دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — صدر التقرير النهائي الذي أعدّته الجمعية الأسترالية AusRelief حول المهمة التي اضطلعت بها في لبنان، بغية تحديد موقع غرق الزورق (J-1580) الذي كان يهرب على متنه أكثر من 80 شخصًا من تدهور الأوضاع في لبنان، ووجهتهم السواحل الإيطالية، وذلك ليل 23 أبريل/ نيسان 2022 قرابة الساعة 21:40.
إلى ذلك، كان من مهمتها تحديد موقع نحو 33 جثة معظمهم من النساء والأطفال وانتشالهم، بالإضافة إلى محاولة سحب الزورق من أعماق المياه قبالة شاطئ مدينة طرابلس اللبنانية.
تفاصيل التقرير
وأفاد تقرير الجمعية الأسترالية الذي كتبه توم زريقة، مدير هذه المهمة، بأن فريق العمل متعدد الجنسيات، والغواصة Pisces- VI بقيادة القبطان والتر سكوت، تمكنوا من تحديد موقع الزورق الغارق على عمق 459 مترًا، والعثور في اليوم الأول للغوص على جثتين، وفي اليوم الثاني على حطام الزورق و8 جثث أخرى.
وقالت مصادر، لموقع CNN بالعربية، إنّ الدور المنوط بالجيش اللبناني كان تسهيل مهمة الغواصة Pisces-VI منذ وصولها إلى مرفأ بيروت، وتأمين سلامة انتقالها إلى مرفأ طرابلس مع المعدات الملحقة بها، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات اللوجستية والإدارية. لكن بمجرد وضعها في البحر انتهت مهمة المؤسسة العسكرية.
وذكر التقرير أنّ الضرر الذي أصاب الزورق كان من الجهة الأمامية وطفيفًا. وهذا الحديث يتماشى مع ما قاله قائد القوات البحرية العقيد هيثم ضناوي في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في الآونة الأخيرة بحضور القبطان والتر سكوت، وتوم زريقة، ونائب طرابلس أشرف ريفي، فيما قال سكوت في المؤتمر عينه إنّ المركب “تعرّض لضربة من الأمام”.
أما عن محاولة سحبه فقد واجهت الغواصة معوقات عدة، أوّلها أنّ الزورق غارز في الطين اللزج في قاع البحر. وباءت محاولات سحبه بالفشل، لأنّ وزنه المقدّر مع ضغط مياه البحر وعوامل أخرى بين 70 و100 طن، الأمر الذي حال دون قدرة الغواصة أو الأكياس الهوائية على سحبه. وأشار التقرير إلى أنّ الطريقة الوحيدة لسحبه من دون أن ينكسر بواسطة آلات روبوتية تحفر حوله، ثم تستخدم الأكياس الهوائية لرفعه كي لا ينكسر، بيد أنّ كلفة هذه العملية كبيرة جدًا.
وحول انتشال الجثث أو ما تبقى منها فذكر التقرير، أنّ الجثتين في قاع البحر (امرأة وطفل) كانتا متحلّلتين ولم يبقَ منهما سوى العظام بسبب البكتيريا في قاع البحر، أما الجثث داخل المركب فلم تتحلّل بنفس الطريقة. ولفت التقرير إلى أنّ القرار الذي اتخذ بترك الجثث في قاع البحر على حالها جراء وضعها المتحلل كان صعبًا، لكنه تمّ بعد العودة إلى المراجع المختصة وفريق الغواصة، والسلطات المحلية ومنظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومستشارين في أحكام الشريعة.
الأهالي غاضبون ويشككون في التقرير
هذه النقطة أثارت ردة فعل كبيرة لدى الأهالي بعد اطّلاعهم على التقرير، وقال عميد دندشي، الأب الذي فقد أطفاله الثلاثة (8 سنوات و5 سنوات و40 يومًا) إنهم يشكّكون بالتقرير، معتبرًا أن ما جاء فيه “يتوافق مع رواية المؤسسة العسكرية”.
أما عن المؤتمر المذكور سابقًا الذي عقد عقب انتهاء المهمة ولم يسمح للأهالي بالمشاركة فيه، فقال دندشي “إنهم تفاجأوا بانتهاء المهمة بهذه السرعة وإن الصور المعروضة أمام الحقوقيين المدعوين كانت سيئة وليست تلك التي التقطها سكوت”.
جدل اصطدام “مركب عسكري بالزورق”
في حديث لتوم زريقة مع موقع CNN بالعربية قال إنّ “الزورق سليم بالكامل باستثناء ضرر طفيف من الأمام، وهذا الأمر فاجأنا لأنه برأيي في حال اصطدم المركب العسكري بالزورق لقَسَمه نصفين، أو لخلّف أضرارًا كبيرة في الحد الأدنى نظرًا للفارق بالحجم بين المركبين، وربما أحدث تجويفًا أدّى إلى غرق الزورق”.
وعن سبب أنّ معظم الغرقى هم من النساء والأطفال، لفت إلى أنّ صغر حجم الزورق الذي لا يفترض أن يتسع لأكثر من 10 أشخاص كحد أقصى حتّم أن تكون معظم النساء مع الأطفال داخل المقصورة فيما الباقون، معظمهم رجال، خارجها، فعلقوا بالداخل عند الغرق.
