محمد نجيم (الرباط)
إذا كانت اللوحة هي قصيدة شعرية تسبح في اللون، فإن الشاعر والتشكيلي المغربي فؤاد شردودي وفيٌّ لهذا الرأي، فلوحاته التي قدمها في قاعة باب الرواح بالرباط، تسبح في مساحات شاسعة من الألوان والخطوط المتناغمة رغبة منه في وضع المتلقّي ينصت لنص شعري ينبثق من اللون والأشكال، حيث تتمظهر المسافات والرؤى الفنية بعمق دلالي ومحملة بضربات الريشة، التي تثري العمل الفني بالتعابير اللونية ليؤصل أسلوبه الخاص بمقومات جمالية ذات منحى ينهل من معين الجمال والإشارات، والرموز وانكسارات الضوء والظلال لتشكيل معمار اللوحة وبسردية بصرية مشحونة بتدفقات لونية تتناغم فيها الألوان الفاتحة والمبهجة، ليرسل دلالات تجريدية قوية ومحملة بالشعر وصفاء البوح، وحيث تتشابك الدوائر وتنسجم مع روحانية الخطوط والظلال وفق بعدٍ رؤيوي عميق يتغنى بالجمال والشاعرية، ويستجيب لإيقاع الروح التواقة للتحرر من أسر المادة واليومي الرتيب.
يصف الناقد الجمالي فاروق يوسف أعمال فؤاد شرودي بقوله: كما العصف المفاجئ، يرسم، ذلك لأنه بسبب تربيته الاحترافية غالباً ما يجد نفسه مطارداً بالأفكار والرؤى والأشكال، فإنه لا ينتظر لحظة الإلهام ليرسم أو يكتب الشعر، ذلك لأن الإلهام يرافقه أينما مضى، وبالأخص إذا كان في مرسمه. المواد التي يعمل من خلالها تملك سلطة غير محدودة للإلهام، وهناك أيضاً سبب دائم لكتابة الشعر، ذلك ما دفع شردودي إلى الإيمان بحقيقة أن العمل المستمر، وبطريقة مخلصة وصادقة، هو الذي يستدعي الإلهام. وبعد سنوات من الغياب يبدو شردودي كما لو أنه يحاول قول كل شيء في لوحة واحدة. ذلك الاستنتاج ليس صحيحاً. ربما يبدو الأمر كذلك لو اكتفى المرء برؤية لوحة واحدة، غير أن رؤية المزيد من اللوحات لا بد أن تؤدي إلى كسر ذلك الوهم. فالرسام الذي يقبل على رسم كل لوحة جديدة كما لو أنها لوحته الأخيرة يساهم في صناعة ذلك الوهم، غير أنه سرعان ما ينفضه حين يبدأ برسم لوحة جديدة، وهكذا تتكرر لعبة يكون الفنان سيدها. ولأن فن شردودي يقوم أصلاً على اختراع أشكال لا أصول لها في الواقع، فإن الاختلاف في النظر إليه إنما يزيد من سعة المساحة التي يتحرك فيها، فهو ليس صنيعة مكان بعينه وإن كان يعلق على صلته بالأثر شيئاً من الأمل، وهو لا يرتبط بزمن بعينه لأنه محاول للتنقيب بين السطوح المتراكمة بحثاً عن زمنه الخاص، وإذ يحرر الفنان فنه من عنصري المكان والزمان يهب عالمه حرية الاستمرار في النمو والتطور. شردودي هو ابن الألفية الثالثة وفنه كما هو من أبناء جيله المتمردين يعيد المغرب إلى صدارة المشهد الفني العربي بعد سنوات من الغياب.