ارتفاع الأسهم الأمريكية الذي جاء رغماً عن عدم اليقين في «وول ستريت»، يبدو أنه سيخضع لاختبار عملي خلال الأسبوع الجاري، حيث تهدد بيانات التضخم الرئيسية بإغلاق الباب في وجه التوقعات بتحوّل مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن سياسته المتشددة.
وواجه المؤشر «ستاندرد أند باورز» تحديات صعبة هذا الصيف وارتفع بنسبة 13% من أدنى مستوياته في منتصف يونيو، على أمل أن ينهي بنك الاحتياطي الفيدرالي في وقت أبكر من المتوقع، زيادات معدل الفائدة التي تؤثر في «وول ستريت».
وعزز رقم الوظائف الأمريكية يوم الجمعة، حالة الزيادات هذه، ولكنه أثّر بشكل طفيف في الأسهم، حيث انخفض هذا المؤشر بأقل من 0.2% في ذلك اليوم، وحقق مكاسبه للأسبوع الثالث على التوالي.
وربما يخضع مزيد من الاتجاه الصعودي للأسهم إذا كان المستثمرون يعتقدون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سينجح في معركته ضد ارتفاع أسعار المستهلكين، ولكن الدلائل التي تشير إلى أن التضخم لا يزال قوياً على الرغم من الانخفاض الأخير في أسعار السلع وتشديد السياسة النقدية، قد تؤثر في التوقعات بمقدرة البنك المركزي على وقف رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر من العام المقبل، وهذا ما قد يؤدي إلى زوال الرغبة في المخاطرة، وبالتالي تندفع الأسهم إلى الانخفاض مرة أخرى.
وقال مايكل أنتونيلي، العضو المنتدب، استراتيجي السوق في «بيرد»: «نحن الآن في مرحلة وصول بيانات أسعار المستهلك إلى أهميتها القصوى، حيث تعطينا بعض المؤشرات على ما نواجهه نحن وبنك الاحتياطي الفيدرالي».
مسيرة عرجاء
كانت حالة الانتعاش في منتصف السوق الهابطة لعام 2022 قصيرة الأجل، وانعكست ثلاث منها سابقة في المؤشر «ستاندرد أند باورز» لتصل إلى مستويات قاع جديدة، مما أثار الشكوك حول مدى استمرارية الارتفاع الأخير. وتم تسليط الضوء على التوقعات القاتمة للمستثمرين من خلال البيانات الأخيرة الصادرة عن قسم الأبحاث العالمية في بنك «أوف أمريكا» التي أظهرت أن متوسط التخصيص الموصى به للأسهم من قبل الاستراتيجيين الأمريكيين، من جانب البيع، انخفض إلى أدنى مستوى له في أكثر من خمس سنوات في يوليو، حتى مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد أند باورز» بنسبة 9.1% في ذلك الشهر، وهي أكبر مكاسبه منذ نوفمبر 2020.
ووفقاً لتقرير «دويتشه بنك» الذي نُشر الأسبوع الماضي، فقد ظلت أيضاً تعاملات المستثمرين المؤسسيين منخفضة للأسهم، ولا يزال وضع الأسهم للمستثمرين التقديريين والمنتظمين في النسبة المئوية الثانية عشرة من نطاقه منذ يناير 2010. ومن جانب مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي فقد عارضوا خلال الأسبوع الماضي رواية التيسير، حيث قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، إنها في حيرة من أسعار سوق السندات التي عكست توقعات المستثمرين بأن البنك المركزي سيبدأ خفض أسعار الفائدة في النصف الأول من العام المقبل.
وسجلت العقود الآجلة لأسعار الفائدة الأمريكية فرصة بنسبة 69% لرفع 75 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر، ارتفاعاً من نحو 41% قبل بيانات الرواتب، وأخذ متداولو العقود الآجلة أيضاً في الحسبان معدل الأموال الفيدرالية بنسبة 3.57% بحلول نهاية العام، وفي خضم هذا يُظهر التمركز في أسواق الخيارات، القليل من الأدلة على اندفاع المستثمرين لتحقيق مزيد من المكاسب في سوق الأسهم.
وأظهرت بيانات «تريد أليرت» انخفاضاً بنسبة 3% في 16 من يونيو في متوسط حجم التداول اليومي لشهر واحد في خيارات الشراء المدرجة في الولايات المتحدة، والتي تستخدم عادة لوضع الرهانات الصعودية.
ويعرب ماثيو تيم، رئيس مشتقات الأسهم المتداولة في «كانتور فيتزجيرالد»، عن دهشته قائلاً: «لقد فوجئنا بعدم رؤية المستثمرين يبدؤون ملاحقة شراء الاتجاه الصعودي، خوفاً من ضعف أداء السوق. فالناس يراقبون فقط».
أرباح الشركات
أما سيليا رودجرز هوبس، مديرة المحفظة في «براندواين جلوبال»، فتعتقد أن معظم الارتفاع الأخير كان مدفوعاً بتغطية صفقات البيع على المكشوف، خاصة بين العديد من الأسماء التقنية عالية الأداء التي لم تحقق أداء جيداً هذا العام. وقالت: «السوق لا تريد أن تفوّت فرصة الارتفاع التالي، ولكن من الصعب معرفة ما إذا كان سيدوم أم لا».
وبالطبع المستثمرون ليسوا متجهين نحو التراجع بشكل جماعي. فقد جاءت أرباح الشركات أقوى مما كان متوقعاً للربع الثاني، مع تجاوز 77.5% من شركات «ستاندرد أند باورز» تقديرات الأرباح من بيانات «ريفينيتيف»؛ الأمر الذي عزز بعض مكاسب «وول ستريت».
وأيضاً يرى أنتونيلي من «بيرد» أن رقم التضخم الذي يكون أقل من المتوقع الأسبوع المقبل، ربما يدفع بمزيد من المستثمرين نحو سوق الأسهم.
أما توم سيومادس، كبير مسؤولي الاستثمار في «ايه إي ويلث مانجمنت»، فيقول إن السوق لم يشهد مستوى القاع بعد، وحث المستثمرين على تجنّب ملاحقة الأسهم. ويقول: «يبدو أن السوق منخرط في بعض التمنيات، والمستثمرون يتجاهلون المقولة المأثورة: لا تحارب بنك الاحتياطي الفيدرالي».(الخليج)