أكثر من نصف البنوك المركزية في العالم تبحث في إصدار العملات الرقمية أو في استحداثها، فالعملات الرقمية للبنوك المركزية CBDCs هي نسخ رقمية من النقود، التي تصدرها البنوك المركزية وتنظم العمل بها. وبالتالي، فهي تتيح درجة أعلى من الأمان وليست متقلبة بطبيعتها، على عكس الأصول المشفرة. ورغم اعتقاد البعض بأن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية مفهوم جديد، فالواقع أن تاريخها يرجع إلى ثلاثة عقود ماضية.
ففي 1993، أطلق بنك فنلندا بطاقة Avant الذكية، وهي شكل إلكتروني من النقود. ورغم أن هذا النظام قد ألغي في نهاية المطاف في مطلع الألفينيات، فمن الممكن اعتبارها أول عملة رقمية يصدرها بنك مركزي في العالم. غير أن هذه العملات لم تصبح موضوعا للبحث على نطاق عالمي واسع إلا في الآونة الأخيرة. وفي الوقت الراهن، تستكشف البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم مزاياها المحتملة، بما في ذلك كيفية تعزيزها للكفاءة والأمان في أنظمة الدفع.
وفي تموز (يوليو) 2022، كان هناك نحو مائة عملة رقمية صادرة عن بنوك مركزية تمر بمرحلة البحث أو التطوير، واثنتان صدرتا بشكل كامل، وهما eNaira في نيجيريا، التي أصدرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، والدولار الرملي في جزر البهاما، الذي ظهر لأول مرة في أكتوبر 2020.
وتختلف دوافع الدول لاستكشاف وإصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية، لكن في حالة جزر البهاما، كان الدافع الأساس هو الحاجة إلى خدمة السكان غير المتعاملين مع البنوك أو غير المستفيدين من خدماتها بشكل كاف في أكثر من 30 من جزرها المأهولة بالسكان.
وبخلاف تعزيز الشمول المالي، يرى كبار الخبراء أن العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية يمكن أن تجعل أنظمة الدفع المحلية أكثر صلابة وتدعم المنافسة، ما قد يؤدي إلى تحسين فرص الحصول على القروض وزيادة كفاءة المدفوعات وخفض تكاليف المعاملات. ومن شأن هذه العملات أيضا أن ترفع من مستوى الشفافية في تدفقات الأموال ويمكن أن تساعد على خفض عمليات استبدال العملة.
ورغم أن العملات الرقمية للبنوك المركزية قد تنطوي على عديد من المزايا المحتملة نظريا، فإن البنوك المركزية يجب أن تحدد أولا إذا ما كانت هناك دواع ملحة لاعتمادها في الوقت الراهن، بما في ذلك مدى كفاية الطلب عليها في المستقبل. وقد قرر البعض أنه لا وجود لهذه الدواعي، على الأقل في الوقت الحالي.
وإضافة إلى ذلك، يقترن إصدار البنوك المركزية للعملات الرقمية بمخاطر يجب على البنوك المركزية أخذها في الحسبان. فقد يسحب المستخدمون قدرا مفرطا من الأموال من البنوك دفعة واحدة لشراء عملات البنك المركزي، ما قد يتسبب في وقوع أزمة. وسيتعين على البنوك المركزية أيضا أن تقيم قدرتها على إدارة المخاطر التي تفرضها الهجمات الإلكترونية، مع الحرص أيضا على ضمان خصوصية البيانات والنزاهة المالية.