بيروت – أ ف ب
بعدما أنهكت المصارف وقيودها المشددة اللبنانيين، دخلت شركات الحوالات المالية إلى السوق بكل ثقلها، ولم يعد يقتصر عملها على التحويلات من الخارج، بل باتت تقدم خدمات تتنوع بين بطاقات «الفيزا» وقائمة هدايا الزفاف، وحتى دفع الرواتب.
أمام شركة «أو إم تي»، التابعة لشركة ويسترن يونيون العالمية للحوالات، ينتظر إلياس سكاف (50 عاماً) دوره ليتسلم مبلغاً مالياً بالدولار الأمريكي يرسله له أفراد عائلته في الخارج، وبات مصدر رزقه الأبرز.
ويقول إن شركات الحوالات المالية «تُسهل أمورنا، وتجري الأمور بسرعة. أما في المصرف، فتموت مئة مرة قبل أن تُحصّل حوالة تصل إلى حسابك».
على وقع الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خريف 2019، فرضت المصارف اللبنانية منذ الأسابيع الأولى قيوداً مشددة على عمليات السحب بالدولار ومنعت التحويلات إلى الخارج. وجعل ذلك المودعين عاجزين عن التصرّف في أموالهم خصوصاً بالدولار، بينما فقدت الودائع بالليرة قيمتها مع انهيار سعر العملة المحلية في السوق السوداء.
وشهدت قاعات الانتظار في المصارف سجالات متكررة بين مواطنين غاضبين راغبين في الحصول على ودائعهم وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم، آخرها في أغسطس، حين اقتحم شاب فرعاً مصرفياً وأخذ رهائن داخله، ليُحصّل في النهاية جزءاً صغيراً فقط من أمواله المحتجزة منذ ثلاث سنوات.
وجراء انعدام الثقة تدريجياً بالقطاع المصرفي الذي شهد تسريح آلاف الموظفين وإقفال عشرات الفروع وإلغاء العديد من الخدمات، ازدهرت مكاتب الحوالات المالية.
وبدلاً من اللجوء إلى مصرفه المعتاد لفتح حساب خاص بقائمة هدايا العروسين، اختار إيلي شركة «ويش ماني» Whish Money ليوفر بذلك على أصدقائه تعب زيارة المصرف.
ويقول «بدلاً من الانتظار لساعات وفروا وقتاً ورسوماً بعكس المصرف»، مضيفاً «حتى أن أحدهم أرسل لي مبلغاً مالياً عبر التطبيق مباشرة من دون أن يضطر إلى النزول إلى المصرف».
واختار إيلي الشركة ببساطة كونها الشركة نفسها التي يقبض عبرها راتبه.
واختار متجر لبيع الملابس الرياضية التوقف عن دفع الرواتب عبر المصارف لتوفير الجهد والوقت والرسوم على موظفيه، مفضلاً اللجوء إلى «ويش ماني»، التي لا تفرض رسوماً على السحوبات بالليرة اللبنانية.
وتقول راشيل بو نادر، مسؤولة الموارد البشرية في المتجر، «في بداية الأزمة، أجبرنا على دفع الرواتب نقداً، ما كان يستهلك الكثير من الوقت»، وتضيف «الآن، بات باستطاعة الموظفين سحب معاشاتهم بسهولة، وعلى دفعات إن شاؤوا، ومن دون رسوم».
وبالإضافة إلى القيود على العمليات المالية، رفعت المصارف اللبنانية أيضاً قيمة رسومها على الخدمات، وبينها تلك المفروضة على الحوالات القادمة من الخارج، كون تلك الرسوم «باتت مصدر دخلها الوحيد»، وفق ما يقول سامي نادر، مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية.
وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، استلم نحو 250 ألف لبناني حوالات من الخارج عبر شركة «أو إم تي»، التي تسيطر على ثمانين في المئة من سوق الحوالات المالية خارج القطاع المصرفي.
ويوضح عضو المجلس الإداري للشركة ناجي أبو زيد أن الحوالات المالية ارتفعت بنسبة ثمانية في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2021، ويضيف: «ينتشر في لبنان 1200 مكتب تابع لنا».
ولا يقتصر الأمر فقط على الحوالات، إذ إن الشركة باتت تقدم خدمات أخرى، بينها بطاقات «الفيزا» للسحوبات والدفع عبر الانترنت، وخدمة صرف الأموال، وقوائم هدايا الأعراس.
ويمكن للمشتركين في المواقع الإلكترونية التابعة لمحطات تلفزيونية، دفع رسوم الاشتراك عبر «أو إم تي» بدلاً من استخدام البطاقات المصرفية. كما من الممكن دفع ثمن تذاكر إحدى شركات الطيران.
ومع توسع سوق الحوالات، فتحت شركة «ريا» في عام 2020 مكاتبها في لبنان.
وتقول مسؤولة في الشركة في لبنان، فضلت عدم الكشف عن اسمها، «تغيرت التوجهات بعد الأزمة، وباتت غالبية التحويلات تتم عبر شركات الحوالات المالية».
ويعود ازدهار تلك الشركات بشكل أساسي، وفق سامي نادر، إلى الأموال التي يرسلها المغتربون اللبنانيون إلى عائلاتهم في لبنان.
ويقول «لا يتردد شاب لبناني في الاغتراب اليوم في إرسال وإن كان مئة دولار فقط لعائلته، فإنها كافية لإحداث فرق» في حياتها اليومية.
وبلغت تحويلات المغتربين 6,6 مليار دولار في عام 2021، وفق إحصائيات البنك الدولي، مع جعل لبنان بين الدول الثلاث الأولى في الشرق الأوسط التي تعتمد على حوالات مواطنيها في الخارج، وبلغت نسبة تلك الحوالات 53,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.