام المضادة التي تلتصق ببروتين موجود على سطح الفيروس يسمى البروتين الشوكي (spike protein)
- الأجسام المضادة التي تلتصق بالطبقة الداخلية للفيروس – المسماة القفيصة النووية (nucleocapsid) – والتي تحمي الشفرة الجينية للفيروس.
كافة اللقاحات المستخدمة في المملكة المتحدة تدرب الجسم على مهاجمة البروتين الشوكي فقط. حتى بعد مرور عام على آخر جرعة منشطة تلقيتها، أظهر الاختبار أن لدي مستويات مرتفعة من الأجسام المضادة للبروتين الشوكي.
يتعلم الجسم كيف يهاجم الأجزاء الأخرى من الفيروس فقط عندما يواجه الفيروس ذاته. إذا ما كان دمي يحتوي على الأجسام المضادة للقفيصة النووية، فإن ذلك يعني أنني أصبت بعدوى كوفيد من قبل.
تأتي نتيجة التحليل سلبية، وهكذا تكون فكرة أنني لم أصب بكوفيد مطلقا قد تخطت أولى عقباتها.
تدعوني البروفيسورة مالا مايني أستاذة علم المناعة الفيروسية إلى مختبرها بجامعة كوليدج لندن University College London لفحص النتائج.
تقول لي: “ربما يعني ذلك أنك لم تصب بالعدوى على الإطلاق، ولكنه قد يعني أيضا أن جسمك كوّن الأجسام المضادة للقفيصة النووية ثم اختفت من دمك”.
بيد أن كافة اختبارات كوفيد التي أجريتها لم تأت نتيجة أي منها إيجابية، رغم أنني:
- كنت أجري اختبارات المسحة السريعة مرتين في الأسبوع خلال فترة طويلة من تفشي الوباء لكي أتمكن من الذهاب إلى العمل
- كنت أجري اختبارات ما يعرف بتفاعل بومليرايز المتسلسل “PCR”، أو الاختبارات السريعة، كلما ظهرت عليّ أعراض
- كنت أجري اختبارات بشكل يومي عندما أصيب أفراد أسرتي بكوفيد
استنتاج البوفيسورة مايني جاء كالتالي: “إضافة ذلك إلى نتيجة اختبار الأجسام المضادة للقفيصة النووية تشير إلى أنك ربما لم تصب بعدوى متكاملة الأركان”.
“ربما تكون قد أصبت بما نطلق عليه عدوى مُجهَضة ‘”.
مناعة مسبقة
فكرة العدوى المُجهضة تعني أنك تُستَهدف من قبل الفيروس، بل ويتمكن الفيروس من الوصول إلى الأماكن اللازمة لبدء العدوى، ولكن جسمك يحاصره قبل أن ينتشر.
نعلم أن ذلك يحدث من خلال الدراسات التي عمدت إلى إصابة الأشخاص بالعدوى. خلال تلك التجارب، كان يتم بخ الفيروس في أنوف المتطوعين الأصحاء، ومع ذلك فإنه من بين الأشخاص الـ 34 الذين شاركوا في الدراسة، لم تظهر العدوى إلى على نصفهم.
خط الحماية الأول هو الجهاز المناعي الفطري. هذا هو الدفاع التلقائي لأجسامنا. لا يستطيع ذلك الجهاز أن “يتذكر” عدوى الفيروسات المختلفة، ولذلك كل مرة تحدث الإصابة تكون بمثابة المرة الأولى بالنسبة له. لكنه يعمل بسرعة وبإمكانه وقف انتشار العدوى أو صدها.
أوضحت الدكتورة برودبنت ذلك من خلال إجراء تجارب استخدمت فيها رئات مصغرة تم زراعتها باستخدام خلايا بشرية، وحاولت إصابتها بعدوى الفيروس.
تقول برودبنت: “وجدنا شخصا واحدا لم نتمكن من إصابته، كنا نصب كميات هائلة من الفيروس على تلك الخلايا ولكن لم تحدث العدوى”.
النصف الآخر من الجهاز المناعي يعرف بالجهاز المناعي التكيفي، أو المكتسب، والذي يتعلم ويتحسن مع الممارسة. وهنا يأتي دور اللقاحات التي تهيء الجسم لمحاربة كوفيد.
تقول البروفيسورة مايني: “ربما تكون اللقاحات قد قامت بدورها على أتم وجه ومنحتك مناعة جيدة جدا”.
لكن اللقاحات لا تمنح سوى حماية محدودة ضد الإصابة بالفيروس، وسرعان ما تتلاشى. كما أنه لم تكن هناك لقاحات خلال العام الأول من الوباء.
بيد أن هناك طرقا أخرى يستطيع من خلالها هذا الجزء من الجهاز المناعي أن يوقف العدوى.
فقد أظهرت عينات الدم المأخوذة من العاملين بالمستشفيات قبل الوباء أن بعضا منهم كان لديه بالفعل ما يعرف بالخلايا التائية (T-Cells). هذه الخلايا تعمل كحراس يفحصون الخلايا الأخرى بحثا عن أي دلائل على حدوث العدوى. وإذا ما وجدوا خلية مصابة، يقتلونها.
حتى قبل وصول الحالات الأولى إلى المملكة المتحدة، كان بعض الأشخاص لديهم تلك الخلايا المكافحة لكوفيد في دمهم. هذا على الأرجح ناتج عن إصابتهم بفيروسات كورونا المسببة لنزلات البرد الشائعة، والتي تشبه إلى حد كبير فيروس كوفيد.
تخبرني البروفيسورة مايني بأنه “لو كان لديك أطفال صغار يذهبون إلى المدرسة، فمن المرجح جدا أنك تعرضت لتلك الفيروسات في الأعوام السابقة”.
“إذا كان لديك الخلايا التائية تلك المتأهبة للعمل طوال الوقت، فإنها من الممكن أن تتصرف بسرعة أكبر وتقضي على العدوى قبل أن تظهر في نتيجة الاختبار”.
الأمل هو تطوير جيل جديد من اللقاحات التي يمكنها محاكاة هذه المناعة الموجودة مسبقا.
تقول البروفيسورة مايني: “إذا تمكنا من جعل الخلايا التائية تلتصق بالمناطق الداخلية من الفيروس، ثم الحصول على تلك الاستجابة في الأنف والمجاري الهوائية والرئتين، ستكون هناك فرصة أفضل بكثير في نجاحها في إجهاض العدوى قبل أن تنتشر، هذا هو الهدف”.
حدسي يخبرني بأن طوفان الميكروبات التي يأتي بها كل طفل صغير من الحضانة وينقلها لأبويه المتعبين بالفعل ربما يكون قد ساعدني على تفادي كوفيد.
هل هناك تفسيرات أخرى؟
هناك احتمالان آخران، ولكن أحدهما لا ينطبق علي، والآخر شديد الندرة.
بعض الأشخاص لم يتعرضوا مطلقا للفيروس لأنهم توقفوا عن الاختلاط بالناس. وقد أجريت حوارات مع أشخاص عزلوا أنفسهم لما يقرب من 1000 يوم، عادة لأن جهازهم المناعي ضعيف ما يجعلهم أكثر هشاشة. هذا لا ينطبق علي، إذ كنت أستقل القطار لأذهب إلى العمل خلال تفشي الوباء، بل وكنت أنام إلى جانب طفلي الصغير في الفراش خلال مرضه.
الفكرة الثانية هي المناعة الجينية التي تحدث مع أمراض أخرى.
المثال الشهير هو فيروس نقص المناعة المكتسبة لدى البشر “إتش.آي.في”. هناك عدد قليل ونادر من الناس المولودين بطفرة جينية تحميهم تماما من الفيروس. هذه الطفرة التي يطلق عليها اختصارا “سي.سي.آر 5” تحدث في جزء من شفرتهم الجينية وتعمل على تغيير “الأقفال” الموجودة في خلايا الجسم بحيث لا يستطيع فيروس إتش.آي.في اختراقها. وقد تم الاستفادة من ذلك في علاج بعض المرضى المصابين بالفيروس، وتبين أن طفرات مماثلة تمكنت من الحيلولة دون دخول فيروس كورونا إلى خلايا أجسام بعض الأشخاص.
تقول الدكتورة برودبنت: “عدد الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من المقاومة الجينية ضئيل للغاية”.
هل سأكون في مأمن من كوفيد هذا الشتاء إذن؟
إذن، هل أستطيع أنا وغيري من الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس أن نشعر بالثقة مع اقتراب موسم احتفالات عيد الميلاد، أم أننا في واقع الأمر الأكثر عرضة للخطر؟
الحماية التي يمنحها اللقاح تعني أن فرص العدوى التي تنتج عنها أعراض مرضية شديدة الوطأة تصبح أقل بقليل، حتى ولو أن اللقاح ليس باستطاعته وقف العدوى تماما.
لكن بعض الأبحاث، ومن بينها دراسة أجريت في سويسرا، تشير إلى أن كون الشخص قد أصيب بالفيروس وتلقى اللقاح – أو ما يسمى بالمناعة الهجينة – ينتج عنه أقوى استجابة مناعية.
لذا تنبهني البروفيسورة مايني إلى أنني قد أكون “أكثر عرضة قليلا للإصابة”.
وتوافقها الدكتورة برودبنت في الرأي، إذ تقول: “إذا كنت تظن أنك لم تصب به حتى الآن، هذا لا يعني مقاومتك له..الاحتمال الأكبر هو أنك محظوظ”.
شخصيا، لدي شك في أن كتابة هذا المقال ربما تغري القدر، ما يضمن أنني سوف أصاب بكوفيد بحلول أعياد الميلاد!