واشنطن- عام مرّ على وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان حين فوجئ العالم ببث لقطات حيّة لممثلي الحركة يتجولون داخل القصر الرئاسي بعد فرار الرئيس السابق أشرف غني، وانتشار قواتها في العاصمة كابُل.
في الذكرى الأولى للحدث، يعتقد كثير من الأميركيين خاصة أن تورط إداراتهم المتعاقبة في حرب استمرت لعقدين من الزمان لم يخدم أيا من مصالح واشنطن في المنطقة، بل انتهى بهزيمتها وحلفائها، وهو ما أدى إلى استنزاف الرغبة الأميركية في أية مشاركة بالحكم في أفغانستان بعد سيطرة طالبان.
هل أميركا خانت الأفغان؟
عام 1961، وبعد فشل غزو مُخطط من وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” (CIA) لكوبا فشلا ذريعا، قال الرئيس جون كينيدي إن “النصر لديه 100 أب، أما الهزيمة فيتيمة”.
وقبل أسبوعين، حقق الرئيس بايدن نصرا هاما عندما أعلن أن الولايات المتحدة تعقبت وقتلت أهم المطلوبين لديها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي كان يعيش في منزل بالعاصمة الأفغانية “كابُل”.
ولا يتوقع أحد في واشنطن الاحتفال نهاية الشهر بالذكرى السنوية الأولى لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، والتي أنهت أطول حرب في التاريخ الأميركي.
ويظهر أي تقييم واقعي لهذا الإجراء أنه سينظر إليه لفترة طويلة على أنه هزيمة وليس انتصارا، ومن المرجح ألا يتحمل أحد مسؤولية القرار.
وقد شنت الولايات المتحدة حربا ضد أفغانستان عام 2001 بعد أن آوى نظام طالبان أسامة بن لادن مما منحه القدرة على التخطيط وتنفيذ هجمات11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3 آلاف أميركي.
وبينما كانت القوات الأميركية وقوات حلف الناتو تقاتل قوات طالبان والقاعدة، دعمت واشنطن والعواصم الغربية حكومات أفغانية فشلت كثيرا، لكنها نجحت قليلا خلال عقدين في تحسين بعض المجالات خاصة فيما يتعلق بالحد من وفيات الأطفال وزيادة متوسط عمر المواطنين، ووفرت فرص عمل للنساء والتعليم لملايين الفتيات. لكن هذا الواقع بدأ بالتغيّر عندما شرعت واشنطن في الانسحاب واستولت طالبان على البلاد بأكملها في 15 أغسطس/آب 2021.
ويرى الكثير من القادة الأفغان السابقين أن تخلي أميركا عنهم بدأ قبل أكثر من عام من استكمال انسحاب قواتها بنهاية أغسطس/آب 2021، عندما تم إضفاء الشرعية على طالبان من خلال اتفاق الدوحة.
وبعد مرور عام على الانسحاب، ثمة شعور أميركي بالخسارة في أفغانستان خاصة مع ترسيخ طالبان لنفسها في السلطة. ويتهم الكثير من الأميركيين الرئيسين، دونالد ترامب وجو بايدن، بتخليهما عن أفغانستان.
كيف حدث ذلك؟
كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان قبل عام نتاج سلسلة متتالية من القرارات التي اتخذها ترامب واستكملها خليفته، ونفذها كبير المفاوضين السفير زلماي خليل زاد مع طالبان.
ومن غير المرجح أن يعترف أي من هؤلاء تماما بمسؤوليتهم عن الواقع الذي تكشف في أفغانستان، والذي أعقب ما يعده البعض “أسوأ” اتفاق دبلوماسي في تاريخ الولايات المتحدة، حيث مكّن طالبان من الانتصار على طاولة المفاوضات بالدوحة، ولم يتمكن الأميركيون من الفوز عسكريا في ساحة المعركة.
ودافع خليل زاد عن الاتفاق قائلا “المفاوضات كانت بناء على الحكم بأننا لم نكن ننتصر في الحرب، وبالتالي لم يكن الوقت في صالحنا ومن الأفضل عقد صفقة عاجلا وليس آجلا”.
وبحلول نهاية إدارة ترامب، كانت الحكومة الأفغانية مدعومة بحوالي 2500 جندي أميركي فقط، وعدة آلاف من قوات الناتو وجيش من 18 ألف متعاقد. وكانت هذه القوة الغربية الصغيرة كافية لتمكين الجيش الأفغاني من صد طالبان التي لم تتمكن أبدا من الاستيلاء على أي من عواصم الولايات الأفغانية الـ 34 والسيطرة عليها قبل أن يعلن بايدن بدء الانسحاب الكامل في أبريل/نيسان 2021.
وتتساءل بعض دوائر واشنطن: لماذا مضى بايدن قدما في خطة الانسحاب التي ورثها عن ترامب؟ وما يزال هذا لغزا محيرا لغياب أية دعوات كبيرة وصاخبة في الحزب الديمقراطي تطالب بالانسحاب الكامل من أفغانستان، بينما حذّر كبار المستشارين العسكريين لبايدن بوضوح من مخاطر القيام بذلك.
وفي شهادة علنية أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، وقائد القيادة المركزية حينذاك الجنرال كينيث ماكنزي، إنهما نصحا إدارة بايدن بأنه ما لم تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 2500 جندي في أفغانستان فإن الجيش الأفغاني سينهار.
“فشل” طالبان ومسؤولية واشنطن
وحتى الآن يعتقد الأميركيون أن طالبان فشلت في الاختبارات الأساسية للحكم، ويرى مسؤولون أميركيون أيضا عملوا في أفغانستان أن الحركة استولت على نظم حديثة متطورة للمحاسبة في جميع أنحاء كابُل، لكن لم يكن لديها القدرة على إدارتها.
وإذا أخذنا أحد مؤشرات الصحة العامة، فإن وفيات الأمهات والأطفال عادت لترتفع مرة أخرى مع حرمان النظام الصحي من السيولة. وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن “كل التقدم المحرز في القطاع الصحي قد يضيع”.
ويقدر الخبراء حول العالم أن اقتصاد افغانستان أصبح منهارا في وقت ينعدم فيه الاستثمار الخارجي. ويعيش الآن أكثر من نصف السكان البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة تحت ما يسميه برنامج الأغذية العالمي “انعدام الأمن الغذائي الحاد”.
وفي هذه الأثناء، ركزت المساعدات الأميركية في المقام الأول على الظروف الإنسانية الطارئة، حيث قدمت الغذاء والأدوية الأساسية، ولكن هذا ترك احتياجات رئيسية أخرى مكشوفة.
ويواجه المانحون الدوليون، وخاصة الأمم المتحدة والبنك الدولي، معضلة في التعامل مع حكومة طالبان، ليس فقط لعدم الاعتراف بها كحكومة شرعية، ولكن لأن الحركة والعديد من قادتها يخضعون لعقوبات دولية.
وجاء اكتشاف اختباء زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في منزل يخضع لسيطرة وزير داخلية طالبان سراج الدين حقاني، ليجعل من رفع العقوبات في أي وقت قريب أقل احتمالا.
في الوقت ذاته، هناك القليل من الرغبة بين الأميركيين لدعم أي معارضة لطالبان، على الرغم من اتهامها بانتهاك المعايير الدستورية والإنسانية وإيوائها العلني “للإرهابيين” المطلوبين أميركيا.