إعداد: خنساء الزبير
فقدت شركة «ميتا»، (فيسبوك سابقاً)، حوالي ثلثي قيمتها السوقية منذ أن بلغت الأسهم ذروتها في سبتمبر/ أيلول 2021، ويجري تداول السهم في الوقت الراهن عند أدنى مستوى له منذ يناير/ كانون الثاني 2019، منهية الربع الثالث على التوالي من الخسائر، والسهم ضمن الأربعة الأسوأ أداءً على المؤشر «ستاندرد آند بورز».
وقبل عام، وقبل تغيير الاسم، كانت القيمة السوقية للشركة تُقدر بحوالي تريليون دولار ما جعلها في مكانة عالية مع عدد قليل من عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة؛ وقامت أعمالها على تأثيرات الشبكات الاجتماعية حيث كان كل مستخدم يحضر أصدقاءه وأفراد عائلته، وكل منهم بدوره يدعو زملاءه وأصدقاءه حتى اجتمعت أعداد غفيرة في مكان واحد وفي زمن قصير؛ ووجد المعلنون في هذه المنصة الاجتماعية أرضاً خصبة لزرع إعلاناتهم التي كانت مصدر أرباح وفيرة للشركة، كما وفرت رأس المال اللازم لتوظيف أفضل المهندسين وألمعهم للحفاظ على استمرار دورة العمل.
وكل هذا انعكس في عام 2022 حيث أصبح المستخدمون يقفزون من على سفينة المنصة وقلل المعلنون إنفاقهم على الإعلانات ما جعل شركة ميتا في طريقها نحو الإبلاغ عن انخفاضها الثاني على التوالي في الإيرادات الفصلية فيما تقوم الشركات بإزالة زر فيسبوك من على مواقعها على الويب بعد أن كان في السابق زر تسجيل دخول شبكة اجتماعية شائع الوجود.
وظهر بوضوح تأثر عملية التوظيف في الشركة خاصة وأن المؤسس والرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرج، يقضي معظم وقته في الدعوة إلى الميتافيرس والذي قد يكون مستقبل الشركة رغم أنه لا يمثل أي مصدر من إيراداتها على المدى القريب، كما أن بناء هذه التقنية يكلف مليارات الدولارات في العام والتي قال عنها زوكربيرج إنه يأمل في أن تصل خلال العقد المقبل إلى مليار شخص وتستضيف مئات المليارات من الدولارات من التجارة الرقمية ولكن المستثمرين ليسوا متحمسين حيال ذلك، والطريقة التي يتخلصون بها من الأسهم تجعل بعض المراقبين يتساءلون عما إذا كان هذا الضغط الهبوطي هو في الواقع دوامة موت لا يمكن لشركة ميتا التعافي منها.
قوة رغم الضعف
رغم هذا لا أحد يعتقد أن فيسبوك معرض لخطر الخروج من العمل حيث لا تزال الشركة تحتل موقعاً مهيمناً في إعلانات الأجهزة المحمولة،لا كما أن لها أحد أكثر نماذج الأعمال ربحية على هذا الكوكب؛ وحققت أرباحاً بقيمة 6.7 مليار دولار رغم انخفاض صافي الدخل بنسبة 36% في الربع الأخير من العام السابق، وأنهت الفترة بأكثر من 40 مليار دولار من النقد ومن الأوراق المالية القابلة للتداول.
وتكمن مشكلة فيسبوك مع «وول ستريت» في أنها لم تعد تروي قصة النمو المعتادة، وكان العام الأبطأ في نمو إيراداتها هو عام الوباء 2020 حيث استمرت في التوسع بنسبة 22%، ويتوقع المحللون هذا العام انخفاضاً في الإيرادات.
كما انخفض عدد المستخدمين النشطين يومياً في الولايات المتحدة وكندا في العامين الماضيين من 198 مليوناً في منتصف عام 2020 إلى 197 مليوناً في الربع الثاني من هذا العام؛ وعلى الصعيد العالمي يزيد العدد بنحو 10% عن هذا، ووفقاً لتقديرات «فاكتست» فمن المتوقع أن يزداد بنسبة 3% سنوياً حتى عام 2024.
ومن المتوقع أن يحوم نمو المبيعات في خانة الأرقام الفردية للنصف الأول من عام 2023 قبل العودة إلى الارتفاع ولكن حتى هذا الرهان يحمل في طياته مخاطر لأن الأجيال الجديدة تتجه الآن إلى منصة «تيك توك» حيث يمكن للمستخدمين إنشاء مقاطع فيديو قصيرة سريعة الانتشار ومشاهدتها بدلاً من اضطرارهم للمرور عبر مشاركات سياسية لا يحبونها أو أناس ممن ارتبطوا بهم عن طريق الخطأ على فيسبوك.
