يُعد انعكاس الضوء إحدى خصائصه المميزة؛ فحين تسقط أشعة الشمس على زُجاج شفاف مثلًا، يمتص الزجاج قدرًا من الأشعة الضوئية ويعكس قدرًا آخر، ويعتمد الانعكاس على العديد من العوامل، من ضمنها زاوية سقوط الأشعة، ونوع السطح، ومن المؤكد أن معظم الأسطح تعكس قدرًا من الأشعة التي تسقط عليها.
لكن يبدو أن مفهوم الانعكاس قد يتغير نتيجة ابتكار جديد، نفذته مجموعة من الباحثين ونشرته دورية “ساينس” (Science)، أمس “الخميس”، 25 أغسطس؛ إذ تمكن الفريق العلمي الذي يرأسه الباحث بمعهد الفيزياء النظرية بجامعة فيينا التقنية “ستيفان روتر” من ابتكار طريقة لإدخال الضوء في “مصيدة” لن يتمكن من الهروب منها على الإطلاق.
في تلك المصيدة، المُكونة من سطح رقيق ماص للضوء ومرآة شفافة جُزئيًّا وعدستين متقاربتين ومرآة عاكسة، يدخل الضوء متوجهًا إلى السطح الماص، ويمتص السطح جزءًا من الشعاع الضوئي ويعكس جزءًا آخر، فيمر الجزء المنعكس على العدسات التي توجهه مرةً أخرى بين المرايا التي تُعيده مرةً أخرى إلى السطح الماص، ويمتص السطح جزءًا من الضوء ويعكس الجزء الآخر، فتبدأ العملية من جديد حتى يتمكن الجزء الماص من امتصاص كل الشعاع الضوئي دون عكس أي جزء منه.
يقول “روتر” في تصريحات لـ”للعلم”: يدخل الضوء تلك الدائرة المفرغة، ويدور فيها حتى تكتمل عملية امتصاص الضوء بالكامل، إن تلك العملية تقع في صميم العديد من العمليات المهمة في العلوم والهندسة والطبيعة، ويُمكن استخدامها في تحويل الطاقة التي تحملها موجات الضوء أو الفوتونات إلى أشكال أخرى من الطاقة تُمكِّننا من استغلالها بالشكل الأمثل.
سواء في عملية البناء الضوئي أو في النظام الكهروضوئي، إذا كنت ترغب في استخدام الضوء بكفاءة، فعليك امتصاصه بالكامل قدر الإمكان، لكن هذا قد يكون صعبًا إذا كان الامتصاص يحدث في طبقة رقيقة من المادة التي تسمح عادةً لجزء كبير من الضوء بالمرور.
في العادة يكون امتصاص الضوء أمرًا سهلًا عندما يصطدم بجسم صلب، فيمكن لغطاء الصوف السميك الأسود أن يمتص الضوء بسهولة، ولكن في العديد من التطبيقات التقنية، لا توجد سوى طبقة رقيقة من المواد المتاح استخدامها في ذلك التطبيق، وهناك بالفعل محاولات لتحسين امتصاص المواد، فعلى سبيل المثال، يمكن وضع المادة بين مرآتين، بحيث ينعكس الضوء ذهابًا وإيابًا بين المرآتين، ويمر عبر المادة في كل مرة، وبالتالي تكون هناك فرصة أكبر للامتصاص.
ولكن لتحقيق هذا الغرض، يجب أن تكون إحدى المرآتين شفافة جزئيًّا، وإلا فلن يتمكن الضوء من اختراق المنطقة الواقعة بين المرآتين على الإطلاق، ولكن هذا يعني أيضًا أنه عندما يصطدم الضوء بهذه المرآة الشفافة جزئيًّا، سيُفقد بعض الضوء.
من أجل منع ذلك، استخدم الباحثون الخصائص الموجية للضوء بطريقة متطورة؛ إذ يسقط الضوء أولًا على مرآة شفافة جزئيًّا، ويقول الباحثون: “ببساطة إذا أرسلت شعاع ليزر إلى هذه المرآة، فسيتم تقسيمه إلى قسمين، الجزء الأكبر معكوس، والجزء الأصغر يخترق المرآة، وتبدأ العملية في الحدوث حتى يكتمل الامتصاص.
لكن يجب ضبط ذلك الابتكار تمامًا وفقًا للطول الموجي للضوء المراد امتصاصه؛ من أجل تحقيق الامتصاص المثالي دائمًا.
ويقول الباحثون: “إن الجهاز بسيط، ولا يتأثر في الغالب بالظروف الخارجية، وحتى الاضطرابات الجوية وتقلبات درجات الحرارة لا يمكن أن تضر بآلية عمل الجهاز”.
يضيف “روتر” في تصريحات لـ”للعلم”: تفتح تلك النتائج طرقًا جديدةً لاكتشاف الإشارات الضعيفة للضوء، حتى عندما تتعرض للاضطراب من خلال المرور عبر الغلاف الجوي المضطرب للأرض (مثل ضوء النجوم الخافت في علم الفلك)، وقد يكون عملنا مناسبًا أيضًا لتحسين أداء أجهزة الكشف الطيفية الانتقائية، أو للأجهزة المستقبلية التي تعمل بالضوء.