في الخامس عشر من أغسطس / آب قبل عام كان العالم على موعد مع مفاجأة مدوية تمثلت في استيلاء حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول واسقاطها حكومة الرئيس السابق أشرف غني من دون مقاومة تُذكر من قبل الجيش الأفغاني الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة.
وعلى إثر ذلك، كتبت حركة طالبان المتشددة فصلا جديدا في حكم أفغانستان وعادت إلى السلطة مرة ثانية، حيث حكمت البلاد في السابق قبل سقوطها عام 2001 عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان.
ويرى خبراء أن سقوط حكومة الرئيس أشرف غني كان أمرا حتميا مع بدء انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مايو / أيار عام 2021 بموجب اتفاق الدوحة بين واشنطن وطالبان المبرم في فبراير / شباط قبل ذلك بعام، لكن القليل منهم كان لا يتوقع استيلاء طالبان على السلطة بهذا الشكل السريع. ومنذ أن عادت طالبان إلى حكم أفغانستان، تغيرت حياة الأفغان ومناحي الحياة في هذا البلد الفقير بشكل كبير، بيد أن التغيير ظل للأسوأ.
التراجع إلى الوراء
ورغم الانتقادات التي طالت الحكومات الأفغانية التي تولت زمام الأمور منذ عام 2001، إلا أن أفغانستان حققت تقدما في مجالات عدة خلال العقدين الماضيين خاصة على الصعيد تعليم الفتيات وحقوق الإنسان والإعلام فيما تحسنت حياة أبناء الطبقة الوسطى نسبيا.
ومنذ سيطرة طالبان، تراجعت هذه الانجازات بشكل كبير في البلاد في ضوء إخفاق طالبان عن الوفاء بتعهداتها بموجب اتفاق الدوحة حيث ترددت عن تشكيل حكومة تضم كافة أطياف البلاد ومنعت الفتيات من مواصلة تعليمهن بعد الصف السادس فضلا عن فرض قيود صارمة على عمل وحياة النساء ما أدى إلى إبعادهن فعليا عن الحياة العامة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تهاوى الوضع في البلاد وبات اقتصاد البلاد “في حالة سقوط حر” وفق وصف الأمم المتحدة التي حذرت من كارثة إنسانية في أفغانستان.
ومنذ استيلائها على السلطة، تضغط حركة طالبان على المجتمع الدولي للاعتراف بها “سلطة شرعية” في أفغانستان فيما يعد هذا الأمر حاسما لطالبان لكي تتجنب انهيار اقتصاد البلاد في ظل انتشار الفقر والجوع وبلوغ انعدام الأمن الغذائي في المجتمعات الحضرية مستويات مماثلة للمناطق الريفية والنائية لأول مرة في البلاد.
وفي يناير / كانون الثاني الماضي، أطلقت الأمم المتحدة “أكبر مناشدة على الإطلاق” لتقديم مساعدات إنسانية لدولة واحدة حيث شددت على أنها في حاجة إلى تمويل يبلغ 4.4 مليار دولار (3.9 مليار يورو) للحيلولة دون تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان التي باتت “الأسرع نموا في العالم”.
بيد أن المجتمع الدولي مازال مترددا في إرسال مساعدات مالية بشكل مباشر إلى طالبان خوفا من استخدامها لشراء أسلحة وهي المخاوف التي دفعت واشنطن إلى رفض رفع التجميد على أصول مصرفية أفغانية.
تدهور وضع الأفغانيات
وعلى صعيد وضع المرأة في أفغانستان بعد عام من حكم طالبان، قالت الأمم المتحدة إن أفغانستان باتت الدولة الوحيدة في العالم التي تُحرم فيها الفتيات من التعليم الثانوي.
يشار إلى أن خلال العقدين الماضيين، حققت المرأة الأفغانية الكثير من التقدم إذ تقلدت مناصب وزارية والتحقت بسوق العمل، لكن عقب سيطرة طالبان أُرغمت النساء على البقاء في المنازل.
ورغم قيود طالبان وقبضتها الأمنية القوية، إلا أن أفغانيات خرجن إلى الشوارع للاحتجاج على قرارات طالبان القمعية فيما ردت الحركة على الاحتجاجات بالقمع واعتقال عدد من الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة.
بدورها، قالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في يوليو / تموز الماضي إنه “بعد أقل من عام على استيلاء طالبان على أفغانستان، حرمت الحركة من خلال قرارتها الصارمة ملايين النساء والفتيات من حقهن في العيش بشكل آمن وحرة”. وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها طالبان على المرأة، إلا أن العديد من الأفغانيات تناضلن لإسماع صوتهن.
