بعد مرور ما يقرب من 50 عاما، أصدرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي تشرف على حفل توزيع جوائز الأوسكار؛ اعتذارا رسميا للناشطة الحقوقية ساشين ليتلفيزر، وهي من السكان الأصليين لأميركا، عما تعرضت له من إساءة وتمييز وهجوم خلال حفل توزيع الجائزة عام 1973، بعدما عبرت عن احتجاجها على سوء معاملة صناع السينما للهنود الحمر (السكان الأصليين) والتعامل معهم بعنصرية.
وحضرت الناشطة الحقوقية نيابة عن الممثل الأميركي الراحل مارلون براندو، الذي فاز بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “العراب” (The Godfather)، وكجزء من احتجاجه لدعم حقوق الأميركيين الأصليين، لم يحضر إلى الحفل وأرسل ليتلفيزر.
وعند صعودها على المسرح عرّفت نفسها، وقالت إن الممثل “مع الأسف الشديد لا يمكنه قبول هذه الجائزة السخية جدا، وذلك احتجاجا على معاملة صنّاع السينما للأميركيين الأصليين”.
حينها تعالت أصوات الحضور؛ إذ هتف بعضهم تشجيعا لها، في حين استهجن آخرون ما تقول، وتعرضت لتهديدات بالاعتقال والاعتداء الجسدي.
60 ثانية من الشجاعة
وكان الأمر برمته مفاجئا لها، وقد قالت في مقابلة مع الأكاديمية، إنها كانت تخطط لمشاهدة حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ45 على التلفزيون مثل أي شخص آخر عندما تلقت مكالمة في الليلة التي سبقت الحفل من براندو، الذي تعرف عليها من خلال جارها المخرج فرانسيس فورد كوبولا، وطلب منها براندو أن ترفض الجائزة نيابة عنه إذا فاز بها.
وحضرت بالفعل قبل 15 دقيقة فقط من بداية الحفل، وأعطاها براندو الخطاب الذي ستلقيه أمام الحضور، لكن الخطة أُحبطت، ولم تتمكن من إلقاء الخطاب بعد أن أصدر مخرج الحفل وقتها، هوارد كوش، أوامر لها بالتحدث لمدة 60 ثانية فقط، وهددها قبل دقائق من تقديم الجائزة أن رجال الأمن سيقومون باعتقالها إذا تعدت الوقت المسموح، ولذلك قامت بارتجال الخطاب القصير الذي قدمته.
وأشارت خلال ظهورها على المسرح إلى الورقة التي كتب فيها براندو الخطاب، وقالت إنها لن تتمكن من إلقاء الخطاب المكون من 8 صفحات بسبب ضيق الوقت، لكنها ستشاركه مع الصحافة بعد الحفل.
ولفتت النظر خلال خطابها إلى الأحداث الجارية -في ذلك الوقت- بمنطقة “وندد ني” بولاية ساوث داكوتا، التي شهدت مذبحة عام 1890، أبيد فيها المئات -معظمهم من النساء والأطفال- من قبائل سيو، من ضمن قبائل الأميركيين الأصليين، وفي عام 1973، احتل نشطاء “حركة الهنود الأميركيين” موقع مذبحة “وندد ني” وحاصرتهم الشرطة ومكتب التحقيقات الفدرالي لمدة 73 يوما.
Native American activist and actress Sacheen Littlefeather (Apache/Yaqui/AZ) invites you to a special evening at the Academy Museum.
More details in the thread below ⬇️
(Photo: © Globe Photos/ZUMA Press) pic.twitter.com/WrvebVrO5n
— Academy Museum of Motion Pictures (@AcademyMuseum) August 15, 2022
خطاب من القلب
وفي مقابلة لها مع صحيفة “غارديان” (Guardian) البريطانية في العام 2021، قالت إنها وعدت براندو بأنها لن تلمس تمثال الأوسكار، وأضافت “صعدت إلى هناك مثل امرأة محاربة، بحسن وجمال وشجاعة وتواضع شعبي، وتحدثت من قلبي”.
