حصلت “وول ستريت” على نظرة فاحصة واقعية، اتضّح معها من خلال البيانات التي صدرت الجمعة، أن هناك سوق عمل قوية في الولايات المتحدة، ما يعني على الأرجح أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيمضي قدماً في مسار تشديد السياسة النقدية بشكل حاد، ولفترة طويلة. وقد أدت هذه النظرة والتوقعات، إلى هبوط حاد للأسهم الأميركية، ودفعت عوائد سندات الخزانة القياسية إلى تسجيل أطول سلسلة من الارتفاع الأسبوعي منذ عام 1984.
تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تزيد الضغوط على الأسهم الأميركية
قال ديفيد دونابديان من “سي آي بي سي برايفت ويلث يو إس” (CIBC Private Wealth US)، إن تقرير الوظائف، يضع “علامة تعجب” على فكرة أن الوصول إلى قاع السوق سيستغرق وقتاً طويلاً. أما كالي كوكس من “إي تورو” (eToro)، فتقول إن هذا “الوضع الغريب” من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة، يرى معه المتداولون في البيانات القوية سبباً للاستعداد للاضطراب في الأسواق. وأما المحصلة النهائية بالنسبة إلى ون ثين من “براون براذرز هاريمان” (Brown Brothers Harriman)، فهي أن رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في نوفمبر، بات “أمراً محسوماً”، في حين أن زيادة أخرى بهذا الحجم في ديسمبر أصبحت “احتمالاً قائماً”.
لهذه الأسباب سوق العمل الأميركية أكثر تراخياً مما تبدو
هوت أسهم 95% تقريباً من الشركات المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، فيما تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة لتضغط أكثر على السوق. وجاء هذا الهبوط بعد أيام قليلة على تسجيل المؤشر أكبر ارتفاع له في يومين منذ بداية جائحة “كورونا”، وسط جدل حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي قد اقترب من ذروة التشدد في سياسته النقدية. لكن مع ذلك، وبفضل مكاسبه الأخيرة، تمكن المؤشر من تسجيل أفضل أداء أسبوعي له في شهر، رغم الخسائر التي تكبدها يوم الجمعة، في حين سجل مؤشر “ناسداك 100” الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا، فقد هوى بنسبة 3.9%.
اقتربت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات من 3.9%، مرتفعة للأسبوع العاشر على التوالي، كما ارتفع الدولار مقابل العملات الرئيسية. وتم تسعير عقد المقايضة الخاص باجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نوفمبر، بما يقرب من 75 نقطة أساس من التشديد النقدي. كذلك، ارتفعت التوقعات الضمنية في السوق بشأن المستوى الذي ستصل معه أسعار الفائدة إلى الذروة، مع تداول عقود المشتقات لشهر مارس عند حوالي 4.65%، علماً أن النطاق الحالي لسعر الفائدة القياسي يتراوح بين 3.% و3.25%.
رسالة حازمة
قال جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، إن هناك حاجة إلى رفع أسعار الفائدة إلى حوالي 4.5% مع الوقت، لكن وتيرة حملة التشديد والذروة النهائية، تبقى رهناً بالأداء الاقتصادي للولايات المتحدة. وقد كانت هناك تصريحات للعديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، تضمنت في المجمل رسالة حازمة، مفادها أن ضغوط الأسعار لا تزال مرتفعة، وأن تقلبات الأسواق المالية لن تردعهم عن رفع أسعار الفائدة.
في الأسبوع المقبل، ستتجه الأنظار إلى بيانات التضخم الأميركية الأسبوع، بعد أن حدّت القراءة الأعلى من المتوقع في أغسطس، الآمال بأن يكون التضخم قد بدأ بالانحسار. وبشكل منفصل، ستعطي محاضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، أدلة على تحمّل البنك المركزي للأعباء الاقتصادية التي ستترتب على رفع الفائدة.
في ظل المخاوف من ركود اقتصادي يلوح في الأفق، ركّز المستثمرون على الاحتفاظ بالسيولة النقدية أكثر من أي وقت مضى منذ أبريل 2020. لكن مع ذلك، قد تشهد الأسهم مزيداً من الانخفاضات، كونها لا تعكس تماماً المخاطر القائمة، وفق ما قاله استراتيجيو “بنك أوف أمريكا”. لقد استشهد هؤلاء في تقرير لهم، ببيانات “إي بي إف آر غلوبال” (EPFR Global) التي تظهر أن الصناديق النقدية تلقت ما يقرب من 89 مليار دولار من السيولة في الأسبوع المنتهي في 5 أكتوبر، بينما سحب المستثمرون 3.3 مليار دولار من صناديق الأسهم العالمية.
تمرّد “وول ستريت”
كتب استراتيجيو “بنك أوف أمريكا” بقيادة مايكل هارتنت في المذكرة المنشورة قبل صدور تقرير سوق العمل، أن “وول ستريت”، “تتمرد” ضد تشديد السياسة النقدية.
أما من منظور التحليل الفني، فإن حقيقة أن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لا يزال في منطقة ذروة البيع بما يكفي، جنباً إلى جنب مع الاتجاه الهبوطي، قد تستدعي انتعاشاً قد يتحقق في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، وفقاً لما قاله دان وانتروبسكي من “جاني مونتغمري سكوت” (Janney Montgomery Scott).
