لا يمكن التعامل مع شباب المنطقة العربية على أنه كتلة واحدة، فرغم ما بينه من مشتركات دينية واجتماعية وثقافية، فإن التباينات بين أشكال عيشه والاهتمام به لا يسهل إنكارها.
مردّ هذا التباين قد يتلخص في اختلاف درجات الإيمان السياسي في كل قُطر عربي بقيمة تمكين الشباب، والظروف السياسية في بعض أقطار المنطقة التي لا تترك فرصة الانتباه إلى أيٍّ من الفئات الاجتماعية فيها، فتتساوى في التهميش حتى تصبح المناداة بإنصاف واحدة منها نوعاً من الترف.
وبالنظر إلى التصارع بين الأيديولوجيات والمصالح الضيقة وقتها، واستغلال بعض الجماعات لأزمات الشباب في الأقطار التي توالت عليها ما عرفت بموجات الربيع العربي، فإن النتائج جاءت على عكس ما اشتهى حسنو النية. كان من المفترض، بعيداً عن دوافع هبوب هذه الموجات وتصارع الأطراف المختلفة على توظيفها، سياسياً ودينياً، أن تثمر اهتماماً بالشباب تحديداً، سواء الذين كانوا ضمن هذه الفئة في 2011 أو من سينضم إليها، لكن دول «الربيع العربي» لم تمضِ في مسار واحد، فما استقر منها سياسياً بسرعة وجد نفسه أمام احتياجات كثيرة لسكانه بغير استثناء ربما أعاقته عن أن يولي الشباب كامل الاهتمام، رغم مبادرات له في هذا الشأن.
ومن الطبيعي أن يخفت صوت الشباب في الدول التي لا تزال تعاني تداعيات استهدافها وخلخلة بناها السياسية والاجتماعية، فضلاً عن أنها بلغت في بعض الحالات مرحلة من التمزق يستعصي معها جمع فئة فيها على كلمة سواء، ناهيك عن موجات الهجرة التي وزعت شبابها على قارات العالم، فانحلّت الرابطة الوطنية الجامعة لهم.
والمستقر منذ سنوات أن الإمارات من مقاصد الشباب العربي، ففيها من مقومات العيش الكريم ما يغري بالبقاء الطويل لمن يعوزهم المستقر الآمن في وطنهم أو خارجه، وعلى تعدد هذه المعايير في الإمارات، فليس في مقدمتها توفر الثروة التي تجعلها تعتني غاية العناية بشبابها ونظرائهم الآتين من كل بقاع العالم، فالأساس المتين في هذا الجانب هو الإيمان الراسخ بقيمة كل فرد في بناء المجتمع، وفي القلب من هذا الإيمان اعتبار الشباب محور كل نهضة، ولا سبيل لترجمة ذلك إلا إشراكه في كل الخطط، رسماً وتنفيذاً وترويجاً، والاستجابة لاحتياجاته الأساسية من غير أن تضطر للصراخ للإعلان عن نفسها.
ومن آثار ذلك، على سبيل المثال، ما يمكن رؤيته من نسب تمثيل الشباب في كل مفاصل الحياة مسلحاً بعلم حقيقي يلاقي مطالب المستقبل، واحتضانٍ من أصحاب الخبرة المؤمنين بحتمية نقلها إلى من يراكم فوق جهودهم. إذاً، نحن أمام أيام وأعوام بطولها للشباب في الإمارات، وذلك ليس مجرد باب للمباهاة، وإنما يجب أن ينطوي على رسالة واضحة بليغة لبقية الأقطار العربية التي لا تتوقف الدولة عن دعمها في هذا الشأن بمبادرات وتحديات تستنهض شبابها.
[email protected]