“ماذا تعتقدون”؟.. محارق الجثث الصينية تكشف تطورات فيروس كورونا
- صوفيا بيتيزا
- بي بي سي – الخدمة العالمية
ارتفاع الكلفة وغيــاب التأمين والــوصمة تحديــات العلاج النفسي للأطفال
يبلغ عمر هفتوم الصغير خمس سنوات تقريبا، واسمه يعني “ثري” في لغة إقليم تيغراي، لكنه يعاني من نقص تغذية حاد، ووزنه يعادل نصف ما يجب أن يكون عليه وزن طفل في عمره.
وبينما يرفع الطبيب سترة وبنطال البدلة الرياضية التي يرتديها الطفل ليظهر ذراعي هفتوم وساقيه النحيلة، تراقب والدته، التي لم تشأ الكشف عن اسمها، المشهد بوجه خال من التعبير.
ويمثل هذا المشهد الواقع اليومي في إقليم تيغراي في شمالي إثيوبيا حيث المجاعة وسوء التغذية سمة الأوضاع بعد عامين من الحرب بين قوات الإقليم والحكومة الإثيوبية. لقد أنهى اتفاق السلام الاقتتال في الإقليم، لكن تداعيات الصراع لا تزال موجودة.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة في أغسطس/ آب، فإن ما يقرب من طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة في تيغراي يعاني من سوء التغذية.
لقد عانى الإقليم من حصار حقيقي خلال الفترة التي كان فيها الاقتتال دائرا بين قوات الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ومقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، إذ قامت السلطات الإثيوبية إما بتقييد وصول المساعدات إلى المنطقة الشمالية أو تقييدها بشدة.
“أعود خالية الوفاض”
ماجدة، طفلة أخرى تعاني من نقص التغذية بشكل فادح، ورغم أن عمرها من عمر الصراع الذي اندلع في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، لكنها ترقد كرضيعة بين ذراعي والدتها هيووت. إنها فاترة وخاملة وبطنها منتفخ بشدة.
تقول هيووت “أصبح الحصول على الطعام أمرا صعبا للغاية”، وتضيف “من الصعب جدا أن يتاح لنا تناول الطعام، حتى مرة واحدة في اليوم”.
ومنذ أن دخلت ماجدة المستشفى وحالتها تزداد سوءا. تقول الأم هيووت “ابنتي في هذا الوضع لأنهم أخبرونا أنه لا يوجد دواء. لم نتمكن من الحصول على أي شيء”.
وتضيف الأم “حتى عندما كنا هنا العام الماضي بسبب المشكلة نفسها، لم أستطع الحصول على أي شيء وعدت إلى المنزل خالية الوفاض.”
كانت عائلتا هفتوم وماجدة تحاولان الحصول على علاج للطفلين في مستشفى آيدر في ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي. وهناك التقت بهما بي بي سي الشهر الماضي.
كان زعماء تيغراي قد وافقوا على وقف إطلاق النار بعد أغسطس/ آب، عقب استيلاء قوات الحكومة الفيدرالية على مزيد من الأراضي.
وقد قالت السلطات في أديس أبابا إنها بموجب شروط اتفاق السلام الذي وقع في 2 نوفمبر/تشرين الثاني سترسل مساعدات وتسمح لمنظمات الإغاثة بإيصال المزيد منها إلى إقليم تيغراي.
“مساعدات تستهلك في يوم واحد”
يعمل الدكتور كيبورن جيبرسلاسي جراحا في مستشفى آيدر منذ 15 عاما، وهو أكبر مستشفى حكومي في المنطقة التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين شخص.
يقول الدكتور كيببروم: “من الصادم أن ترى كل يوم أطفالا صغارا وأمهات يعانين ويبكين”.
ويضيف “لقد مات كثير من الأطفال في مستشفانا، لأنه عندما يصاب الطفل بنقص التغذية، لا يعالج بتقديم الطعام له فحسب. إنه بحاجة إلى الأدوية والمضادات الحيوية والمعادن … وليس لدينا كل هذا”.
لقد وصلت بعض المساعدات والمواد الطبية المطلوبة إلى المستشفى، لكنها غير كافية ولا تسد الحاجات المتزايدة.
ويقول الدكتور كيبيروم إن شاحنتين تحملان إمدادات طبية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانتا أول المساعدات التي تصل إلى ميكيلي.
ويضيف قائلا مع تنهيدة: “كمية الأدوية التي تلقيناها كانت كافية لنصف مرضانا فقط، ولم تصمد إلا ليوم واحد”.
