يبدو أنه مع كل بيانات جديدة نحصل عليها عن هذا الكون يزداد عدد الأسئلة الذي تطرح، ويقل عدد الإجابات كذلك.
إلى جانب شكلها البديع، وقدر البيانات الهائل الذي وفرته للعلماء، فإن الصور الجديدة للتلسكوب الفضائي “جيمس ويب” أثارت انتباه فريق من الباحثين للتساؤل حول نشأة الكون، وكيف بدأ من الأساس.
النظرية السائدة عن نشأة الكون هي الانفجار العظيم، والتي تقول إنه قبل حوالي 13.8 مليار سنة نشأ الكون من نقطة واحدة شديدة الحرارة والكثافة، ثم تمددت مع الزمن لتصنع كل ما في هذا الكون من مجرات ونجوم بداخلها.
لا بداية
لكن إيريك ليرنر (Eric J. Lerner)، وهو فيزيائي وكاتب أميركي في نطاق العلوم يروج لنظرية ترى أن الدلائل الفلكية تقول إن الإنفجار العظيم لم يحدث قبل هذه الفترة، فالحسابات تقول إنه بعد الانفجار العظيم كان الأمر سيتطلب أكثر من 500 مليون سنة لتبدأ المجرات في الظهور، إلا أن الصور الفلكية تقول إن المجرات الأولى ظهرت بالفعل بعد الانفجار العظيم بأقل من 500 مليون سنة.
وتأتي صور “جيمس ويب” لتعمق هذه الأسئلة، لأن التلسكوب الذي انطلق في ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى الفضاء يلتقط الصور في نطاق الأشعة تحت الحمراء، وعادة ما يصلنا الضوء من أبعد المجرات في الكون في نطاق الأشعة تحت الحمراء، مما يعني أن “جيمس ويب” سيلتقط عددا أكبر من الصور لأعماق الكون مقارنة بسابقه التلسكوب “هابل”.
لكن فرضية ليرنر لم تصمد أمام التمحيص الذي يجريه الفلكيون لها، ورغم ذلك فإن الفيزيائي البالغ من العمر 75 عاما لا يزال مقتنعا بصحة نظريته.
الماء كان البداية
على الجانب الآخر، يرى روبرت شيلدون، وهو فيزيائي أميركي آخر حصل على الدكتوراة من جامعة ميريلاند الأميركية، وفي دراسة نشرت مؤخرا بدورية “كوميونيكيشنز أوف ذا بليث إنستيتيوت” (Communications of the Blythe Institute)، يرى أن المجرات يمكن أن تكون نشأت أبكر مما ظن العلماء في السابق.
ويعتقد شيلدون أن الانفجار العظيم ساهم في تخليق كميات وفيرة من الكربون والأكسجين، واندمجت مع الهيدروجين لتشكيل الماء، الذي ساهم في برودة الكون في وقت مبكر نسبيا، فسمح ذلك بتشكل سريع للمجرات.
وترى النظرية الفيزيائية السائدة أن تكون المجرات الأولى كان بفعل انجذاب النجوم لبعضها البعض بسبب قوانين الجاذبية، ولكن فرضية شيلدون تقول إن الانجذاب كان بفضل الكيمياء، بالطريقة نفسها التي تتكتل بها رقاقات الثلج.
ما المشكلة؟
ورغم أن هاتين الفرضيتين تعدان غاية في الغرابة، ولا تجدان الكثير من القبول في الوسط العلمي، فإن المشكلة لا تزال قائمة، حيث يواجه الفيزيائيون مشكلات عدة في فهم طبيعة نشأة الكون، حيث إن الفرضيات الفيزيائية الحالية ليست كافية لتفسير الانفجار العظيم.
حتى إن بعض الفيزيائيين، لتجاوز تلك المشكلة، اعتمدوا على فرضية تقول إن الانفجار العظيم لم يكن بداية الكون، بل كان نقطة اتصال بين كونين، فما أن ينكمش كون سابق على نفسه، حتى ينشأ كون جديد، وهكذا دواليك، لذلك سميت بفرضية الأكوان المرتدة.
فريق آخر من فيزيائيي الأوتار يرون أن الانفجار العظيم حدث بسبب تلامس غشاءين في أبعاد كونية أعلى، لكن في المجمل هذه الفرضيات لا تجد لنفسها دليلا تجريبيا.
ومما يحير العلماء أيضا أنهم لا يفهمون من تركيب هذا الكون سوى حوالي 5%، والتي تمثل كل ما نعرف من مادة، في الهواتف الذكية أو السيارات أو أجسامنا أو النجوم أو المجرات. أما البقية، وتمثل حوالي 95%، فهي ما يسميه العلماء بالطاقة والمادة المظلمتين، وهي كيانات لا نعرف أي شيء عنها.
يبدو إذن أنه مع كل بيانات جديدة نحصل عليها عن هذا الكون، يزداد عدد الأسئلة الذي تطرح، ويقل عدد الإجابات كذلك.