التخطي إلى المحتوى

دبي: هشام مدخنة

يكتسب الانتعاش الصيفي في الأسهم الأمريكية، ثقة متزايدة بين المستثمرين الذين يدرسون اتجاهات السوق، ما يعزز الآمال فيما تبقى لهذا العام. وبعد تسجيله أسوأ أداء نصفي له منذ 1970، انتعش مؤشر «إس آند بي» بنحو 15% من أدنى مستوى له في منتصف يونيو/ حزيران، مدعوماً بأرباح الشركات الأقوى من المتوقع، على أمل أن يتمكن الاقتصاد أيضاً من تجنب الركود حتى مع رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لترويض التضخم.

كانت الارتفاعات السابقة في الأسهم قصيرة الأجل هذا العام؛ لذلك يعتقد الكثير من المشاركين في السوق أن التفاؤل سابق لأوانه. وقد بذل مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي قصارى جهدهم، لتأكيد أن البنك المركزي لديه الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، لخفض التضخم، وقد نراهم في اجتماع «جاكسون هول» المقبل، والمزمع عقده في ال26 من الشهر الجاري، يتراجعون مرة أخرى عن توقعاتهم المتشائمة بخصوص محور السياسة النقدية، وهي إحدى الروايات التي ساعدت في نهوض الأسهم.

أغلق مؤشر «ستاندرد آند بورز» منخفضاً بنحو 1.29%، الجمعة، منهياً سلسلة مكاسب من أربعة أسابيع متتالية. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يتطلعون إلى «ظواهر السوق» مثل الاتساع والزخم وأنماط التداول، لإثراء قراراتهم الاستثمارية يرون صورة أكثر تفاؤلاً، وهم مقتنعون بأن المكاسب الأخيرة في الأسهم من غير المرجح أن تتلاشى.

قال ويلي ديلويتش، المحلل الاستراتيجي لشؤون الاستثمار: «هناك الكثير من المؤشرات الحقيقية على أن الانخفاض الذي شهدناه في يونيو/حزيران، هو بالتأكيد أكثر ديمومة من الانخفاض الذي سُجل في مايو/أيار أو مارس/آذار. ومع ذلك لا يجب أن نقلق في هذه المرحلة».

تضييق العرض

من بين هذه الإجراءات التي تظهر أمامنا، هناك دلائل على «اتساع» حركة السوق أو ما إذا كانت كمية كبيرة من الأسهم ترتفع أو تنخفض في انسجام تام. وهنا تجدر الإشارة إلى فترة تضييق العرض التي حدثت أواخر العام الماضي، وجاءت كدلالة مقلقة لبعض المستثمرين، وسبقت بداية انخفاض في مؤشر «إس آند بي». وبالفعل، انخفضت الأسهم بنسبة 21% تقريباً في النصف الأول من عام 2022. وقد انعكس هذا الاتجاه مؤخراً، وتجاوزت المكاسب الجديدة في بورصتي نيويورك وناسداك الأسبوع الماضي أدنى مستوياتها في منتصف يونيو/ حزيران على أساس أسبوعي.

يرى إد كليسولد، كبير المحللين الاستراتيجيين لدى «نيد ديفز ريسيرش»، أن بداية الارتفاعات المستدامة تبدأ عادةً بارتفاع نسبة كبيرة من الأسهم معاً. وعليه، زادت الشركة مؤخراً من التعرض الموصى به للأسهم الأمريكية إلى درجة «الحياد» بدلاً من «السالب»؛ حيث أصبحت بعض المؤشرات إيجابية.

يميل السوق الذي يتجه صعودياً أيضاً إلى المحافظة على زخمه، ويتوقع ديلويتش ارتفاعاً بنسبة 15% أو أكثر في ستاندرد آند بورز خلال 40 يوماً من التداولات، يتبعه متوسط ربح إضافي بنسبة 15.3% العام المقبل.

ووفقاً لسام ستوفال، كبير محللي الاستثمار في «سي إف آر إيه»، انحدر أحد المؤشرات التقنية المهمة بشدة في وقت سابق من هذا الشهر عندما استرد «إس آند بي» 50% من قيمته في السوق الهابطة. ومنذ الحرب العالمية الثانية، لم يواصل المؤشر تسجيل مستوى منخفض جديد بعد هذه الخطوة.

القوة تُولّد القوة

علق محللون من «بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش» بأن بعض المؤشرات لا تدعم المزيد من المكاسب، وبأن الأسهم تراجعت تاريخياً إلى القاع عندما كان مجموع التضخم ومضاعف السعر إلى الأرباح P/E أقل من 20 ضعفاً، وهو اليوم 28.5 ضعف، حسب ما كتب البنك الأربعاء.

في الوقت نفسه، عادةً ما ينحدر منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية إلى مستوى قاع السوق. ومع ذلك، فإن الشكل الحالي للمنحنى يظهر عائدات للسندات قصيرة الأجل تتجاوز تلك الخاصة بالعديد من السندات طويلة الأجل، وهي علامة سبقت فترات الركود السابقة.

بدورهم أشار الخبراء الاستراتيجيون في «سيتي جروب» في وقت سابق من الأسبوع الماضي، إلى أن «إس آند بي» قد صعد بالفعل حتى الآن إلى هدفهم في نهاية العام البالغ 4200 نقطة، وبأن البيع التكتيكي لجني المزيد من الزخم له ما يبرره. في الواقع، انعكست ثلاثة ارتدادات سابقة في المؤشر هذا العام لتؤدي إلى انخفاضه إلى مستويات جديدة. لكن ويلي ديلويتش يعتقد أن الخطوة اليوم قد تكون مختلفة؛ حيث إنه من المرجح أن تُولّد القوة مزيداً من القوة.

