ووفق خبراء عسكريين، فإن “ستارت 3” تعد الأهم بين معاهدات خفض التسلح النووي، والوحيدة التي ما زالت صامدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كما أن القرار يثير مخاوف الغرب من التسليح النووي لروسيا التي تلوّح دائما بإمكانية استخدام أسلحة نووية “تكتيكية” في أوكرانيا.
و”ستارت 3″ المعنية بالحد من الأسلحة النووية، تم تمديدها في 2021 لمدة 5 سنوات بين روسيا والويلات المتحدة الأميركية، وتقيّد عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية والصواريخ والقاذفات التي يمكن للبلدين نشرها.
مخاوف عالمية
ووسط مخاوف عالمية من تداعيات القرار على قضية الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، بررت روسيا قرارها بالقول إن “العقوبات الأميركية بعد حرب أوكرانيا، تعرقل سفر المفتشين الروس، كما أن هناك صعوبات في إصدار التأشيرات الخاصة بهم، وهو أمر لا يواجه نظراءهم الأميركيين”.
وعلى خط الأزمة، دعت الأمم المتحدة، يوم الأربعاء، واشنطن وموسكو لتسوية الخلافات الخاصة بمسائل التفتيش للمواقع العسكرية في البلدين.
وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق: “إنها الاتفاقية الثنائية الوحيدة المتبقية في مجال الرقابة على الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا. تعتبر “ستارت 3” عنصرا مهما للأمن والسلام الدولي، وكذلك لنظام نزع السلاح النووي وعدم الانتشار”، وفقا لوكالة “نوفوستي” الروسية.
كما أعربت الصين عن أملها أن تستمر دون أي عائق عمليات التفتيش المتبادلة للمواقع العسكرية بين روسيا وأميركا في إطار تلك المعاهدة، معتبرة أنها “اتفاقية ثنائية مهمة لتقليص ترسانتي الأسلحة النووية”.
أما الكرملين، فيقول إنه أبلغ الولايات المتحدة بأن الوقت بدأ ينفد أمام إجراء مفاوضات لاستبدال معاهدة “نيو ستارت”، وأنه إذا انتهت صلاحيتها في 2026 دون استبدالها فسيؤدي ذلك إلى إضعاف الأمن العالمي.
كما اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أنه “بسبب تصرفات واشنطن، قررت موسكو سحب منشآتها مؤقتا من عمليات التفتيش”.
وأضاف: “تلقينا إخطارا من الجانب الأميركي بشأن نيته إجراء تفتيش على أراضينا في الأيام المقبلة وفي الظروف الحالية والحرب بأوكرانيا، وبدت مثل هذه الخطوة بمثابة استفزاز صريح”.
4 سيناريوهات محتملة
ويرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، ألكسندر يرماكوف، أن “مصير المعاهدة سيعتمد من نواح كثيرة على ردة فعل واشنطن”.
وتوقع يرماكوف 4 سيناريوهات للأزمة موضحا: “قد تتراجع الإدارة الأميركية وتوقف الضغط على المكابح، أو أن تتخذ خطوات جوابية جدية، أو تقدم على تصعيد حاد ومن بينه وقف تبادل البيانات فيما يخص الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية”.
أما السيناريو الرابع، حسبما نقلت صحيفة “إزفستيا” الروسية، فهو أن القرار قد يؤدي لتحفيز الولايات المتحدة وحلفاءها على السماح بتخفيف إغلاق الأجواء ومنح التأشيرات.
وتعليقا على هذه الأزمة، قال المحلل العسكري والاستراتيجي العميد طارق الحريري، إن “الجانب الروسي أعلن أن تعليق عمليات التفتيش على القواعد الجوية والبحرية وقواعد الصواريخ سيكون بشكل مؤقت، وهو لفظ مقصود وبه يتضح أن الأمر لن يدوم”، مضيفا: “طبقا للرواية الروسية فإن العقوبات الأميركية على موسكو تعيق سفر المفتشين الروس”.
وأوضح الحريري لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “بالطبع الأمر يضيف أزمة جديدة إلى سلسلة أزمات البلدين، لكن لا يلغي الاتفاقية فهي قائمة”.
وتابع الحريري: “تعليق عمليات التفتيش قد يبدو أداة روسية للضغط على واشنطن لرفع العقوبات، وتدخل تحت بند التجاذبات السياسية بين الطرفين منذ الحرب على أوكرانيا، لكن الطرف الروسي يتبع سياسة “الباب الموارب”، مع الجانب الأميركي ولم ينهِ الاتفاقية، فهو يستخدمها كورقة لتخفيف العقوبات”.
وبدوره قال محمد منصور، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن “موسكو ما زالت ملتزمة بكل ما جاء بالمعاهدة، التي تعد فعليا الأهم بين معاهدات خفض التسلح النووي، والوحيدة التي ما زالت صامدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”.
وعن قرار إلغاء التفتيش الميداني كأبرز بنود “ستارت 3″، بيّن منصور لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “ما قامت موسكو بتجميده هو البند الخاص بالتفتيش المتبادل للمنشآت التي تحتوي على مواقع لتخزين الرؤوس النووية، أو الأسلحة الناقلة أو الحاملة لذخائر نووية، وكذلك آلية تبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة، وهي خطوة تبدو منطقية في ظل التوتر الحالي بين موسكو وواشنطن على خلفية الحرب في أوكرانيا”.
وعن تداعيات الخطوة قال منصور: “ستلقي بظلال جديدة على التخوف الغربي من التسليح النووي الروسي، في ظل تلويح موسكو الدائم مؤخرا، بإمكانية استخدام أسلحة نووية “تكتيكية” في أوكرانيا، هذا بجانب إدخال موسكو إلى الخدمة مؤخرا، قدرات نوعية جديدة في مجال التسليح النووي، كالطوربيد “بوسايدون”، والصاروخ الفرط صوتي “تسيركون”.
واختتم منصور قائلا: “بشكل عام لن يشهد هذا الملف تطورات دراماتيكية في المدى المنظور، لكنه سيبقى مطروحا في المستقبل القريب، نظرا لانتهاء أمد تطبيق المعاهدة بحلول عام 2026، ومعه قد يتعذر تجديدها مرة أخرى، على الأقل في ظل الظروف الدولية الحالية”.