أضاف وانتروبسكي: “الأرقام المعلن عنها تمنحنا الثقة بأننا نسير على الطريق الصحيح في توقعاتنا بحدوث المزيد من الهبوط للوصول إلى القاع عند ما يشبه الحرف (U) لتتعافى السوق بعد ذلك في الأشهر المقبلة، وحتى في عام 2023، ونعتقد أن ذلك سيكون في الأشهر المقبل. أما في الوقت الحالي، فيجب على المستثمرين أن يتوقعوا المزيد من التراجع في مسار هبوطي متقلب للغاية، نظراً للأعباء التي يتحملها الاقتصاد”.
تعليقات على تقرير الوظائف:
قال جيفري روتش، كبير الاقتصاديين في “إل بي إل فايننشال” (LPL Financial): “باختصار، إنه محبط.. طالما أن مكاسب الوظائف قوية، يجب أن تتوقع الأسواق رفع أسعار الفائدة بقوة من قبل الاحتياطي الفيدرالي”.
ليس ما تريده السوق
من جهته، قال مايكل شاؤول، الرئيس التنفيذي لشركة “ماركت فيلد أسيت مانجمنت” (Marketfield Asset Management): “هذا التقرير يجب أن يبقي التوقعات بشأن أي تهدئة في مسار رفع الفائدة، أمراً مستبعداً. إنه يؤكد مخاوفنا من أن أي تحوّل في السياسة النقدية من المرجح أن يكون ناجماً عن ظروف سوق مالية أسوأ بكثير من الهبوط الضعيف في الاقتصاد الأميركي الأساسي”.
أما شون كروز، كبير استراتيجيي التداول “تي دي أميري ترايد” (TD Ameritrade) فقال: “كانت العقلية في السوق تقول إن الأخبار السيئة هي الأخبار الجيدة. في هذا التقرير لا توجد أخبار سيئة. إنه تقرير وظائف قوي، لكن ليس ما تريد السوق رؤيته، لأنه لا يعطي الاحتياطي الفيدرالي سبباً للتوقف ولو مؤقتاً، أو الابتعاد عن نواياه بشأن تشديد السياسة النقدية”.
كذلك، قال رونالد تمبل، العضو المنتدب في “لازارد أسيت مانجمنت” (Lazard Asset Management): “بينما يتباطأ نمو الوظائف، يظل الاقتصاد الأميركي قوياً بشكل جيد، بحيث يتعذر على الاحتياطي الفيدرالي تحقيق هدف التضخم. لا يزال الطريق إلى الهبوط السلس أكثر صعوبة. إذا كان هناك من حمائم متبقية في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، فقد يكون تقرير اليوم قد أضعف صفوفهم بشكل أكبر”.
بدورها، قالت سيما شاه، المحللة الاستراتيجية في “برنسيبال غلوبال إنفستورز” (Principal Global Investors): “أرقام سوق العمل اليوم، هي قراءة متشددة، حيث تتحرك كل عناصر التقرير تقريباً في الاتجاه الخاطئ للاحتياطي الفيدرالي”.
قراءة قوية
أما إيان لينجن، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في “بي إم أو كابيتال ماركتس” (BMO Capital Markets)، فقال: “على شبكة الإنترنت، كانت قراءة قوية بما يكفي للمحافظة على مسار رفع الفائدة 75 نقطة أساس في نوفمبر، باعتباره المسار الأقل مقاومة. لكن التباطؤ في نمو الأجور على أساس سنوي، يشير إلى احتمال تباطؤ وتيرة زيادة الفائدة إلى 50 نقطة أساس في ديسمبر. ما زلنا أن يكون الرفع الأخير للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في فبراير، بحيث تكون تلك هي المحطة الأخيرة”.
أضاف لينجن: “البيانات التي يتم الإبلاغ عنها جنبًا إلى جنب مع أعمال دورة الملكية الخاصة بنا حتى الآن تمنحنا الثقة بأننا نسير على الطريق الصحيح في توقع المزيد من قاع السوق على شكل حرف U والتعافي في الأشهر المقبلة (حتى عام 2023)”. “نعتقد أن الأرضية ستنشأ في مرحلة ما في الأسابيع / الأشهر المقبلة – ولكن في الوقت الحالي ، يجب أن يستمر المستثمرون في توقع مسار انحدار متقلب للغاية بسبب التراكمات الكبيرة في الاقتصاد الكلي.”
في ما يلي، بعض التحركات الرئيسية في السوق:
الأسهم
هبط مؤشر “ستاندر آند بورز 500” بنسبة 2.8% عند الإغلاق
هوى مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 3.9%
انخفض مؤشر “داو جونز الصناعي” بنسبة 2.1%
انخفض مؤشر “إم إس سي آي العالمي” بنسبة 2.4%
العملات
ارتفع مؤشر “بلومبرغ” للدولار الفوري بنسبة 0.4%
هبط اليورو بنسبة 0.5% إلى 0.9739 دولار
انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.7%% إلى 1.1080 دولار
انخفض الين الياباني بنسبة 0.2% إلى 145.36 ين للدولار
العملات المشفرة
انخفضت عملة “بيتكوين” 2.9% إلى 19,461.43 دولار
انخفضت عملة “إيثر” 2.7% إلى 1,327.55 دولار
السندات
ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات 6 نقاط أساس إلى 3.89%
ارتفع عائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات 11 نقطة أساس إلى 2.19%
ارتفع العائد على السندات البريطانية لأجل 10 سنوات 7 نقاط أساس إلى 4.24%
السلع
ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط 4.6% إلى 92.48 دولار للبرميل
انخفضت العقود الآجلة للذهب 1% إلى 1,703 دولارات للأونصة