دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)– بالقرب من الطرف الجنوبي الغربي لإنجلترا، حيث تلتقي منطقة كورنوال بالمحيط الأطلسي، يتواجد “شاطئ لونغروك” (Longrock Beach).
ويُعتبر شاطئ “لونغروك” شاعريًا، وآمنًا، وصديقًا للعائلات بمياهه الضحلة، ولكنه لم يكن كذلك الأسبوع الماضي.
وكان “لونغروك” واحدًا من بين 100 شاطئ في إنجلترا شهد تسرّب مياه الصرف الصحي الخام إلى البحر خلال ذروة فترة الصيف.
وفي منطقة كورنوال وحدها، أصبح 14 من بين 80 شاطئًا مخصصًا للسباحة محظورًا بسبب مياه الصرف الصحي.
وتأثّر “لونغروك” مرّة أخرى هذا الأسبوع، مع وضع تحذير بشأن التلوّث فيه بتاريخ 26 من أغسطس/آب.
وأُغلقت إحدى الشواطئ في منطقة برايتون وهوف، والتي قد تكون أشهر ملاذ شاطئي بالنّسبة لسكان لندن، في ذروة عطلة نهاية الأسبوع هذه.
وقال المدير التنفيذي لجمعية “Surfers Against Sewage” الخيرية، هيوغو تاغولم: “يبدو أن برايتون وهوف يغرقان مرارًا وتكرارًا”.
وخلال موسم السباحة هذا حتّى الآن، سجلت جمعية “Surfers Against Sewage” الخيريّة 654 إشعارًا بشأن تسرّب مياه الصرف الصحي من 171 موقعًا.
وقال الرئيس التنفيذي لمجلس “Visit Cornwall” السياحي، مالكوم بيل: “لا يقدّم لنا ذلك أي خدمة من حيث الانطباع”.
نظام فيكتوري
وتدفّق مياه الصرف الصحي إلى الشواطئ ليس بالأمر الجديد، ولكنه أصبح شائعًا جدًا في المملكة المتحدة.
وتقول مديرة السياسات والمناصرة في جمعية الحفاظ على البيئة البحرية في المملكة المتحدة، راشيل وايت: “لدينا نظام صرف صحي قديم يعود إلى العصر الفيكتوري، ويتم نقل مياه الصرف من المنازل والشركات في الأنابيب ذاتها التي تجمع مياه الأمطار”.
وعندما تُصبح محتويات الأنابيب كبيرة جدًا، يتم ضخّها من 15 ألف من المرافق التي تحتضن بقايا مياه العواصف في جميع أنحاء البلاد، وهي تُصب في الأنهار والبحر بدلاً من العودة إلى المنازل، والشوارع.
وعانت المملكة المتحدة من الجفاف هذا الصيف حتّى الأسبوع الماضي، عندما هطلت الأمطار بغزارة.
وأدّى ذلك إلى شواطئ مليئة بالقاذورات، وهي ظاهرة وصفها كبير المسؤولين الطبيين في المملكة المتحدة، البروفيسور كريس ويتي، بأنها “مشكلة صحيّة عامّة متزايدة” في مقال رأي مشترك نُشِر في يونيو/حزيران.
ووفقًا للمقال الذي شارك ويتي في كتابته مع مسؤولي تنظيم صناعة المياه “Ofwat”، ووكالة البيئة البريطانية، يجب أن يكون تصريف مياه الصرف الصحي الخام “نادرًا للغاية”. ولكن يشكل الأمر مشكلة متزايدة.
وذكر تقرير ويتي: “لا يتوقّع أحد أن تكون مياه الأنهار قابلة للشرب، ولكن عندما يسبح الناس، أو يلعب الأطفال، يجب ألا يتوقعوا جرعات كبيرة من (البراز) البشري”.
وفي الكثير من الأحيان، لا يدرك الأشخاص ما الذي يسبحون فيه.
والخريطة الوحيدة التي تُظهر تلوّث الشواطئ بالوقت الفعلي في المملكة المتحدة هي تلك التي وفرتها منظمة “Surfers Against Sewage”.
