دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)– فوق التلال الخضراء لشريط أمالفي الساحلي جنوب إيطاليا، يقفز مزارع رشيق عبر مدرّجات بساتين الليمون المطلّة على البحر الأبيض المتوسط.
وبالموازنة بين عمود خشبي وآخر، يتحدى البهلواني غير الصغير الجاذبية، وينحني لقطف الليمون ونقله في صناديق تزن أكثر من 25 كيلوغرامًا (55 رطلاً) بين الحدائق العمودية التي يزيد ارتفاعها عن 400 متر (1312 قدمًا) فوق الأرض.
وتُخفي أصوات الأمواج حركة السيارات، والضوضاء الصادرة عن السيّاح في الساحة الرئيسيّة لبلدة أمالفي المحميّة من قبل منظمة اليونسكو.
وقال المزارع جيجينو أتشيتو البالغ من العمر 87 عامًا: “عصير الليمون هو ما يجري في عروقي، وليس الدّم”، إذ زرعت عائلته الليمون هنا منذ القرن الـ19.
فاكهة ضخمة
ويُعتبر الليمون القلب النابض للنظام البيئي المعقّد والمتنوع بيولوجيًا في المنطقة، والذي ظل بلا تغيير لعدّة قرون.
ولكن يُعد أتشيتو من بين آخر حرّاس هذا التقليد الذي تُهدّده عوامل مثل الصناعة، والتغيّرات في المجتمع، وتغيّر المناخ.
ويُزرع ليمون “سفوساتو”، أو “أمالفي”، الكبير في منطقة تمتدّ على طول البحر التيراني، وبين نابولي، وخليج “ساليرنو”.
ويمكن أن يصل وزن ليمونة واحدة إلى 3 كيلوغرامات.
ويتم حاليًا حصاد حوالي ألفي طن متري سنويًا من الليمون حول ساحل أمالفي بحسب الأرقام المحليّة، ولكن تُظهر الدراسات الاستقصائية أن مساحات بساتين الليمون تقلصت على مدار الأعوام الـ60 الماضية.
وقالت جيورجيا دي باسكوالي، وهي مهندسة معمارية، وباحثة في جامعة “روما تري”: “في أمالفي وحدها، تناقصت مدرّجات الليمون من 72 هكتار، إلى 48 هكتارًا بين عامي 1954، و2015، بينما تقدّمت كلا من الغابات البريّة، والتوسّع الحضري بشكلٍ كبير”.
وتبحث دي باسكوالي عن طرق للحفاظ على التجارات العائلية الخاصّة بزراعة الليمون.
علاج للجميع
وبلونه الأصفر الفاتح، ورائحته القوية، يمكن تناول هذا الليمون على شكل شرائح مثل التفاح تمامًا، وأصبح ليمون “سفوساتو” مكونًا أساسيًا في المطبخ التقليدي للمنطقة، حيث يُستخدم في أطباق المعكرونة، والصلصات الخاصة بالسلطات، والأسماك المشويّة، والحلويّات، إضافةً إلى مشروب “ليمونسيلو” الشهير في إيطاليا.
وبسبب خصائصه، يُعتبر الليمون غني بفيتامينات “C”، و”B”، و”E”، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم.
ووجد سكان الساحل استخدامات لا تُعد ولا تُحصى له، من تنظيف الملابس إلى الطّب الطبيعي.
واستُخدم الليمون، الذي جُلب إلى هنا في أوائل العصور الوسطى أثناء التجارة مع العرب، من قبل البحارة، وخاصّة في شمال أوروبا، لمحاربة مرض الإسقربوط. كما لعبت الفاكهة دورًا في مكافحة الكوليرا في نابولي خلال خمسينيّات القرن الماضي.
ولكن لا يُعد هذا النوع من الليمون مهمًا بسبب خصائصه الغذائيّة، والصيدلانيّة فحسب، إذ أثبت النّظام الزراعي التقليدي قدرته على الصّمود في وجه الاضطراب الناتج عن تغيّر المناخ.
وعبر نحت المنحدرات البريّة المطلّة على البحر، تعمل الهندسة المعماريّة لبساتين الليمون على الحد من بعض أسوأ مشاكل المنطقة، بما في ذلك الانهيارات الأرضيَة الناجمة عن الأمطار، وحرائق الغابات.
“كارثة”
ويستغلّ نظام المدرّجات قوّة الجاذبيّة لتوجيه مياه الأمطار لري النباتات.
وتُستخدم أعمدة مصنوعة من خشب الكستناء المحلّي لإنشاء سقالة حول الأشجار، والسّماح لـ”المزارعين الذين يطيرون”، كما تمّت تسميتهم من قبل الكاتبة الإيطالية فلافيا أمابيل، بالسّير فوق الأشجار من أجل تقليمها، وحصادها، والاهتمام بها.
ويقول سالفاتور، وهو ابن أتشيتو البالغ من العمر 57 عامًا: “يعمل كل شيء بشكلٍ مثالي، وبالتناغم مع اليابسة”.
ومع ذلك، يرى سالفاتور أن المزارعين يخوضون معركة مستمرّة ضد المشاكل التي تكون من صنع الإنسان، ومنها درجات الحرارة الحارقة التي تُعزى إلى تغيَر المناخ.
وقال سالفاتور: “مع تواتر الحرائق خلال الصيف، فإن الأمر عبارة عن كارثة”.
فن يحتضر
ويرى سالفاتور أن هناك خطرًا يتمثّل في احتمال تلاشي المعرفة التي تراكمت على مرّ القرون بفضل المجتمعات المحليّة عند توقّف جيله عن زراعة الأرض.
وأوضحت دي باسكوالي أن “غالبية السيّاح الذين يأتون إلى أمالفي ليسوا على دراية بهذا النظام الواقع على الجانب الآخر من الطريق الرئيسي”، ويترك ذلك المزارعين في عزلة عن العوائد السياحيّة التي تتدفّق إلى المنطقة.
وفي محاولة لحل هذه المشكلة، قام سالفاتور مع شقيقه ماركو، البالغ من العمر 56 عامًا، بإنشاء “جولات الليمون (Lemon Tours)، وهو مشروع سياحي زراعي لزيادة الوعي بشأن ليمون “سفوساتو”، وتنشيط التقاليد المُستخدمة لزراعته.