تعمل شركة ناشئة في “سيليكون فالي” بولاية كاليفورنيا الأميركية على تطوير برمجية يمكنها تغيير أصوات المتحدثين عبر الهاتف، لتكون أقرب إلى اللهجة الأميركية “البيضاء”، وفقا لما ذكرته صحيفة “ذا غارديان”.
وتهدف شركة “Sanas” إلى تخصيص البرمجية لمراكز الاتصال التي تعمل من آسيا، التي يمكنها أن تغير لهجة المتحدثين في الهند والفلبين، لتكون أقرب إلى جمهورهم المستهدف في دول الغرب.
واستعرض تقرير الصحيفة مشهدا من فيلم “Sorry to Bother You”، طلب فيه من عامل في مركز تسويقي أسود استخدام “لهجته البيضاء” لدى الحديث مع الزبائن عبر الهاتف، لترتفع مبيعاته بشكل ملحوظ، ويدفعه ذلك إلى الشعور بالضيق.
وتسعى مراكز الاتصال في الهند والفلبين إلى تغيير لهجة عامليها، لكن محاولاتها عادة ما تبوء بالفشل، وفقا للصحيفة.
ووفقا لما نقلته الصحيفة عن موقع “SFGate”، فإن “Sanas” تأمل أن توفر طريقا مختصرة، بالاستعانة ببيانات مستمدة من لهجات متعددة والمقارنة فيما بينها، لتحول برمجية الذكاء الاصطناعي صوت المتحدث وكأنه يتحدث بلهجات مختلفة، و”التركيز الآن ينصب على جعل أصوات غير الأميركيين تبدو وكأنهم من الأميركيين البيض”.
ويقول شاراث كيشافا نارايانا، الشريك المؤسس لـ “Sanas”، في حديثه مع “ذا غارديان” إنه اندفع لتطوير البرمجية منذ عام 2003، عندما بدأ بالعمل في مركز اتصال ببانغلور، حيث عانى من التمييز بسبب لهجته الهندية وأجبر أن يغير اسمه إلى “ناثان”.
من جهته يرى مدير “Sanas”، مارتي ماسيه ساريم، أنه يجب النظر إلى مراكز الاتصال وكأنها “تمثيلية” تعمل شركته على تحسينها، ويقول إن خيار الاستعانة بمراكز خارج أميركا يعد أرخص بكثير من توظيف عمال اتصال داخل الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن هذا ينطبق على أبرز الشركات حول العالم.
ويوضح سبب استخدام البرمجية قائلا: “إن كان العميل منزعجا من ارتفاع قيمة فاتورته .. أو إن لم يكن هاتفه يعمل جيدا أو أيا كان السبب، فهم يشعرون عادة بالإحباط فور سماعهم شخصا يتحدث بلهجة أخرى، وسيقولون: أود التحدث إلى شخص في أميركا، وبالتالي فإن العامل يتلقى ذلك الغضب كاملا”.
ويضيف أن عمال مراكز الاتصال “لا يحظون بالاحترام الذي يستحقونه فور بدء المكالمة، وبالتالي فإن المحادثة تبدأ بصعوبة، لكن يمكننا أن نمحو حقيقة وجود ذلك التعصب، وبالتالي فإنها تصبح محادثة عادية، وكلا الطرفين ينهي المكالمة بشكل جيد”.
ويؤكد نارايانا أن البرمجية تستخدم عبر أكثر من ألف مركز للاتصال في الهند والفلبين، وأن العاملين أكدوا شعورهم بالثقة لحل مشكلات عملائهم.
التحديات والمشاكل
لكن الخبير في علم الاجتماع والمدير المقبل لكلية الدراسات الدولية واللغات في جامعة أوريغون، إي آنيش، أمضى أعواما في مراكز الاتصال، حيث درس تأثير تغيير اللهجات المحلية، وألف كتابا عام 2015 بعنوان “Neutral Accent: How Language, Labor and Life Become Global”.
ويشرح آنيش تجربته لدى عمله في أحد مراكز الاتصال حيث يتلقى الموظفون تدريبا بشأن “تحييد اللهجات”، كي يتمكنوا من التخلص من اللهجة البريطانية في بعض الكلمات، بالإضافة إلى حذف كلمات مستخدمة بكثرة في اللهجة الهندية مثل “sir”.
وبالإضافة إلى رواتبهم المنخفضة، يعيش موظفو مراكز الاتصال أوقات عمل صعبة، إذ يتوجب عليهم العمل طوال الليل لمواكبة ساعات النهار في الولايات المتحدة، وهو أمر أكد باحثون في علم الأحياء تأثيره الضار على الصحة، على شاكلة رفع فرص الإصابة بالسرطانات والولادة المبكرة وعزل العمال عن مجتمعهم، وفقا لآنيش.
ورغم مشاعره المتناقضة بين الفائدة المرجوة لهؤلاء العمال من برمجية تغيير الصوت، يرى خبير علم الاجتماع أن البرمجية تعد “مشكلة”.
ويشير إلى أن مثل هذه الابتكارات يمكنها أن تؤدي إلى “إهمال الاختلافات” وأنها تمحو إنسانية الموظف، كما أنها “تسمح بتجنب واقع اجتماعي، أن المكالمة تتضمن إنسانين على الكوكب ذاته، كلاهما يملك التزامات تجاه الآخر، مما يشير إلى مستقبل أكثر عزلة ووحدة”.
كما أشار آنيش لدى سماعه نسخة من الصوت المعدل ومقارنتها بالأصلية، إلى أن النسخة المعدّلة تنعدم منها المشاعر الإنسانية، لتبدو “روبوتية، معدومة المشاعر”.
من جهته يؤكد كريس جيلارد، الباحث في شؤون الخصوصية والرقابة والآثار السيئة للتكنولوجيا على المجتمعات المهمّشة، أن تغيير اللهجة لن يغير من “الغضب” الذي يتلقاه موظفو الاتصالات، التي تعد وظيفتهم من أصعب الوظائف التي يمكن توليها، بل ستدعم “فقط” الاعتقادات العنصرية، وفقا لحديثه مع “ذا غارديان”.
وقال: “مثل الكثير من الأشياء التي تم طرحها على أنها حل، فإنها لا تأخذ في الاعتبار كرامة الناس أو إنسانيتهم.. أحد الآثار بعيدة المدى هو محو الأشخاص كأفراد. يبدو أنها محاولة لتلخيص الجميع بصوت ميكانيكي متجانس يتجاهل كل الجمال الذي يأتي من لغات الناس ولهجاتهم وثقافاتهم. إنه لأمر محزن حقا”.
ويؤكد نارايانا أنه سمع الانتقادات الخاصة ببرمجية “Sanas”، لكنه يرى أنها تتعامل مع العالم كما هو، ويقول: “نعم، هذا خطأ، وما كان من المفترض أن نكون موجودين على الإطلاق. لكن الكثير من الأشياء موجودة في العالم، لماذا يوجد المكياج؟ لماذا لا يستطيع الناس قبول ما هم عليه؟ هل هذا خطأ، كما هو الحال في العالم؟ قطعاً. لكن هل ندع العملاء يتألمون بعد ذلك؟ لقد صنعت هذه التكنولوجيا للموظفين، لأنني لا أريد له أو لها أن يمر بما مررت به”.