«رحلة كامل التلمساني»… من السريالية إلى السينما
كتاب يتضمن وثائق مهمة عن سيرة حياته ومراحله الإبداعية
الاثنين – 17 محرم 1444 هـ – 15 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [
15966]
القاهرة: حمدي عابدين
عن رحلة الفنان التشكيلي والسينمائي المصري كامل التلمساني، في عوالم السريالية، وعلاقته بفنانيها الذين أسسوا لها في مصر قبل نحو 90 عاماً، يدور كتاب «رحلة كامل التلمساني… السريالي في مواجهة الواقعي»، الذي صدر مؤخراً للكاتب والباحث محسن البلاسي عن دار «الثقافة الجديدة».
قضى البلاسي سنوات عديدة لتقصي رحلة التلمساني، يفتش في آثار ودروب ومصادر عديدة، قادته في النهاية لإنجاز كتابه، بمساعدة كبيرة من الكاتب سمير غريب، خصوصاً في توفير وثائق مهمة تخص إبداعات الحركة السريالية، كما استفاد البلاسي كثيراً من كتاب غريب «السوريالية في مصر»، وقام بتسجيل حوار معه حولها. أما الكاتبة مي التلمساني، فوفرت له الكثير من وثائق عمها، ومنها حصل المؤلف على صورة لعقد رواية كامل التلمساني المفقودة «أم محمد» التي كان من المقرر أن تطبعها عام 1959 «دار الفجر الجديد»، لكنها اختفت ولم تصدر، ورسالة موجهة له من الرئيس جمال عبد الناصر، كلف مجلس الوزراء بتوجيهها إليه ليشكره بعد أن قرأ كتابه «سفير أميركا بالألوان الطبيعية» عام 1957، ومفكرته التي كان يسجل فيها أفكاره، ومخطوطات من كتابه «عزيزي شارلي» ومقالات نشرها في مجلات «دون كيشوت» و«التطور» و«الغد» و«روزاليوسف»، ومؤلفات حول السينما للمؤرخ محمود قاسم، ودراسة حول صورة المرأة في أعمال كامل التلمساني كتبها الناقد السينمائي الدكتور نادر الرفاعي، فضلاً عن الكثير من الكتب للنقاد لويس عوض، وعز الدين نجيب وسمير فريد وإيزيس فهمي، ومصطفى الرزاز.
ويجمع الكتاب، حسب رأي الناقد سمير غريب الذي كتب مقدمته، قدراً كبيراً من المعلومات حول التلمساني، يقوم المؤلف بتضفيرها في مسيرة واحدة، ليقدم كتاباً يعد الأول عنه، وقد تتبع البلاسي خلاله مراحل حياة التلمساني وانتقل معه من مرحلة إلى أخرى، حتى الوصول إلى بيروت والموت فيها.
ويتحدث المؤلف خلال فصول الكتاب عن بداية كامل التلمساني، والطريق إلى السريالية في مصر، وعلاقته بجماعة «المحاولين» وتأثره بهم، ومساهماته في مجلات «الرسالة» و«التطور»، و«المجلة الجديدة»، وعضويته في جماعة «الفن والحرية»، ثم علاقته بالشقيقتين إنجي وجلبيري أفلاطون، وألبير قصيري ومشاركته في المعرض الأول للفن الحر المستقل، ومعرضه في قاعة «تحوت»، والمعرضين الثاني والثالث للفن الحر، ثم التحول إلى السينما الواقعية، ودوره فيها بعد عام 1952، وتقديمه عدداً من الأفلام من إخراجه مثل «أنا وحبيبي» 1954، و«معهد الرياضة والرقص» أو «مدرسة البنات» 1955، ثم «موعد مع إبليس»، و«الناس اللي تحت» المأخوذ عن مسرحية نعمان عاشور 1960، كما يشير إلى السلطة الناصرية في ذلك الوقت وضغوطها التي مارستها على الفنانين وأصحاب التوجهات الشيوعية، ما اضطر كامل التلمساني إلى مغادرة مصر نهائياً، والتوجه لبيروت والعمل مستشاراً فنياً لشركة الأخوين رحباني.
ويتعرض البلاسي للبيئة التي نشأ فيها كامل التلمساني، ووالدته ذات الأصول التركية، وتحول أسرته من حالة الثراء إلى فقر دفعها إلى مغادرة قريتها «نوي»، حيث كان الأب ذا الأصول الجزائرية يمتلك ضيعة في محافظة القليوبية. لكن بسبب بذخه أضاع كل شيء، فاضطر وزوجته للرحيل مع نهاية الربع الأول من القرن العشرين للقاهرة، مصطحبين معهما أطفالهما كامل وحسن وعبد القادر وأسماء وحياة، وهذه الانعطافة الطبقية التي حدثت في حياة عائلة التلمساني، وفي حياة الصبي كامل، كانت وراء تشكل وعيه وانحيازه للفقراء بفكره وفنه في فترة الثلاثينات، وبعد الثورة 1952، التي كانت وتيرة التناقضات الطبقية قبلها تزداد بصورة فجة بين طبقة الإقطاع المتحالفة مع الاحتلال الإنجليزي، وبين باقي طبقات الشعب.
