وأكد المتحدث باسم وزير الزراعة هادي الياسري لوكالة الأنباء العراقية، على أنه “رغم التحديات الكبيرة فإن العراق حقق اكتفاء ذاتيا لـ15 محصولا بالنسبة للخضراوات، واقترب من الاكتفاء الذاتي بالنسبة للمنتجات الحيوانية وفي مقدمتها الدواجن بنسبة كبيرة”.
لكن خبراء زراعيين ومائيين يرون أنه من المبكر الحديث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي بالبلاد، في ظل تداعيات وأزمات ظاهرة تغير المناخ، ومع تراجع معدلات الأمطار في العراق، وحصته المائية المتقلصة من مياه الأنهار.
وتساءل الخبراء عن السبب في عدم انخفاض الأسعار طالما أن هناك اكتفاء في كل هذه المنتجات، مشيرين إلى أن ثمة عقبات جوهرية أمام تقدم الواقع الزراعي العراقي، منها تخلف البنى التحتية، والاعتماد على طرق ري تقليدية، وضعف الخطط التطويرية للقطاع الزراعي.
وفي هذا السياق يقول تحسين الموسوي الخبير الزراعي العراقي، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “يبدو أن هذه التصريحات لا تعكس الواقع تماما، فالمحاصيل التي حققت الاكتفاء هي حقيقة 5 وهي الطماطم والباذنجان والبطاطا والخيار والبطيخ، حيث أن من المحال تحقيق اكتفاء ذاتي زراعي غذائي في مثل هذه الظروف، إذ يعاني العراق للسنة الثالثة على التوالي من الجفاف وتراجع الزراعة بفعل تداعيات التغير المناخي الحادة”.
وأضاف الموسوي: “قطاع الثروة الحيوانية وليس النباتية فقط مهدد كذلك بفعل شح المياه والأعلاف وارتفاع أسعارها، ما ساهم بانكماش الإنتاج المحلي العراقي، وعجزه عن منافسة المستورد ما تسبب بالتالي بخسائر فادحة وتسريح الكثير من العمال”.
وتابع: “العراق بات يفقد الكثير من الأراضي الرطبة، فالأهوار مثلا تكاد تجف تماما، علاوة على نفوق الحيوانات جراء شح الماء والحرارة المرتفعة، حتى أن الأزمة باتت تطال مياه الشرب، وعليه فتحقيق الاكتفاء الذاتي بالإنتاج الزراعي هو ضرب من الخيال في ظل هذه الوقائع”.
وأكد أن العراق مقبل على أزمة أكبر إن لم يتم تغيير طرق استهلاكه للمياه عبر تطوير منظومات الري والسقي والاستعانة بالتقنيات الحديثة، علاوة على ضرورة تحلية مياه البحر ليس فقط للشرب وإنما لتوفير مياه زراعة البيوت البلاستيكية كما تفعل دول الخليج العربي، مع ضرورة معالجة المياه الثقيلة وإعادة تدويرها”.
بدوره، قال رمضان حمزة، مدير مركز استراتيجيات الطاقة والمياه العراقي، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “العراق لا يجيد مع الأسف الدبلوماسية الاقتصادية، بل لا يزال يعتمد المفهوم التقليدي للدبلوماسية التجارية، والذي يخضع للدبلوماسية السياسية للدولة”.
وأوضح أنه: “من خلال هذه السياسة تُجامل مصالح تركيا وإيران في العراق، واللتان تهيمنان على أكثر من 60 بالمئة من المنتجات الزراعية الموجودة بالسوق المحلية العراقية بعد العام 2003 ولحد اليوم”.
وأكمل حمزة: “إعلان العراق بأن بعضا من المنتوج الوطني وصل حالة الاكتفاء الذاتي، مثل بيض المائدة والدجاج وكذلك بالنسبة إلى الطماطم والبطاطا والتمور، هو دعائي لا أكثر، لأن ما تشير له وزارة الزراعة هي منتوجات تدخل في مجال الصناعات الغذائية، لكن العراق في الواقع لا يزال يستورد معجون الطماطم والدبس وحتى رقائق البطاطا من إيران وتركيا، وهي جميعها ليست ذات جودة عالية كما هو معلوم، فأين العراق من الإنتاج مع ارتفاع الأسعار لمستويات قياسية لهذه المنتوجات المستوردة داخليا؟”.
ويسهب الخبير المائي العراقي في شرح تعقيدات الواقع الزراعي العراقي، بالقول: “ثروات البلاد الزراعية، بشقيها النباتي والحيواني، تراجعت إلى أقل من النصف، ومنها المحاصيل الاستراتيجية كالقمح، لأسباب منها طبيعية كتغير المناخ، وأخرى ذاتية منها ما يتعلق بقلة تصاريف نهري دجلة والفرات، وتراجع مستويات النهرين بفعل السدود التركية والمشاريع الإيرانية على روافد نهر دجلة”.
وبيّن أن: “الحفاظ على المياه الجوفية من أساسيات الأمن المائي الوطني العراقي ويجب عدم المجازفة باستنزافها، نظرا لسوء إدارة الملف المائي والمنهج التقليدي المستخدم في الري وتهالك البنى التحتية لمنظومات السقي والخزن”.
وأقرّ المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية في تصريحاته بأن: “تحقيق الاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي بالنسبة للمنتجات الزراعية يقترن بمتطلبات ومستلزمات يجب توفرها، كالوفرة المالية والتخصيص المالي السنوي الذي يندرج ضمن تخصيصات دعم المزارعين لتوفير اللقاحات والأدوية البيطرية والمبيدات”.
وأشار إلى أنه “من ضمن المتطلبات أيضا توفير المدخلات السليمة للإنتاج الزراعي وفي مقدمتها الوفرة المائية اللازمة لتنفيذ الخطط الزراعية، وزراعة المساحات الكافية لتحقيق إنتاجية تلبي الاكتفاء الذاتي المحلي من المنتجات”، موضحا أن “جميع هذه الأمور تقف عائقا أمام الاكتفاء الذاتي من المحاصيل”.
وختم بالقول أن “هناك انخفاضا بسبب الأزمات التي يتعرض لها العراق بصورة خاصة، وفي مقدمتها التغيير المناخي وشح المياه إضافة الى أزمة كورونا وغيرها”.