«جاكسون هول»

ويناقش محافظو المصارف المركزية في اجتماعهم السنوي الكبير الخميس والجمعة المقبلين في مدينة جاكسون هول الأمريكية، معضلة تتمثل في ضرورة رفع معدّلات الفائدة في مواجهة التضخّم، ولكن ليس كثيراً لتجنّب دفع الاقتصاد إلى الركود.

وتستضيف جبال غراند تيتون (وايومنغ) هذا الاجتماع كلّ عام، بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، منذ عهد رئيسه السابق بول فولكر.

وسيكون خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول الذي يلقيه الجمعة الساعة 2,00 بتوقيت غرينتش، أكثر اللحظات المنتظرة في هذه «الندوة».

ولن تسافر رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إلى الولايات المتحدة للمشاركة في هذا الحدث، غير أنّ إيزابيل شنابل العضو الألماني في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، ستتوجّه إلى هناك حيث ستشارك السبت في إحدى اللجان.

بدوره، أكد أندرو بايلي حاكم «بنك انجلترا» أنه سيكون موجوداً في جاكسون هول لمراقبة النقاشات من دون المشاركة فيها.

يقول غريغوري فولوخين مدير محفظة شركة ميسشايرت للخدمات المالية، لوكالة فرانس برس، «الأوراق المطروحة على الطاولة على المستوى الاقتصادي هي كالتالي: عدو مشترك هو التضخّم وخطر تباطؤ الاقتصاد أكثر من اللازم. يجب الاختيار بين الاثنين».

ومع ذلك، يشير إلى أنه «لا يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يقول إنه يجب عليه اختيار (…) زيادة البطالة لخفض التضخّم، ولكن هذا هو الخيار المتاح أمامه».

«تحوّل»

يُعقد هذا الاجتماع في الوقت الذي تشدّد فيه المصارف المركزية في كافّة أنحاء العالم تقريباً، سياساتها المالية لمكافحة التضخّم، وسط خطر عرقلة الانتعاش.

وكان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد رفع أسعار الفائدة أربع مرّات منذ آذار/مارس. وبدأ بربع نقطة مئوية، قبل تسريع الوتيرة.

كما بدأ التضخّم تباطؤاً مرحَّباً به في تموز/يوليو إلى 8.5% على مستوى سنوي، بعد تجاوزه في حزيران/يونيو رقماً قياسياً في زيادة الأسعار خلال أكثر من أربعين عاماً، وصولاً إلى أكثر من 9.1%.

وتتجه الأنظار الآن إلى الاجتماع النقدي المقبل في 20 و21 أيلول/سبتمير، حيث يُطرح رفع حاد آخر لمعدّلات الفائدة بنصف أو حتى ثلاثة أرباع نقطة مئوية.

تقول كارولا بيندر التي تدرّس الاقتصاد في جامعة هافرفورد (بنسلفانيا) «من غير المرجّح أن يحمل مؤتمر جاكسون هول أخباراً حقيقية بشأن خطط الاحتياطي الفيدرالي حول رفع معدّل الفائدة في المستقبل».

وتتراوح المعدّلات بين 2.25 و2.5%، أي أنها قريبة ممّا يسمى المستوى «المحايد» الذي لا يحفّز ولا يبطّئ الاقتصاد، والذي يتمّ تقييمه بين 2 و3%.

ويشير جوناثان ميلار خبير الاقتصاد لدى «باركليز» إلى أن جيروم باول «سيسعى (في خطابه) إلى إلقاء الضوء على التحوّل المحتمل الذي ستشهده السياسة النقدية في المستقبل. من الأمور التي يريدون إيصالها، أنهم يواصلون التركيز بشدّة على مشاكل استقرار الأسعار».

مصداقية

يتوقّع مازن عيسى المتخصّص بسوق الصرف لدى «تي دي سيكوريتيز» أن «يكون جاكسون هول مهمّاً جدّاً للإضاءة» على نظرية الحفاظ على معدّلات مرتفعة، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي.

وتقلّص إجمالي الناتج الداخلي الأمريكي بالفعل في الفصلين الأولَين من العام، الأمر الذي يتوافق مع التعريف الكلاسيكي للركود.

لكن خبراء اقتصاد يعتبرون أن الحال ليس كذلك اليوم في الولايات المتحدة، ويرجع ذلك خصوصاً إلى صلابة سوق العمل التي عادت في تموز/يوليو إلى مستوى ما قبل الوباء، حيث بلغ معدّل البطالة 3.5% كما أعيد خلق جميع الوظائف التي شهدت ضرراً بالغاً.

قبل عام، أشار جيروم باول خلال هذا «المنتدى» إلى «عوامل مؤقتة»، وحذّر من مخاطر التشديد المبكر للسياسات المالية. ولكن منذ ذلك الحين، اتّضح أن التضخّم أقوى ممّا كان متوقّعاً، متجاوزاً توقّعات محافظي البنوك المركزية.

في منطقة اليورو، وصل ارتفاع الأسعار إلى مستوى قياسي جديد وهو 8.9%، بينما تشهد بريطانيا أيضاً تضخّماً وصل إلى 10.1%.

لذلك، تشير كارولا بيندر في حديث لوكالة فرانس برس إلى أنّه «يجب أن يكون هناك الكثير من النقاش حول ما إذا كان هناك ضرر كبير على المصداقية»، في ظل الخطأ في تقدير مسار التضخّم، وحول «ما يمكن القيام به من أجل إصلاحه».

Scan the code