اندلعت مرات عدة تظاهرات نسائية ضد القيود التي فرضتها حركة طالبان على النساء والفتيات
وعلى وقع ذلك، هربت بعض قادة الاحتجاجات النسائية خارج البلاد، لكن لا تزال خمس منظمات مدافعات عن حقوق المرأة تعمل في أفغانستان وتستغل منصات التواصل الاجتماعي للاحتجاج على سياسات طالبان والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري وممارسات التعذيب.
وتعد زوليا بارسي إحدى الناشطات البارزات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة حيث تعهدت بالمضي قدما في الاحتجاج من أجل مستقبل أفضل لأطفالها. وفي مقابلة مع DW، قالت “إحدى بناتي كانت من المفترض أن تلتحق بالجامعة فيما كان ينبغي أن تذهب أخرى إلى الصف الـ 11. وعندما أنظر إلى حالتهن النفسية، أجد أنه ليس لدي سوى خيار الاحتجاج لنيل حقوقنا. فلا يمكن أن ابقى صامتة”.
الإعلام الحر في خطر
ترى حركة طالبان أن وسائل الإعلام المستقلة بمثابة العدو لها حتى قبل وصولها إلى السلطة. وكانت أفغانستان قد حققت تقدما في مجال الإعلام خلال العقدين الماضيين، لكن مع عودة طالبان الحكم، أضطر آلاف الصحفيين إلى الفرار من البلاد أو البقاء في منازلهم بلا عمل.
وقد أفادت منظمة “مراسلون بلا حدود” بأنه جرى إغلاق 43٪ من وسائل الإعلام الأفغانية في الأشهر الثلاثة الماضية، مضيفة أن قرابة أحد عشر ألف شخص “كانوا يعلمون في غرف الأخبار الأفغانية بينهم أكثر من ألفين امرأة مع بداية أغسطس / آب عام 2021، لكن في ديسمبر / كانون الأول وصل هذا العدد إلى 4360 بينهم 410 امرأة”.
وفي مقابلة مع DW، قال محمد ضياء بوميا، الذي يرأس “رابطة الإعلام الحر في جنوب آسيا في أفغانستان”، إنه بعد انهيار حكومة أشرف غني، جرى إغلاق العديد وسائل الإعلام الأفغانية مما أدى إلى فقدان مئات الصحفيين وظائفهم. وأضاف “لقد فرضت طالبان رقابة صارمة على وسائل الإعلام “سواء الأخبارية وحتى الترفيهية” فيما تحملن النساء العاملات في مجال الإعلام العبء الأكبر.
وفي ذلك، قالت الصحافية الافغانية التي فرت إلى الهند عقب سيطرة طالبان، صالحة عيني، إن حركة طالبان حاولت اعتقالها عدة مرات، مضيفة ” لقد داهمت عناصر الحركة منزلي وقاموا بتحذير عائلتي، لذا لم يكن أمامي خيار سوى الفرار من أفغانستان”. من جانبه، دعا حجة الله مجددي، رئيس رابطة الصحفيين المستقلين الأفغان ومقرها كابول، المجتمع الدولي إلى دعم الصحافيين الأفغان.
تحملت المرأة الأفغانية في المناطق الريفية ويلات استمرار المعارك والقتال مع ارتفاع معدلات الفقر
المخاطر قادمة؟
ورغم تزايد المخاطر في أفغانستان، إلا أن أزمات البلاد باتت لا تحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر مع الصين بشأن تايوان. وعلى إثر ذلك، يرى خبراء ثمة مقاربة بين الوضع الحالي وبين وضع أفغانستان في أواخر تسعينيات القرن الماضي حيث لم يدرك المجتمع الدولي في حينه التداعيات الخطيرة لاستيلاء طالبان على السلطة عام 1996.
وفي ظل تضاؤل الاهتمام العالمي بشأن الوضع في أفغانستان، وفرت الحركة موطئ قدم لتنظيمات مسلحة ومتطرفة محلية وأجنبية فيما يدل مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول مؤخرا على هذا الخطر. وفي مقابلة مع DW، حذر فريد أميري، المسؤول السابق في الحكومة الأفغانية، من خطورة الأمر خاصة “مع وجود علاقات بين طالبان وإرهابيين دوليين”. وأضاف “مع توطيد الحركة سيطرتها على افغانستان، فإن علاقاتها التكتيكية والاستراتيجية مع التنظيمات التي تمول الإرهاب سوف تنمو ما سيؤدي في النهاية إلى تعريض السلام والأمن سواء في المنطقة والعالم للخطر”.
أحمد حكيمي / م ع