وما زال البلد يكابد انهيارا ماليا قياسيا دفع معظم السكان إلى هوة الفقر.
ما الذي يجعل انتخاب الرئيس مسألة صعبة، وما الذي على المحك، ومن الذي سيحكم لبنانفي ظل هذا الفراغ؟
لماذا الأمر شديد التعقيد؟
السياسات الطائفية المنقسمة في لبنان تعني أن انتخاب رئيس جديد للدولة أو تشكيل حكومة جديدة ليس بالأمر البسيط على الإطلاق.
فمجلس النواب ينتخب الرئيس في اقتراع سري من قبل النواب في البرلمان المؤلف من 128 عضوا، حيث يتم تقسيم المقاعد بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.
لكن الحد اللازم لتأمين النصاب القانوني والفوز يعني أنه لا يوجد فصيل أو تحالف لديه بمفرده مقاعد كافية لفرض خياره – مما يؤدي إلى مقايضة الأصوات بمزايا سياسية أخرى.
وتشكيل الحكومة مُعقد بنفس القدر، حيث تقسم الأحزاب حصصها من الوزارات على أساس النفوذ والطائفة وحجم الكتلة البرلمانية والمناصب المحتملة التي يمكن أن تشغلها في أماكن أخرى من الدولة.
وقال المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية وأستاذ القانون الدولي، “الشغور أو الخلو أو كل هذه الحالات ستنعكس طبعا تلبكا سياسيا وفوضى سياسية، طالما أن النية هي في التعطيل وأن النية لم تنصرف إلى انتخاب رئيس للجمهورية للأسف الشديد. لكن أو كانت الأمور دونما التدخل من السياسيين على هذا النحو السافر، لكانت الأمور ببساطة قد جرت وفق الاستحقاقات الدستورية بانتخاب رئيس وبتشكيل حكومة جديدة، أو على الأقل في حال التأخير في انتخاب رئيس من دون الدخول في هذه النظريات السياسية، كنا سنشهد انتقالا مؤقتا لصلاحيات الرئيس لحين انتخاب خلف له”.
ووصل ميشال عون إلى سدة الرئاسة في 2016، بفضل صفقة كبيرة أيدتها جماعة حزب الله الشيعية ذات النفوذ ومنافس عون المسيحي الماروني الرئيسي سمير جعجع، والتي أعادت السياسي السُني سعد الحريري كرئيس للوزراء.
ويمكن أن يلعب النفوذ الأجنبي دورا في إبرام صفقات لانتخاب الرئيس في بلد لطالما لعبت فيه المنافسات الدولية دورا في الأزمات المحلية.
لماذا هذا الوضع غير مسبوق؟
لطالما قادت المناورات التي يتطلبها تشكيل حكومة أو اختيار رئيس إلى ترك لبنان إما بدون رئيس للدولة أو بوجود حكومة تعمل فقط لتصريف الأعمال.
لكن للمرة الأولى يجتمع الأمران في الوقت نفسه.
وشهدت البلاد إجراء انتخابات برلمانية في مايو، ما أطلق عملية لتشكيل حكومة جديدة بينما تواصل الحكومة القديمة تصريف الأعمال.
وكلف عون رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة لكنه لم يوافق على أي من التشكيلات التي قدمها ميقاتي خلال الأشهر الستة الماضية، مما يعني عدم تشكيل حكومة جديدة.
وحذر عون في مقابلة مع رويترز من “فوضى دستورية” إذا انتهت ولايته بدون خليفة ولا حكومة جديدة.
وقبل ساعات من مغادرة قصر الرئاسة، وقع عون على مرسوم قبول “استقالة” الحكومة، وأكد على حالة تصريف الأعمال. وأرسل رسالة إلى مجلس النواب حثه فيها على متابعة ميقاتي.
وينص الدستور على أن مثل هذا الوضع يجبر البرلمان على عقد اجتماع استثنائي لحين تشكيل حكومة جديدة.
ومن المقرر أن ينعقد البرلمان الخميس.
ماذا يعني هذا للحكومة وللأزمة المالية؟
- الرئيس اللبناني مسؤول عن توقيع مشاريع القوانين وتعيين رئيس الوزراء والموافقة على تشكيلة الحكومة قبل رفعها للبرلمان للتصويت لمنحها الثقة.
- الحكومة فمسؤولة عن اتخاذ القرارات التنفيذية.
- ينص الدستور على أن أي حكومة مستقيلة يجب أن تعمل “بالمعنى الضيق”، دون مزيد من التفاصيل. كما ينص على أنه في حال حدوث فراغ رئاسي يتعين على البرلمان الاجتماع على وجه السرعة لانتخاب رئيس جديد.
- خلال الفراغات الرئاسية في السابق، كانت الحكومة تتولى سلطات الرئيس من خلال اتخاذ القرارات بالإجماع. لكن قبيل تركه للمنصب أصر عون على التأكيد أنه لا ينبغي السماح لحكومة تصريف الأعمال بتولي هذه الصلاحيات.
ويثير ذلك تساؤلات حول كيفية تعامل لبنان مع الأزمة المالية المتفاقمة، التي تركت أكثر من 80 بالمئة من السكان في فقر وحرمت المودعين من الوصول لمدخراتهم في النظام المصرفي المشلول منذ ثلاث سنوات.
وتوصلت الحكومة إلى مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي في مايو من شأنه أن يتيح تدفق المساعدات التي تحتاج إليها البلاد بشدة. إلا أن بيروت لم تطبق إصلاحات تُذكر من تلك المطلوبة لاستكمال الاتفاق.
وأضاف مرقص لتلفزيون رويترز “هذه الحالة الأولى أو السابقة في المشهد اللبناني حيث نشهد حكومة تصريف أعمال يُراد لها أن تتسلم وكالة صلاحيات الرئيس، لكن هذا ليس استثنائيا في غمرة التعطيل الذي يواظب عليه السياسيون ويتناوبون عليه في لبنان”.
وقال نائب رئيس الوزراء سعد الشامي إن لبنان لا يزال قادرا على عرض تقدمه على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي للمراجعة، لكنه ليس متأكدا مما إذا كان الاتفاق النهائي سيتطلب موافقة من الرئيس.
وأردف مرقص “أعتقد أن الأمور لن تستقيم على نحو كامل في لبنان أو شبه كامل إلا مع تغيير الطبقة السياسية التقليدية الحاضرة التي لا زالت تتحكم بنحو 70 بالمئة من المجلس النيابي، وبالتالي تمنع التغيير الديمقراطي الصحيح، أعتقد أننا سنذهب عاجلا أم آجلا وقبل انتهاء ولاية المجلس الحالي إلى انتخابات نيابية مبكرة لأن الأكثرية لم تعد بيد هذه الطبقة السياسية ولكنها لم تنتقل إلى قوى التغيير للأسف، مما جعل البلد غير قابل للحكم”.