موزة الشحي*
مع حلول يوم 28 من أغسطس هذا العام يكون قد مر أكثر من خمسين عاماً على بدء ملحمة مشاركة المرأة الإماراتية في نهضة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ لحظة ميلاد الاتحاد، كتبت خلالها بجهودها وعزيمتها فصلاً جديداً في تاريخ المنطقة كلها، حتى صار واقعها ملهماً للسيدات في مختلف الدول، بحيث يأتي احتفالنا بيوم المرأة الإماراتية مناسبة لتأكيد الدور الحضاري والريادي لها في وطنها، وإبراز مسيرتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وعطائها الدائم في بناء مجتمع الإمارات.
فقد استطاعت المرأة الإماراتية في فترة قصيرة أن تتبوأ أعلى المناصب وتحقق إنجازات كبيرة مدعومة بفكر الوالد المؤسس، المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي آمن بأن الأولوية لدى الدولة هي الاهتمام ببناء الإنسان ورعاية المواطن، دون تمييز بين الرجل والمرأة. وسارت قيادتنا الرشيدة من بعده على النهج نفسه، فدعمت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، المرأة وحثتها على التعلم والتميز في كافة المؤسسات. ووصلت المرأة الإماراتية للعديد من الوظائف القيادية من وزيرة إلى سفيرة، فضلاً عن خوضها تجارب ناجحة في القطاع الخاص، تبوأت من خلالها مواقع متقدمة إقليمياً ودولياً.
عطاء موازٍ للمكاسب
قابلت المرأة الإماراتية المكاسب التي حصلت عليها بالمزيد من العطاء والتفاني، فنجحت في كافة المواقع كالتعليم وتولي المناصب، فالفتيات هن ثلثي الطلاب الملتحقين بالجامعات الحكومية، وتشكل السيدات ما نسبته 64% من العاملين في قطاع التعليم، والنسبة نفسها من إجمالي طواقم الأطباء والممرضين والفنيين بالقطاع الصحي، و31% من إجمالي العاملين في قطاع المال والبنوك والتأمين. ويبلغ عدد الشركات المرخصة والمملوكة للنساء 80 ألفاً و25 شركة، فيما شكلت المرأة 21.5% من المناصب الإدارية، و32.5% من العاملين في المهن التخصصية.
ومع احتفاظها بدورها التاريخي الفعّال في تنشئة الأبناء، استطاعت المرأة الإماراتية أيضاً الدخول إلى التخصصات التي ظلت حكراً على الرجل، فوصل تمثيل المرأة الإماراتية العاملة في القطاع النووي في الإمارات إلى 20% من إجمالي القوى العاملة فيه، وهي واحدة من أعلى نسب مشاركة السيدات في مؤسسات قطاع الطاقة النووية حول العالم.
وبذلك استطاعت المرأة الإماراتية كسب ثقة القيادة فيها، فصدر قانون كفل لها الحصول على نصف عدد مقاعد المجلس الوطني الاتحادي في إنجاز تاريخي للمرأة وللدولة على السواء له مردوده الإيجابي طويل الأجل على مسار التنمية في الدولة، إذ يضمن قيامها بدور فعال على الصعيدين التشريعي والرقابي، ويحقق لدورها الكبير هذا الاستمرار والاستدامة.
واقع ملهم…. مستقل مستدام
بحسابات الزمن وبمقاييس الواقع، استطاعت المرأة الإماراتية في أعوام قليلة تحقيق الكثير من الإنجازات من التقدم والإنجاز في مختلف المجالات، وصارت -فعلاً لا قولاً- نموذجاً لغيرها من السيدات حول العالم من مختلف الجنسيات. وأصبحت المرأة إحدى العلامات الميزة في النموذج التنموي الإماراتي الذي وضع قضية تطوير مواطني الدولة أولاً، ووفر للنساء البيئة الأفضل للعيش والعمل والتعلم، على النحو الذي أكدت عليه الإحصائيات. وامتد الأثر الإيجابي لتجربة المرأة الإماراتية لخارج الدولة حيث تعاونت الإمارات مع العديد من الهيئات والوكالات والمنظمات العاملة تحت مظلة الأمم المتحدة لتمكين النساء تعليمياً واقتصادياً وحتى أمنياً وعسكرياً. كما دعمت الإمارات هيئة الأمم المتحدة للمرأة منذ إنشائها في عام 2010، وقدمت مبلغ 26 مليون دولار أميركي، لدعم الجهود الرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين عبر العديد من القنوات منها مكتب الاتصال التابع لهيئة الأمم المتحدة والخاص بالمرأة في أبوظبي.
وتحت رعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك وقعت مذكرة تفاهم عام 2018 بين كل من وزارة الدفاع الإماراتية والاتحاد النسائي العام وهيئة الأمم المتحدة للمرأة لبناء قدرات المرأة في مجال العمل العسكري وقطاعَي الأمن والسلام. وتم إطلاق اسم «مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن»، على برنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتدريب النساء على العمل في القطاع العسكري وقطاعي الأمن والسلام، الذي يهدف ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية لقرار مجلس الأمن رقم 1325 الذي أكد أهمية تعزيز المساواة بين الجنسين، وتفعيل مشاركة المرأة في إجراءات منع النزاعات، وزيادة مشاركتها في أنشطة بناء السلام.
وشمل البرنامج حتى الآن تخريج 357 مشاركة من دول عدة، كما تنضم بعد أيام دفعة جديدة للبرنامج قوامها 140 متدربة من دول آسيوية وأفريقية وعربية إلى البرنامج التدريبي، حتى أصبحت الدولة قبلة للتمكين،
وهذا العام نحتفل بيوم المرأة الإماراتية تحت شعار «واقع ملهم، مستقبل مستدام» لتأكيد الإنجازات التي حققتها الإمارات في ملف تمكين المرأة، ولتعزيز الصورة المشرفة لإنجازاتها ونجاحاتها التي بذلت من أجلها الجهد، كما يؤكد الشعار على ضرورة الاستمرار في دعم المرأة وتمكينها، والعمل على تنمية قدراتها ومهاراتها والعمل على استشراف مستقبلها، وضمان استدامة إنجازاتها. كما يعني المستقبل المستدام للمرأة الإماراتية انتقال مفاهيم التمكين إلى الأجيال القادمة، والحفاظ على نمط حياة ثري بمساواته، تنشط فيه النساء في مختلف الأدوار ليكن محركات فاعلة في محاور التنمية وقضاياها الرئيسية.
*مدير مكتب اتصال هيئة الأمم المتحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي