لايزال الجدل قائمًا منذ شهر يوليو/ تموز الماضي حينما أعلن فريق من الباحثين الكوريين، بشكل مفاجئ، تمكنهم من ابتكار مادة موصّلة فائقة في درجة حرارة الغرفة، سميت “إل كيه 99” (LK99).
والموصّلات الفائقة هي مواد قادرة على توصيل التيار الكهربائي دون مقاومة تذكر، وهي ليست مثل الأسلاك النحاسية التي تسخن كلما مرّرتِ التيار الكهربائي، وتهدر على إثره قدرا لا بأس به من الطاقة.
كما أن لهذه المواد خواص طاردة للمجال المغناطيسي، مما يجعلها مناسبة بشكل ممتاز لبناء القطارات فائقة السرعة وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي ومصادمات الجسيمات ومفاعلات الاندماج النووي.
لكن دخول المواد إلى حالة التوصيل الفائق كان، دائمًا، يتطلب درجات حرارة منخفضة جدا تقترب في بعض الأحيان إلى الصفر المطلق (حوالي 273 تحت الصفر)، أو ضغط قوي جدًا، وبالتالي كانت تلك المواد غير عملية بشكل كاف للاستخدام اليومي، ولذلك كان إنتاج موصل فائق في ظروف الغرفة الطبيعية دائمًا، بمثابة حلم بالنسبة للعلماء في نطاق فيزياء المواد المكثفة.
وللموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة ستمتلك تطبيقات كثيرة في حياتنا، ليس أقلها الأسلاك التي تنقل الكهرباء إلى بيتك، وهي التي يمكن أن تخفض بشكل جذري من فاتورة الكهرباء الخاصة بك.
تشكيك منذ البداية
وكان الفريق البحثي من كوريا الجنوبية قد أصدر بداية من 22 يوليو/ تموز الماضي ورقتين بحثيتين يشرح فيهما آلية عمل مادة “إل كيه 99” – وهي مركب من الرصاص والنحاس والفسفور والأكسجين – وذلك في إحدى منصات النشر الإلكتروني التي لا تخضع لمراجعة الأقران (أي الفحص من قبل متخصصين في نفس النطاق).
وإلى جانب ذلك، نشر الباحثون فيديو يظهر فيه تأثير “مايسنر”، وهو قدرة المادة فائقة التوصيل على طرد المجال المغناطيسي، مما يجعل المغانط تطفو أعلى المواد فائقة التوصيل.
لكن الفيزيائي بجامعة ماريلاند بالولايات المتحدة ريتشارد غرين، علق على ذلك لمنصة “فيزيكس ورلد” قائلًا إنه في حين أن فيديو تأثير “مايسنر” يبدو مثيرًا للإعجاب من الوهلة الأولى، لكن الموصلية الفائقة ليست الظاهرة الوحيدة التي يمكن أن تسبب ارتفاع الأجسام. أما دوغلاس ناتلسون من جامعة رايس بالولايات المتحدة، فقد سلط الضوء على بعض التناقضات الواضحة في بيانات الورقتين عن الخصائص المغناطيسية.
وقالت سوزانا سبيلر، الباحثة في جامعة أكسفورد التي عملت على مواد فائقة التوصيل لأكثر من 20 عامًا لوكالة فرانس برس، إن التجارب التي تعلن في فيديو على “تويتر” لن تحل محل العملية العلمية القياسية لفحص العمل والتحقق منه.
لا نتائج إلى الآن
والواقع أن عدد من الفرق البحثية كان قد بدأ فعلا في محاولات لإعادة التجربة التي أجراها الباحثان الكوريان، لكن بحسب سابينة هوسنفلدير، وهي زميلة باحثة في معهد فرانكفورت للدراسات المتقدمة، فإن النتائج الأولية لمحاولات تلك الفرق البحثية تميل إلى عدم تأكيد ادعاء الباحثين الكوريين.
ويضيف تقرير نشر في منصة “ساينس” مؤخرا أن شكوك العلماء تأتي مدفوعة بعدد من الحجج الوجيهة، فمثلا تمتلك ذرات الرصاص والنحاس هياكل إلكترونية متشابهة، لذا فإن استبدال ذرات النحاس ببعض ذرات الرصاص لا ينبغي أن يؤثر بشكل كبير على الخصائص الكهربائية للمادة.
إضافة إلى ذلك فقد اعتبر بعضهم أن هناك مصالح شخصية للباحثين الكوريين من ترويج ادعاءات يمكن أن تكون غير دقيقة، حيث إنهم يمتلكون شركة في سيول تختص بتصنيع المواد فائقة التوصيل، وإعلان مثل هذا يمكن أن يحسن من أوضاع أسهم الشركة حتى لو لم يكن صحيحًا.
لكن رغم تزايد الشكوك في الأمر خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلا أن الباحثين الستة قد بدؤوا بالفعل في إجراءات تحكيم الدراسة الخاصة بهم، وقرروا كذلك دعم كل الفرق البحثية التي تحاول تكرار تجاربهم للوصول إلى اتفاق نهائي في شأن هذه المادة.
ومن المتوقع بحلول شهر سبتمبر/ أيلول القادم أن يصل العلماء إلى استقرار فيما يتعلق بهذه المادة، فإذا كان الادعاء صحيحًا ستكون تلك جائزة نوبل مضمونة لا شك، لأن الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة ستمتلك تطبيقات كثيرة في حياتنا، ليس أقلها الأسلاك التي تنقل الكهرباء إلى بيتك، تلك التي يمكن أن تخفض، بشكل جذري، من فاتورة الكهرباء – كما ذكرنا سابقاً -.