أما حول من اصطدم بمن فقد استبعد زريق رواية اصطدام المركب العسكري بالزورق، بل أن ما حدث هو العكس من وجهة نظره، لأن الزورق ضرب المركب وبسبب الثقل الذي يفوق قدرته عاد إلى الوراء ودخلت إليه المياه، ولا يتمتّع بمواصفات تمكنه من تصريف المياه فغرق، على حد قوله.
لكنّ المحامية ديالا شحادة التي وكّلها 4 من الناجين و2 من أهالي الضحايا، علّقت على أبرز نقاط التقرير بالقول إنه “بعد مرور 4 أشهر منتظرين وصول الغواصة كانت النتيجة الدنيا المتوقّعة والتي لها قيمة عملية وقانونية حقيقية، استرداد جثث الضحايا واسترداد المركب الغارق للكشف عليه جنائيًا من الخبراء المختصّين بهدف تحديد المسؤوليات في هذه الجريمة”. وأضافت أنها “جريمة بشهادات الناجين الذين أكدوا لدى وصولهم إلى البر أنه تم ضربهم من قبل الخافرة العسكرية عن قصد”، على حد تعبيرها.
كما لفتت شحادة إلى أن قائد القوات البحرية العسكرية العقيد هيثم ضناوي قال بحضور القبطان والتر سكوت خلال المؤتمر الأخير الذي عقد في هذا الشأن إن المركب متضرّر من مقدمته، وإنهم لم ينتشلوا الجثث لأنها كانت تتفتّت، وإنهم سيراجعون أصحاب الحق في هذا الموضوع.
وعلّقت: “غادرت الغواصة من دون أن يستشار أصحاب الحق، على الأقل أتحدث عن موكليني الذين لديهم رغبة ثابتة باسترداد ولو شعرة، فما بالك بهياكل عظمية لأسرهم”.
وأضافت: “طبعًا، لا بد من استرداد كل الجثث التي تم العثور عليها لمعرفة هويتها، ولم يصدر أي حديث عن أهالي الضحايا المفقودين يخالف هذا الأمر”، ورأت أن استشارة مرجع ديني هو “بدعة” لأنّ “ما من دين يمنع استرداد ولو عظمة من فقيد لأهل كي يقيموا الحداد عليه ويدفنوه وفق الأصول”.
وعن صعوبة سحب المركب قالت شحادة إنّ “أي كلام غير صادر عن خبراء معيّنين من القضاء حول وضع الغواصة لجهة إمكانية انتشال المركب أم لا، ولجهة سبب عدم انتشال الجثث، مردود لأنه كلام غير صادر عن مرجع علمي ومرجع خبير”.
وتابعت: “تقدمنا بمذكرة أمام القاضي فادي عقيقي المشرف على هذا الملف لدى النيابة العامة العسكرية طالبين الاستماع مباشرة للكابتن والتر سكوت، واستلام الصور الأصلية مباشرة منه، والوثائق الرسمية، والاستماع لرأيه بخصوص انتشال المركب، ومدى إمكانية انتشال هذه الغواصة له، أو الطريقة المثلى لذلك. كما نرغب بمعرفة حجم إصابة المركب”.
وأوضحت أنه بالنسبة لوضع الجثث فقد طلبوا أيضًا في المذكرة نفسها “الاستعانة بخبرة دولية من الصليب الأحمر الدولي لانتشال الجثث بأسلم ما يكون”، وقالت: “صرّحنا عن رغبة موكلينا بانتشال الهياكل العظمية العائدة للمفقودين من أجل دفنها أصولًا وإقامة الحداد وفقا للطقوس العائدة لكل من الأهالي”.
“أي كلام لا أساس علمي له.. مردود”
وتابعت بالقول إنّ أي خلاصة تصدر حول “أعمال هذه الغواصة، لا تتضمّن مطالبنا ورغبة أهالي المفقودين، الذين لم يتم الاستماع إليهم، أو لجهة الإصابة على مقدمة المركب التي تتطلّب رأي خبير دولي محايد غير تابع للمؤسسة العسكرية، لبناني ويستحسن دولي، هو كلام ليس له أساس علمي ولا يمكن الاعتداد به كرأي متخصص محايد ومستقل”.
ولفتت شحادة إلى أنّها مع المحامين الموكلين عن الناجين وأهالي الضحايا يطالبون منذ بضعة أشهر بإحالة الملف إلى المجلس العدلي لضمان استقلالية التحقيقات، وحياديتها، خصوصًا بعد تصريحات العقيد ضناوي التي يؤكد فيها أن المؤسسة العسكرية لم تخطئ “خلافًا لشهادات جميع الناجين بمن فيهم الأطفال لحظة وصولهم للبر الذين قالوا إن المركب العسكري ضربهم وأنهم تعرضوا للضرب”، بحسب تعبيرها.
كما استنكرت عدم استماع أي جهة لشهادات الناجين إلا بعد تقدم المحامين بالشكوى عقب مرور أكثر من شهرين على غرق المركب. ورأت أن هناك “محاولة لطمس الحقيقة وتغييب حقوق الناجين، وأهالي الضحايا في هذا الملف فقط لعدم محاكمة عسكري أو اثنين أعطوا الأوامر أو ارتكبوا هذا الفعل”، بحسب تعبيرها.
وحين طلبنا من عميد دندشي، الأب الذي فقد أطفاله الثلاثة، كلمة أخيرة، قال: “نريد الحقيقة وحقّ أولادنا، خطفوا أرواحهم.. وحتى جثثهم حرمونا منها”.