ت + ت – الحجم الطبيعي
تعتبر العراقية «فرجة عباس» الشهيرة باسم «صديقة الملاية» إحدى مطربات العراق القديمات، حيث ولدت عام 1901 وبدأت بالغناء زمن الحكم العثماني للعراق.
وكانت أول مطربة عراقية تغني في دار الإذاعة سنة 1936، وأشهر مطربات ملهى الشورجة ببغداد، وعاصرت مختلف الأحداث السياسية التي مرت على العراق إلى أن توفيت عن 68 عاماً في سنة 1969م.
وعلى الرغم من تأديتها لأغانٍ كثيرة من التراث العراقي وغيره مثل: «على جسر المسيب سيبوني» و«الجارة خوية الجارة» و«يا صياد السمك» و«فراقهم بكاني»، إلا أن الأغنية التي حققت لها شهرة مدوية، وما زالت تتردد على ألسن العراقيين إلى اليوم هي أغنية «الأفندي» التي اختلف مؤرخو الأغنية العراقية حول قصتها، وأول من غناها.
الكاتب العراقي فخري حميد القصاب تحدث عن أغنية «الأفندي» في ملحق جريدة المدى العراقية (14/5/2001) فقال أن أول من غنتها ليست صديقة الملاية وإنما المطربة العراقية البصرية «حسنية» التي لمع نجمها في العقد الثاني من القرن العشرين، ولأنها كانت جميلة تعلق بها أحد بشوات البصرة، فلما صدته قرر الانتقام منها.
حيث أمر لجنة التجنيد بتجنيد ولدها توفيق قبل بلوغ السن القانونية. وخوفاً على ولدها لجأت حسنية إلى طلب المساعدة من أمين صندوق البصرة «صبري أفندي» المشهور بصفات النزاهة والاستقامة والكرم ومد يد العون للمحتاجين، والذي كان يشغل وقتها وظيفة المدير المالي للواء البصرة وعضوية لجنة التجنيد.
جملة القول إن صبري أفندي ساعد حسنية في موضوع ابنها بأن دفع نيابة عنها مبلغ البدل النقدي لإعفائه من التجنيد، فكان أن ردت حسنية جميله بكتابة كلمات أغنية «الأفندي» وغنتها بنفسها منشدة:
لفندي لفندي، عيوني لفندي.. الله يخلي صبري صندوق أمين البصرة
عليهم ذنبي عليهم بلله.. يا مجري الماي ذنبي عليهم
من ايديهم رحنه من ايديهم.. ما تنفع الحسرات رحنه من ايديهم (هذه إشارة إلى ضياع لواء البصرة من أيدي العثمانيين)
أما سر اشتهار الأغنية باسم صديقة الملاية، فلأن الأخيرة سجلتها بصوتها على اسطوانات سنة 1932، ثم سجلتها في الإذاعة العراقية سنة 1936، فذاع صيتها كصاحبة للأغنية، خصوصاً مع انتشار أجهزة الراديو والغرامفون.
وبعد ذلك تناقلتها المطربات الأخريات المتواجدات على الساحة الغنائية اللائي رحن يغنين هذه الأغنية في الأعراس والأفراح، ويعمدن إلى تغيير اسم «صبري» باسم صاحب المناسبة من باب المجاملة واكتساب رضاه.
الرواية الأخرى حول الأغنية كتبها المؤرخ البصري حامد البازي (1920 ــ 1995) الذي سرد القصة السابقة نفسها لكن بصورة مختلفة قليلاً. إذ أخبرنا أن أول من غنتها هي مطربة حلبية اسمها «حياة» عام 1912 في حديقة صغيرة (موقع مبنى محاكم البصرة حالياً)، حيث كانت حياة تعيش في البصرة.
وكان واليها العثماني آنذاك هو علاء الدين الدروبي الذي أحبها دون أن تبادله حياة المشاعر نفسها فانتقم منها في ولدها بالطريقة آنفة الذكر. اعتقدت حياة أن صبري أفندي ساعدها لأنه مغرم بها، لذا تحرشت به، خصوصاً وأنه كان رجلاً وسيماً ويحب الطرب. فلما صدها صبري، عرضت عليه أن يعاشرها بسكوت أي سراً. ولعل هذا ما يفسر ورود مقطع في أغنية «الأفندي» يقول:
بالسكوت بلسكوت.. عاشره بلسكوت
الله يخلي صبري.. صندوق أمين البصرة
وذكر البازي في روايته أيضاً أن المطربة العراقية نجاة غنت أغنية «الأفندي» في ملهى أولغا بالبصرة سنة 1912، كما غناها وسجلها على أسطوانات المطرب عبدالله أفندي عام 1928، وأيضاً المطرب إسماعيل أفندي الذي أداها مسجلة على أسطوانة لدى شركة بيضافون.