وقالت إنها ركزت على ردود أفعال الجمهور بأفواههم المفتوحة وصدمتهم، “وكانوا عددا غير قليل”، ووصفت النظر إلى الحضور بأنه أشبه بالنظر إلى “بحر من كلوروكس، فكان هناك عدد قليل جدا من الأشخاص الملونين”.
الخطاب الذي قدمته ليتلفيزر يعد لحظة لا تنسى من تاريخ حفل الأوسكار وتاريخ البث التلفزيوني المباشر، وعلى إثر مطالبتها بالعدالة في خطاب لم يتعدَ دقيقة واحدة، تعرضت ليتلفيزر لهجوم شخصي شديد استمر لسنوات طويلة، وأفادت أنها تلقت تهديدات أيضا من الحكومة الفدرالية بإغلاق أي برامج حوارية أو عروض على الهواء تظهر بها.
وذكرت الناشطة -التي كانت تبلغ من العمر 26 عاما فقط آنذاك وهي أول امرأة من السكان الأصليين تقف على مسرح الأوسكار- أن الممثل جون واين حاول الهجوم جسديا عليها خلف الكواليس، لكن قوات الأمن تمكنت من منعه، بينما قام أفراد آخرون في الكواليس بإيماءات هجومية عليها.
أن تأتي متأخرا
وبالرغم من مرور ما يقرب من نصف قرن على الحادثة التي أثرت على مسيرة حياة ليتلفيزر، التي تبلغ من العمر 75 عاما الآن، إلا أنها رحبت بشدة ببيان الاعتذار، وقبلت الدعوة لتكون ضيفة شرف لأمسية مداواة جراح السكان الأصليين التي يستضيفها متحف الأكاديمية في 17 سبتمبر/أيلول 2022.
وقالت لموقع “هوليود ريبورتر” (Hollywood Reporter) تعليقا على بيان الأكاديمية الذي تلقته بشكل خاص في يونيو/حزيران الماضي، “لقد تفاجأت كثيرا، فلم أفكر مطلقا أنني سأعيش لأرى اليوم الذي سأسمع فيه هذا”.
وأضافت مازحة “نحن الهنود صبورون للغاية، لقد مر 50 عاما فقط! يجب أن نحافظ على حسنا الفكاهي عندما نتحدث عن هذه الأمور، هذه طريقتنا للبقاء”.
وعبرت عن مدى سعادتها بالتغيير الكبير الذي حدث خلال هذه السنوات، وقالت “إنه حلم أصبح حقيقة، وهو أمر مشجع للغاية أن نرى مدى التغيير الذي طرأ منذ عدم قبولي لاستلام جائزة الأوسكار قبل 50 عاما”.
اعتذار مستحق
وكتب رئيس الأكاديمية السابق ديفيد روبين في بيان اعتذار الأكاديمية، مخاطبا ليتلفيزر “إن الإساءة التي تعرضتِ لها بسبب هذا البيان كانت غير مبررة وغير مسموح بها، والأذى العاطفي الذي لحق بك لفترة طويلة جدا والثمن الذي دفعتيه؛ لا يمكن إصلاحهما، ولم يتم الاعتراف بالشجاعة التي أظهرتها، ولذلك، نقدم اعتذارنا الشديد وإعجابنا الصادق”.
ووصف ظهورها بأنه “موقف قوي لا يزال يذكرنا بضرورة وأهمية احترام كرامة الإنسان”.
وسيتم قراءة بيان الاعتذار بالكامل في أمسية متحف الأكاديمية لتكريم ليتلفيزر، وستشارك في محادثة مع المنتج بيرد رانينغووتر، وهو الرئيس المشارك لتحالف السكان الأصليين التابع للأكاديمية.
وتمنت الناشطة في آخر خطابها القصير على مسرح الأوسكار أن يحمل لها المستقبل الحب والتفاهم والكرم لمعانتها وما يتعرض له السكان الأصليون، وبعد ما يقرب من نصف قرن، تحققت دعواتها أخيرا وشهدت اعترافا بشجاعتها واعتذرا لما تعرضت له.