لماذا تدور الأرض أسرع من المعتاد؟
وسط كل صخب الحياة الحديثة قد يبدو أن الوقت «يطير» فى كثير من الأحيان، لكن اتضح أنه كذلك بالفعل، بعد أن سجلت الأرض أقصر يوم لها منذ بدء التسجيل فى يونيو، ويثير 1.59 مللى ثانية من الدوران المعتاد لمدة 24 ساعة فى 29 يونيو احتمالية حدوث ثانية كبيسة سلبية للحفاظ على توافق الساعات، وهى المرة الأولى فى التاريخ التى يتم فيها تسريع الساعات العالمية. يدّعى العلماء أن تغير المناخ والنشاط الزلزالى ودوران المحيطات يمكن أن تكون مسئولة، كما يمكن أن يكون السبب هو سحب القمر وما يسمى بـ«تشاندلر ووبل»؛ وهى ظاهرة تُعرّف بأنها حركة متذبذبة تحدث عندما تدور الأرض حول محورها.
تغير المناخ:
يُعتبر الاحترار العالمى أيضاً ذا تأثير من خلال ذوبان الجليد والثلج بوتيرة أسرع، واقترحت الأبحاث أنه مع ذوبان الأنهار الجليدية، نتيجة لارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوى من احتراق الوقود الأحفورى، فإن إعادة توزيع الكتلة تجعل الأرض تدور وتدور بشكل أسرع على محورها، وهذا يؤدى إلى فقدان مئات المليارات من الأطنان من الجليد سنوياً فى المحيطات، ما يتسبب فى تحرك القطبين الشمالى والجنوبى باتجاه الشرق منذ منتصف التسعينيات، وفى السابق كانت العوامل الطبيعية فقط مثل التيارات المحيطية والحمل الحرارى للصخور الساخنة فى أعماق الأرض هى التى ساهمت فى انحراف القطبين، ولكن منذ عام 1980 تحرك موقع القطبين مسافة 13 قدماً (4 أمتار). ومحور دوران الأرض، وهو خط وهمى يمر عبر القطبين الشمالى والجنوبى، يتحرك دائماً بسبب عمليات لا يفهمها العلماء تماماً، لكن الطريقة التى يتم بها توزيع الماء على سطح الأرض هى أحد العوامل التى تؤدى إلى تحول المحور وبالتالى القطبين، وأحد الأمثلة على ذلك هو انخفاض الكتلة الجليدية فى جرينلاند مع ارتفاع درجات الحرارة طوال القرن العشرين، وفى الواقع ذاب نحو 7500 جيجا طن من جليد جرينلاند فى المحيط خلال هذه الفترة الزمنية، وهذا يجعلها واحدة من أهم المساهمين فى نقل الكتلة إلى المحيطات، ما يتسبب فى ارتفاع مستويات سطح البحر.
نشاط زلزالى:
يمكن أن يكون للزلازل والأنشطة الزلزالية الأخرى تأثير على سرعة دوران كوكبنا، وهذا لأنها أيضاً تستطيع تحريك الكتلة نحو مركز الأرض، مثل شخص يدور يسحب ذراعيه للداخل، وبالتالى يغير وزنه مرة أخرى. وعلى سبيل المثال، أدى زلزال 2004 الذى أطلق العنان لتسونامى فى المحيط الهندى إلى تحويل ما يكفى من الصخور لتقصير طول اليوم بنحو ثلاثة ميكروثانية: كما أدت الزلازل الكبرى فى تشيلى فى عام 2010 واليابان فى عام 2011 إلى زيادة دوران الأرض وبالتالى تقليل طول اليوم.
دوران المحيط:
كما أن دوران المحيط والضغط على قاع البحر يسحبان محور الأرض أيضاً، وفى نوفمبر 2009 جعلت الأحداث التى وقعت فى المحيط الجنوبى الأرض تدور بشكل أسرع قليلاً، ما أدى إلى تقصير نصف أيام الشهر بمقدار 0.1 مللى ثانية لكل منهما، واتضح أن تيار المحيط القوى الذى يحلق فى القارة، تيار القطب الجنوبى المحيط بالقطب، هو السبب. ولاحظ الخبراء فى مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا (JPL) فى كاليفورنيا ومعهد فيزياء الأرض فى باريس فى فرنسا أنه تباطأ فجأة فى 8 نوفمبر 2009، وكشفت البيانات الدقيقة طول اليوم بعد ذلك أن التغييرات تسببت على الفور فى دوران الأرض بشكل أسرع، وتقصير كل يوم بمقدار 0.1 مللى ثانية، قبل أن يعود طول اليوم إلى طبيعته فى 20 نوفمبر من ذلك العام تماشياً مع التيار.
غموض فى نواة الأرض:
يعتقد بعض الخبراء أن التفسير يكمن داخل الأرض نفسها، مع احتمال حدوث شىء ما فى لب الكوكب ووشاحه، وتباينت سرعة دوران كوكبنا حول محوره عبر التاريخ، وقبل 1.4 مليار سنة كان يمر اليوم فى أقل من 19 ساعة، مقارنة بـ24 ساعة الآن، لذلك، فى المتوسط، أصبحت أيام الأرض أطول وليست أقصر، بنحو 74000 جزء من الثانية كل عام، لكن الكوكب يدور حالياً بشكل أسرع مما كان عليه قبل نصف قرن، وفى بعض الأحيان تختلف سرعة الدوران قليلاً، ما يؤثر على ضابط الوقت العالمى، الساعة الذرية، التى تتطلب إضافة الثوانى الكبيسة، أو فى الحالة الأخيرة، من المحتمل أن تحدث ثانية كبيسة سلبية، وكانت هناك حاجة لما مجموعه 27 ثانية كبيسة للحفاظ على دقة الوقت الذرى منذ سبعينيات القرن الماضى، وكان آخرها فى ليلة رأس السنة الجديدة 2016 عندما توقفت الساعات مؤقتاً لثانية للسماح للأرض باللحاق بالركب، لكن منذ عام 2020، انعكست هذه الظاهرة، أسرع يوم سابق، فى 19 يوليو من ذلك العام، كان 1.47 مللى ثانية أقصر من 24 ساعة، ولا يمكن للبشر اكتشاف التغيير، لكنه قد يؤثر على الأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة، ويتكون كل يوم على الأرض من 86400 ثانية، لكن الدوران ليس منتظماً، ما يعنى أنه على مدار عام، كل يوم يحتوى على جزء من الثانية أكثر أو أقل، والساعة الذرية دقيقة للغاية.
وختاماً: صدق رسول الله فى حديثه أن الزمان قد استدار.