وكل يوم يمضي ولا تصل فيه المساعدة إلى المستشفى، يعني موت مزيد من المرضى.
يقول الدكتور كيببروم : “بالنسبة لمرضى السرطان مثلا، الوضع قاتم للغاية. لم يكن هناك علاج كيميائي في إقليم تيغراي بأكمله”.
و”كل يوم، كل أسبوع، كل شهر، تتفاقم مرحلة السرطان لديهم”، كما يقول، مضيفا “إذا كانت مرحلة السرطان قابلة للعلاج سابقا، فقد أصبحت الآن غير صالحة لذلك. بالنسبة للمرضى الذين أوضاعهم سيئة للغاية، فكل يوم، كل ساعة مهمة”.
جهود المساعدات
قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الحكومة الإثيوبية ووكالات الإغاثة أرسلت إلى تيغراي أكثر من 1600 شاحنة تحمل مواد غذائية وإمدادات طبية وخياما خلال الفترة من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني وحتى الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها أرسلت ما لا يقل عن 38 شاحنة إلى ميكيلي، منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، وإنها في سبيلها إلى إرسال مزيد من المساعدات.
ويقول جود فوهنوي، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إثيوبيا “تبذل جميع الجهات الفاعلة في المجال الإنساني جهودا، لكنها غير كافية مقارنة بحجم الحاجة”.
وفي الواقع فإن حجم هذه الاحتياجات هائل.
وضع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة هدفه إيصال المساعدات الغذائية الطارئة إلى 2.1 مليون شخص في إقليم تيغراي كل ستة أسابيع، ويقول إنه يسير على الطريق الصحيح.
ويقول كلود جيبيدار، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري لإثيوبيا “لقد تحسن الكثير منذ اتفاق السلام”.
ويضيف “بعد عامين من الصراع، لا نتوقع العودة إلى الوضع الطبيعي بين عشية وضحاها.”
ولا تزال ميكيلي تحت سيطرة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، رغم سيطرة القوات الحكومية على مناطق حول شاير في شمالي الإقليم.
في قسم آخر في مستشفى آيدر، يقول فيكادو جمبر، وهو مدرس متقاعد، إنه لم يتمكن من الحصول على دواء لعلاج مرض السكري طوال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويضيف “عندما نأتي إلى هنا للعلاج، نجد أن معظم المعدات لا تعمل. إننا نحاول (العثور على دواء) في كل مكان، لكن لا يوجد شيء بسبب الحصار”.
“يموت كثير من الأشخاص بسبب هذا. كنا نأمل بعد توقيع اتفاقية السلام بأن نحصل على الدواء ولكن لم يصل شيء بعد”، كما يقول فيكادو.
ويعاني المستشفى من نقص حاد في معظم المواد الرئيسية، ما يشكل عبئا كبيرا على الأطباء.
ويقول الدكتور كيببروم “ليس لدينا ما يكفي من القفازات لإجراء العمليات الجراحية. يتوجب علينا غسلها وإعادة استخدامها لثلاث مرات”.
ويضيف “لا يمكننا إجراء أي عملية نقل دم لأننا لا نملك أكياس دم. لذا، حين نعلم أن المريض سيحتاج إلى نقل دم، لا نجري العملية”.
عودة الكهرباء
يقول طبيب آخر في مستشفى آيدر، طلب عدم الكشف عن هويته، إنهم يتلقون الحد الأدنى من الإمدادات الطبية.
ويوضح الطبيب “المستشفى مليء بالجنود الجرحى والمرضى المدنيين، ومعظمهم لا يتلقون علاجا”.
ويقول عدة أشخاص في المستشفى إن الشيء الإيجابي الوحيد الذي فعلته الحكومة الإثيوبية هو إعادة الكهرباء إلى ميكيلي.
وقد قالت إدارة المستشفى في تغريدة على تويتر مؤخرا إن أدوية فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) وأدوات الاختبار قد بدأت في الوصول.
إلا أن هذه التحسينات لا تكفي لتغيير الأوضاع، خصوصا بالنسبة للفئات الأضعف، وأولها الأطفال، وهي الفئات التي دفعت الثمن الأعلى للأوضاع الكارثية في الإقليم جراء الصراع والحصار.
وتقول هيووت، والدة ماجدة وهي ترمق طفلتها “أريد مستقبلا أفضل لها، هذا كل ما يمكنني التفكير فيه.”