بكاء الطفل الرضيع فور ولادته من أولى العلامات الدالة على أن صحته جيدة، ويُعتقد أنها أول مرة يبكي فيها الرضيع على الإطلاق؛ لكن دراسة حديثة قد تُثبت خلاف ما اعتقدناه سابقًا. إذ يرى بعض العلماء أن الأطفال الرضع يتدربون على البكاء وهم في الأرحام قبل أن يروا نور الحياة؛ ما قد يشير إلى بدء تطور مهارات النطق في مرحلة أبكر بكثير مما كنا نظن.
استخدم العلماء قردة “القشة الشائعة” من أجل الدراسة، وهي إحدى القردة التي تتميز بحجمها الضئيل ونداءاتها العالية، وهي تشبه البشر في نواحٍ عدة مما جعلها موضعًا للدراسة والبحث؛ خاصة إذا تعلق الأمر برعاية الصغار منذ لحظة الولادة إذ يتناوب الذكر والأنثى في هذه المَهمة.
قام العلماء بتصوير إناث قرد القشة الحوامل مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا باستخدام تقنية الموجات فوق الصوتية ابتداءً من اليوم الـ95 من الحمل وحتى يوم الولادة 146، وبعدها فحصوا التغيرات في تعابير وجوه الأجنة. ووجد الباحثون أن تعابيرَ تشبه البكاء كانت ترتسم على وجوه الأجنة قبل الولادة بنحو شهرين، كما أمكنهم تمييز حركات فم الأجنة التي صاحبت ارتسام ملامح البكاء على وجوه الأجنة، ثم قارنوا هذه المقاطع الملتقطة من الأرحام مع حركة فم الرضع عند نداء الأمهات بعد الولادة؛ وهذا ما زاد ثقتهم بنظرية ممارسة البكاء في الرحم.
ومن أبرز الجوانب المثيرة للاهتمام في هذه الدراسة هو مقدار تغير الحركة وتعابير البكاء لدى الأجنة مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال في صور المسوحات الأولية كانت الأجنة تُظهر تعابير البكاء فقط عندما تحرك رؤوسها، ومع الوقت بدأت الحركتان بالانفصال تدريجيًا حتى باتت الأجنة تفتح أفواهها فيما يشبه البكاء دون تحريك رؤوسها على الإطلاق. وهذا دليل على أن تطور مهارات النطق لدى هذه الرئيسات -وإن لم يكن بتعقيد مهارات النطق عند البشر- يبدأ في التطور مع مرور الزمن حتى قبل أن تولد.
يُدرك العلماء جيدًا أن مخرجات هذه الدراسة القائمة على قردة القشة لا يمكن أن تنطبق بحذافيرها على الإنسان، لكن نقاط التشابه التي جعلتها مؤهلة كأداة اختبار تُبشر بأن هذه النتائج قد تكون مفتاحًا لاكتشاف جديد يلعب دورًا في تحسين حياة البشر؛ إذ يمكن تقييم تطور مهارات النطق قبل الولادة، عوضًا عما بعد الولادة، أن يُسهم في إدراك مشاكل النطق أو الحركة لدى الطفل في وقت مبكر جدًا.