التخلص من مياه الصرف الصحي لملايين الساعات
وأظهرت الأرقام الصادرة عن وكالة البيئة في مارس/ آذار أن شركات المياه قامت بتصريف مياه الصرف الصحي غير المُعالجة في المجاري المائية الإنجليزية لأكثر من 2.7 مليون ساعة في عام 2021، وفي أكثر من 370 ألف حدث منفصل.
وهذه هي الحوادث التي نعرفها، فتتمتّع 89% فقط من المرافق التي تحتوي على بقايا مياه العواصف أنظمة تعقّب عند تفريغها.
وفي كورنوال، وديفون، وهما من أكثر الوجهات الشاطئية شهرةً في المملكة المتحدة، اتّضح أن 1 من كل 8 آليات المراقبة في وجهات السباحة كانت غير موجودة، أو لا تعمل، وفقًا لتحليل بيانات وكالة البيئة من قبل الحزب الديمقراطي الليبرالي.
وزعم الحزب أن 24% من تصريف مياه الصرف الصحي في جميع أنحاء إنجلترا لم تخضع للمراقبة العام الماضي.
ووصف المتحدّث بشؤون البيئة في الحزب، تيم فارون، الأمر بكونه “فضيحة وطنية”، وقال: “يحتاج الجمهور إلى معرفة مدى أمان الشواطئ الشعبية من أجل السباحة، وإن كانت آمنة أصلاً”.
“غير مقبول”
وفي تقريرٍ من الشهر الماضي، وصفت وكالة البيئة التلوّث القادم من شركات المياه بأنه “مروّع ، و”أسوأ بكثير من الأعوام السابقة”، و”غير مقبول ببساطة”.
وأوصت رئيسة وكالة البيئة، إيما هوارد بويد، بسجن الرؤساء التنفيذيين للشركات المُخالفة، وذكرت أنهم “يتصرفون بهذه الطريقة لسببٍ بسيط، لأنهم يستطيعون ذلك”.
وتمت خصخصة شركات المياه في المملكة المتحدة في عام 1989.
وتعمل 9 شركات في إنجلترا الآن، وكانت 7 منها مسؤولة عن “زيادة الحوادث الخطيرة” العام الماضي.
وفي تصنيفات وكالة البيئة لعام 2021، مُنحت 4 شركات نجمتين فقط من أصل 4، ما يدل على الحاجة إلى “تحسين كبير”.
تزداد الأمور سوءًا
وبالنسبة إلى راشيل وايت من جمعية الحفاظ على البيئة البحرية، تلعب أزمة المناخ دورًا في هذه المشكلة، ما يعني أن الوضع يمكن أن يزداد سوءًا، وأوضحت: “نشهد طقسًا أكثر تطرفًا، وجفافًا طويلاً، ثم هطول أمطار غزيرة (هذا الشهر)”.
إذاً، ما هي الخطوة التالية؟ وفي تاريخ 26 أغسطس/آب، أعلنت الحكومة عن “خطة الحد من تصريف مياه العواصف”، وحدّدت أهدافًا لـ”تحسين” تصريف الفائض في مياه السباحة وحولها بحلول عام 2035، بالإضافة إلى 75% من تلك التي يتم تصريفها إلى “مواقع طبيعية مُتمتّعة بأولوية عالية”.
وأشارت الحكومة إلى أن مكبّات الصرف الصحي يجب أن تنخفض بنسبة 80% بحلول عام 2050. وتفوض باستثمار 56 مليار جنيه إسترليني من شركات المياه لإجراء التغييرات.
ولكن لا يشعر تاغولم بالانبهار من هذه المواقف، إذ أوضح: “يبدو أن صناعة المياه قد مُنحت 13 عامًا إضافيًا، أو 28 عامًا للتلوث، ما يعني إمكانية تدفّق أكثر من 33.8 مليون ساعة من مياه الصرف الصحي غير المُعالجة في الأنهار، والسواحل، خلال الأعوام القليلة القادمة وحدها”.