منافسون ومخاوف
الآن تحاول شركة «ميتا» جاهدة تقليد نجاح «تيك توك» من خلال عرض الفيديو القصير المسمى «ريلز» والذي كان محط تركيز كبير عبر فيسبوك وإنستجرام، وتخطط الشركة لزيادة بنسبة 15إلى 30% في كمية مقاطع الفيديو القصيرة الموصى بها خوارزمياً في «خلاصات إنستجرام» للمستخدمين، ويتوقع الخبراء أن الشركة ستحصل على الأرجح على تدفق إيرادات هائل من هذه النقلة الخوارزمية؛ ومع ذلك يقر فيسبوك بأنه لا يزال الوقت مبكراً لتحقيق الدخل من «ريلز» كما لم يتضح بعد مدى مناسبته للمعلنين؛ فيما تظل أعمال«تيك توك»غير شفافة لأن الشركة مملوكة وتدار بواسطة قطاع خاص وهي «بايت دانس» الصينية.
وكانت شيريل ساندبرج، التي عملت كرئيس تنفيذي للعمليات في فيسبوك، قد ذكرت من قبل أن مقاطع الفيديو أصعب من الصور من حيث الإعلانات والقياس وأن فيسبوك يجب أن يُظهر للشركات كيفية استخدام الأدوات الإعلانية ل«ريلز»؛ وقالت شيريل أنها تعتقد أنه أمر واعد للغاية لكن قبل ذلك هنالك بعض العمل الشاق. ويرى بعض المتشككين أن على زوكربيرج معرفة إلى أن يتجه هذا العمل.
ولدى زوكربيرج سبب رئيسي واحد على الأقل للقلق، غير توقف نمو أعداد المستخدمين وتباطؤ الاقتصاد، وهو «أبل». فقد أدى تحديث خصوصية «آي أو إس» في عام 2021، والمسمى شفافية تتبع التطبيقات، إلى إعاقة قدرة فيسبوك على استهدافها المستخدمين بالإعلانات ما كلف الشركة ما يقدر بنحو 10 مليارات دولار من العائدات هذا العام حيث تعتمد «ميتا» على الإعلانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي للتعويض في النهاية عن التغييرات التي تجريها أبل، ولكن يقول خبراء في مجال التسويق عبر الإنترنت إنهم شاهدوا صعود وهبوط الشبكات الاجتماعية مع تغير الاتجاهات وتحرك المستخدمين تبعاً لذلك، ويعتقدون بأن هذه المشكلة غير قابلة للحل بالذكاء الاصطناعي.
هزات سابقة
آخر مرة انخفضت فيها القيمة السوقية ل «فيسبوك» إلى هذا الحد كانت أوائل عام 2019 عندما واجهت الشركة التداعيات المستمرة لفضيحة خصوصية «كامبريدج أناليتيكا»، ومنذ ذلك الحين عانت المنصة مزيداً من الأضرار التي لحقت بسمعتها خاصة من الوثائق التي تم تسريبها العام الماضي من قبل المبلغين عن المخالفات والموظف السابق فرانسيس هاوجين، وكانت النتيجة الرئيسية من ملحمة هذا الموظف، والتي سبقت تغيير الاسم إلى«ميتا»، هي أن فيسبوك كان على علم بالعديد من الأضرار التي تسببت فيها منتجاته للأطفال ولم يكن راغباً أو غير قادر على فعل أي شيء حيالها، وقد عقد بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مقارنة بين هذه المنصة وبين كبرى شركات تصنيع التبغ.
ورغم هذا يرى خبراء أن تحسين سمعة العلامة التجارية على الرغم من أنه أمر صعب إلا أنه ليس مستحيلاً على غرار ما حدث في«دومينوز بيتزا» تلك القصة الشهيرة، وكيف أن الشركة تمكنت من استعادة مكانة أسهمها.
ويرى البعض تضرر سمعة «ميتا» يمكن أيضاً أن يضر بقدرتها على توظيف مواهب من الدرجة الأولى، وان”تيك توك” تتمتع بميزة أكبر فيما يتعلق بالتوظيف.
مقدرات زوكربيرج
على العكس من هذا يرى البعض بأن زوكربيرج لديه تاريخ في إثبات خطأ المشككين فيه كما حدث عندما انصرف المستثمرون من فيسبوك بعد فترة وجيزة من الاكتتاب العام الأولي لعام 2012 مستهزئين بقدرة الشركة على الانتقال من الكمبيوتر الشخصي إلى عالم الأجهزة المحمولة، وسرعان ما اشتعلت الأعمال التجارية عبر فيسبوك على هذه الأجهزة.
وبغض النظر عما سيحدث في العام أو العامين المقبلين أو حتى الثلاثة أعوام المقبلة أوضح زوكربيرج أن مستقبل الشركة يقع في منطقة الميتافيرس حيث يتعامل مع أعمال جديدة تتشكل حول الواقع الافتراضي.
وإذا كان زوكربيرج على صواب فربما بعد 10 سنوات سيرتفع سهم«ميتا» وسيتم الاستهزاء بتنبؤات حدوث «دوامة الموت» مثل غلاف مجلة «بارون» عام 2012 والذي حمل عنوان «فيسبوك يساوي 15 دولاراً» مع إشارة إبهام لأسفل؛ وبعد أربعة أعوام تم تداوله بالقرب من 130 دولاراً.
ولكن تبقى هنالك أسئلة متعلقة بمستقبل الميتافيرس: هل المستخدمون بصورة يومية جاهزون لهذه التقنية؟ وهل التكنولوجيا الأساسية جاهزة وناضجة بما يكفي لجعل هذا الانتقال سلساً؟