يحكي المؤلف عن تأثر كامل التلمساني بأستاذه يوسف العفيفي مدرس الرسم بمدرسة السعيدية الثانوية، الذي سافر لبعثة إلى إنجلترا، لدراسة الفنون الحديثة في ناتنغهام ليعود برؤى تقدمية عن الفن، ينقلها لتلاميذه في المدرسة، كامل التلمساني، وسعد الخادم وفؤاد كامل وراتب صديق الذين استوعبوا توجهاته الفنية والنظرية، ومستجدات المدارس الفنية الحديثة في أوروبا التي سلخت الفن التشكيلي عن أرستقراطيته، وتوجهت إلى الطبقة الوسطى عبر أفكار الفنانين التقدميين المتمردين على الأكاديمية الكلاسيكية.
أما بالنسبة للحركة السريالية في مصر بداية الثلاثينيات، فقد مهد العديد من الفنانين الأجانب الذين أقاموا في مصر الطريق لنشوئها عبر نشرهم الأفكار والكتب السريالية بين طليعة المثقفين في مصر، فأصبحت أدبياتها متاحة في القاهرة بين أيدي الطليعة الثقافية بفضل شخصيات من أمثال الفنان التشكيلي اليوناني أنطوان ملياراكيس والشاعر الصربي السريالي موني دي بولي، والمصورة الفوتوغرافية الفرنسية آيدا كار، والأميركية لي ميللر، والشاعرة الرومانية ماري كافاديا. وقد كان هؤلاء نشطاء في الحركات السريالية في بلدانهم، خصوصاً في باريس ولندن، ويرجع لهم الفضل في وضع البذرة الأولى للسريالية المصرية، وتمهيد الطريق لنموها بفعاليات فنية مستقلة، وتحليلات ومقالات نقدية في الفن والأدب حول كتابات وأعمال سريالية، كما كان لهم مساهمة مهمة في نقل الثقافة السريالية والفن والأدب التقدمي والطليعي.
تشكل وعي كامل التلمساني، الذي لم يكمل العشرين عاماً في بداية الثلاثينيات، بشكل كبير عبر احتكاكه بأعضاء «جماعة المحاولين» وكُتاب الصحيفة التي كانت تصدر عن الجماعة باللغة الفرنسية، تحت عنوان «آن إيفور». وكان يوسف العفيفي هو الجسر الذي وصل عبره كامل التلمساني إلى هذه الأوساط والدوائر الثقافية. وقد تابع على صفحاتهم تحليلات طويلة عن أعمال بول موراند، وداوديت، ومارك توين، وغيرهم. وبدأت تظهر على صفحات المجلة اتجاهات تحررية فيما يخص المجتمع الشرقي، غزت ما كان يشعر به من نهم ونشاط معرفي استثنائي، وقدرة على تكوين علاقات وطيدة مع الطليعة الثقافية في القاهرة.
في عام 1936، دخل كامل التلمساني كلية الطب البيطري ليرضي عائلته، لكن بسبب نزعاته الفنية التمردية لم يستطع النجاح فيها، وقد بدأ في العام نفسه يكتب مقالات ويقدم رسومات مصاحبة لقصص كتاب مثل طه حسين وغيره في مجلة «مجلتي»، وهناك تعرف على أنور كامل، ثم جورج حنين، لتبدأ مشروعاتهم المشتركة معاً، منها تأسيس جماعة «الفن والحرية» فيما بعد. وما بين عامي 1936 – 1937 كون كامل التلمساني مع راتب صديق وسعد الخادم وكمال الملاخ وفتحي البكري وعلي الديب جماعة «الشرقيين الجدد»، وكان أغلب ناشطيها وأعضائها من تلاميذ المدرسة السعيدية. وكان هؤلاء قد أصدروا بيان «الاستشراق الجديد» أو «إعلان الشرقيين الجدد»، الذي دعا للحفاظ على روح الثقافة والتراث والموروث الشعبي في الفن التشكيلي، وتحويل الفن الشعبي إلى شكل حداثي. وقد شهدت تلك الفترة معارك وصراعات فكرية وأدبية وفنية حول الفن القومي وملامحه، وهل يجب أن تكون هويته إسلامية أم فرعونية، أم يتجه للانفتاح على ثقافة شعوب حوض البحر المتوسط وأوروبا. حينها شعر الفنانون الحداثيون الشباب بأنهم دون ظهير، فنأوا بأنفسهم بعيداً عن كل تلك الصراعات القديمة، وسعوا ليكون فنهم في خدمة الشعب، وقضية تنويره، وبث الوعي الجمالي التقدمي والحداثي في عروقه، ليكون معبراً عن جدلية الواقع المادي وصراعاته وتناقضاته بسبل فنية حداثية وفوق واقعية.
ويشير البلاسي إلى أن صدور مجلة «دون كيشوت» عام 1939 مثّل طفرة للسرياليين المصريين في مرحلة بداية تنظيمهم وتأسيس جماعة «الفن والحرية»، وذلك بما احتوته من نقد للفن التشكيلي والأدبي والفلسفي، وما نشرته من مقالات وأطروحات تقدمية.
ويخصص البلاسي الفصل الثالث والأخير من الكتاب للحديث عن رحيل كامل التلمساني إلى بيروت، وعمله مستشاراً للأخوين رحباني، والأفلام التي نتجت عن تعاونه معهما بداية من عام 1965 وحتى وفاته في عام 1972، وقد بدأ بفيلم «بياع الخواتم» الذي أخرجه يوسف شاهين، وأشرف في العام نفسه على كتابة مسلسل «قسمة ونصيب»، وفيلم «سفر برلك»، الذي أخرجه هنري بركات عام 66، ثم اشتركا معاً بعد عامين في كتابة سيناريو فيلم «الحب الكبير»، كما كتب مسلسل «دموع المهرج» الذي أخرجه جان فياض ونقولا أبو سمح عام 1970.
Art