دبي: مها عادل
أسدلت دبي أوبرا، السبت، الستار على عروض باليه «روميو وجولييت» الذي قدمته الأوبرا على مدار 3 أيام متتالية؛ حيث أعادت فرقة باليه ولاية جورجيا إحياء قصة روميو وجولييت الشهيرة للكاتب ويليام شكسبير التي تروي قصة الحب والخسارة، وذلك من خلال مجموعة رائعة من اللوحات الراقصة والأداء الرومانسي المبهر الذي نجح في نقل المشاهدين إلى ربوع فيرونا، ليعيشوا أجواء النزاعات بين العائلات المرموقة وتأثيرها المدمر على قصة حب وليدة بين شاب وفتاة من العائلتين المتنازعتين.
تميز هذا العرض الأيقوني الذي استمر 3 ساعات يتخللها فاصل قصير، بتقديم القصة الشكسبيرية الشهيرة عبر خطوات الباليه الرشيقة من دون اللجوء لكلمة واحدة بالعرض فكانت الموسيقى والخطوات والإيماءات كافية بتوصيل كل معاني الرواية للمشاهد بسلاسة ليس لها مثيل فكل خطوة تروي كلمة وكل لفتة تجسد موقفاً وكل نظرة تحمل معنى وتنقل مشاعر اللهفة أو الحزن، القلق أو العداء، الحب أو الاندفاع، التعاطف أو التضحية.
ولعبت الموسيقى الكلاسيكية الحية المصاحبة للعرض دور البطولة في دمج الحضور مع مشاهد العرض المسرحي، فالموسيقى الحية التي قدمتها فرقة أوركسترالية كاملة تضم أكثر من 70 عازفاً من رؤية الملحن الروسي الشهير «سيرجي بروكوفييف» حصدت إعجاب الجمهور، ونالت القدر الأكبر من الإعجاب والتصفيق في القاعة الرئيسية بالأوبرا، ومن قبلها حصدت على إشادة النقاد في جميع أنحاء العالم لما تمتلكه من مقومات تجعلها تأسر حواس المشاهدين وتثير مشاعرهم وتوحدهم مع انفعالات القصة المختلفة.
ونجحت الخلفيات المجسمة والمتحركة للمسرح في سرد أحداث الرواية واصطحاب المشاهدين في الأماكن المختلفة التي تدور فيها الأحداث لتضعنا في أجواء عصر النهضة الأوروبية في مدينة فيرونا الإيطالية، فنقلت لنا أجواء الفخامة التي تسيطر على القصور والبهاء الذي يزين الحدائق والمناظر الطبيعية والزهد الوقور الذي يغطي جدران الديرو الكنيسة، كما برع المخرج في توظيف آليات الإضاءة بالمسرح بشكل مبهر وغير تقليدي؛ حيث كان حريصاً على توظيف وحدات الإضاءة بشكل يضيف شخصية مميزة لكل مشهد فتميزت الرقصات الرومانسية بوحدات إضاءة على شكل شمعدان عملاق لتجسيد روح السكينة والشاعرية.
وتلونت الإضاءة بألوان تأرجحت بين الأزرق المعبر عن حالة الموت والحزن والبرتقالي الذي يرمز للبهجة والأحمر عند مواقف التوتر والمبارزات والقتال بين الخصوم من العائلتين، كما لعبت الألوان دورها أيضاً بتوظيف الملابس والإكسسوارات في التعبير، فجولييت البريئة الجميلة ترتدي الأبيض الفضفاض كالملائكة، وروميو ظهر في البداية بالأزرق الفاتح رمز الصفاء، لكنه في المشاهد الختامية عندما أصبح قاتلاً مطارداً أصبح يرتدي الأسود في إشارة للتراجيديا والمأساة التي تحدق بقصة الحب، وتوظيف الإكسسوارات مع الإضاءة بحرفية ممنهجة جعل من بعض المشاهد المؤثرة تبقى عالقة في ذاكرة المشاهدين بعد انتهاء العرض، مثل لقاء روميو وجولييت الأول وكيف كان الرقص بينهما حالماً ومتناغماً وكانت جولييت تقفز وتطير كالفراشة التي تتملكها النشوة والفرح عندما ترى النور وتتجه إليه من دون أن تدرك أن هذا النور يمكن أن يخفي لهباً يحرق جناحيها.
وتدور أحداث القصة الشهيرة بنسختها الراقصة، حول قصة تنمو بها أزهار الحب في أرض تغرقها الدماء ومشاعر الحقد والانتقام والكراهية ليجد العاشقان أنفسهما في مواجهة مباشرة مع مشاعر متناقضة وهو ما جعل العرض ثرياً بالمشاعر والطاقة التعبيرية المتدفقة، وقد نجح المخرج في اختيار أبطال العرض باحترافية تحسب له، فبطلة العرض نجحت في إحياء الصورة الذهنية الأيقونية لجولييت الحالمة الرقيقة، بينما أخلص بطل العرض في كسب تعاطف الحضور بكل مشاعر الحب والتحدي والعنف والشجاعة ومواجهة الموت في نهاية العرض.
وكانت إدارة المجاميع وتحريك الممثلين أو «الميزانسين» من أدوات العرض في الوصول إلى قلب وعقل المشاهدين، خصوصاً في المشاهد التي تتضمن عدداً كبيراً من الراقصين والممثلين أو مستويات متعددة من المنظور المسرحي كما كانت الملابس والإكسسوارات شريكاً في نجاح العرض، لأنها وضعتنا في فخامة «الريينسانس» وبساطة قصة الحب الرومانسية في نفس الوقت.