لا تقرأ «الكوميديا الإلهية» للشاعر المنفي «دانتي اليغييري» بسرعة، بل، تمهّل كأنك تقود درّاجة صغيرة، وتنفّس من وقت إلى آخر. شهيق وزفير. ببطء وعمق. ثم لا تقرأ لكي تنام. لا تقرأ لكي تقطع الوقت أو وأنت تنتظر صديقاً في مقهى أو على محطة قطار. اقرأ لأنك تقرأ. اقرأ لأنك تحب دانتي اليغييري، ولأنك تتعاطف مع محنته الوجودية حين نُفِيَ من روما وعوقب هكذا لأن دماغه أكبر من رأسه. ولأن روحه أوسع من جسده.
لا تقرأ الكوميديا هرباً من التراجيديا. دانتي وغيره لن ينقذك لا من المأساة ولا من الملهاة. وقبل ذلك لم ينقذك «فرجيل» أستاذ ودليل دانتي، ولم ينقذك هوميروس أستاذ كل الذين أصبحوا بعده طرواديين وعوليسيين.
لا تقرأ المسرح لأنك تحب الفرجة والشارة والصالة والجمهور والممثلين، بل اقرأ المسرح لأنك تريد أن تعرف التاريخ، أو، ترى التاريخ.
لا تقرأ المتنبي لأنك تريد أن تحكم إمارة كما كان هو يريد ويحلم. بل اقرأه من أجل التخفف الرّوحي بالحكمة، والاقتراب من معنى الشجاعة.
لا تقرأ شكسبير لأنك لا تريد الفشل الوجودي الكبير في الحب أو في الخيانة. بل، اقرأه، لأنك تريد معرفة المسافة الوجودية تلك بينه وبين الفكر والحياة والفلسفة. بين شكسبير وما ترك شكسبير. بين الشاعر وبين ما كتب الشاعر.
لا تقرأ نجيب محفوظ لأنك تريد معرفة العالم الأرضي لعاصمة ملايين الناس وأمزجتهم، ونزقهم وأرواحهم الكبيرة والصغيرة في حاراتهم الضيّقة، الصوتية، الازدحامية، بل اقرأ الرجل لتعرف مَنْ هو؟؟. لتعرف الإنسان، والرغبة، والحلم، والشهوة، والقوّة، والضعف..
لا تقرأ دون كيخوته لكي تحارب قطيعاً من الخراف اللائذة في الغبار، أو كي توقف دوران طواحين الهواء بسيف الفروسية الفاشل، بل، اقرأه، لكي تنتهي مثله أو على مثاله، فلا سيفه انتصر، ولا فرسه شقت الغبار، ولا خادمه نال جزيرة أو حكومة، ولم يبق من دون كيخوته إلّا سرفانتس، وربما الأصحّ، إنه لم يبق من سرفانتس إلّا دون كيخوته.
لا تقرأ بورخيس لكي تخرج من المتاهة أو تخرج من العماء إلى البصيرة، ولا تقرأ طه حسين لكي ترى أقل مما رأى، ولا تقرأ «اوڤيد» لكي تتعلم الحب، أو تقرأ هوميروس لكي تتعلّم الحرب، بل اقرأ بتمهّل، وتنفّس بلياقة وجمال لكي تكون أكثر جمالاً بالأدب والفن.
يقول دانتي: «.. الفن حفيد الله».. يقول: عذاب الكبرياء هو الغضب. وجودة الفهم من جودة الإصغاء.
[email protected]
