مع اقتراب موعد إلغاء تخفيضات إنتاج النفط الخاصة بتحالف «أوبك بلس» في سبتمبر الجاري، والوصول بمستويات الإنتاج إلى ما كانت عليه قبل تفشّي جائحة “كوفيد – 19″، يترقب سوق النفط العالمي السياسة الإنتاجية الجديدة الخاصة بالتحالف، وما يسفر عنه الاجتماع القادم.
وفي ظل الاستقرار الذي شهدته سوق النفط على أثر اتفاقية تحالف «أوبك بلس» بشأن سقف الإنتاج، فمن المرجح أن يحرص أعضاء التحالف على التوصل لصيغة جديدة لدعم بقائه بهدف المحافظة على توازن السوق واستقراره في مواجهة المتغيرات على الساحة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من بعض التكهنات التي أثيرت في الصحافة الغربية حول استبعاد روسيا من اتفاق «أوبك بلس» الجديد المرتقب، فإنه من المتوقع أن تستمر موسكو في لعب دور محوري، بالتعاون مع أعضاء أوبك، في الحفاظ على استقرار سوق النفط.
مستجدات عالمية
وتشير دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى ثمة عدد من المتغيرات العالمية الجديدة التي من شأنها أن تؤثر على سوق النفط العالمي، وبالتالي السياسة الإنتاجية الخاصة بالتحالف في الفترة المقبلة، أبرزها:
– انخفاض الإنتاج النفطي الروسي: تعتبر روسيا أحد أهم منتجي النفط على المستوى العالمي وبحصة تقدر بحوالي 10% من الإمدادات العالمية قبل اندلاع الحرب الأوكرانية الأخيرة، بيد أنه من المتوقع انخفاض إنتاجها من النفط في ضوء العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، والحظر الأوروبي لواردات النفط الروسي المنقول بحراً.
وترجح التقديرات أن يتراوح إنتاج النفط الروسي ما بين 9.3 إلى 9.7 مليون برميل يومياً بنهاية العام الجاري مقارنة بــ 10.2 مليون برميل يومياً في العام الماضي، وفق تصريحات سابقة لنائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك.
– ضغوط لرفع إنتاج النفط: يقود كبار مستهلكي النفط الخام ضغوطاً متكررة خلال الفترة الماضية على منتجي النفط لضخ إمدادات إضافية في السوق من أجل كبح الأسعار.
– تعافٍ بطيء للطلب العالمي: توقعت “أوبك” في تقريرها الشهري ارتفاع الطلب العالمي على النفط بنحو 3.36 مليون برميل يومياً عام 2022، لكن بانخفاض قدره 310 آلاف برميل يومياً مقارنة بالتوقعات السابقة.
ومع ذلك، قد تدعم التوقعات بانتعاش اقتصاد الصين، الطلب العالمي على النفط، خاصة بعد تخفيف إجراءات الإغلاق في المدن الرئيسة في الصين، واعتزام الحكومة الصينية اتخاذ عدداً من التدابير لدعم نمو اقتصادها المتضرر من الجائحة.
مبررات الإبقاء
مع اقتراب موعد انتهاء اتفاق تحالف «أوبك بلس» بشأن الإنتاج، تترقب سوق النفط ما إذا كان سيتم تمديد الاتفاقية، خاصة في ظل الصراع الروسي – الأوكراني الأخير. وتشير أغلب التقديرات إلى أن دول التحالف ستسعى للحفاظ على وجود اتفاق بشأن سياسة الإنتاج، لتجنب حالة الانهيار التي شهدتها سوق النفط عام 2020، ولحماية مصالح جميع الأعضاء، وذلك في ضوء ما يلي:
– دعم استقرار الأسعار: أسهم اتفاق الإنتاج الحالي في تعزيز أداء سوق النفط في مواجهة العديد من التحديات، ومن بينها، تداعيات جائحة “كوفيد – 19” وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ثم فإن عدم تجديد اتفاق «أوبك بلس» الخاص بسقف الإنتاج، قد يعطي إشارات بتراجع التحالف عن دعم توازن السوق في وقت يشهد فيه العالم اضطراب في الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية، مما ينذر باهتزاز السوق.
– ضمان عدم إغراق السوق: من المتوقع أن يبقى الاتفاق المرتقب على بعض نقاط القوة التي أسهمت في نجاح الاتفاق الحالي، ومنها استمرار تحديد حصص الإنتاج والامتثال لها، فضلاً عن الاجتماعات الشهرية لبحث التطورات الخاصة بالسوق. ففي حال عدم تجديد الاتفاق، قد تشهد سوق النفط العالمية إغراقاً بالنفط من قبل بعض المنتجين، وبالتالي تراجع الأسعار بشكل حاد.
– تحفيز الاستثمارات بقطاع الطاقة: يسمح التوصل لاتفاق جديد بالمحافظة على الأسعار المرتفعة، وبالتالي يعزز من الاستثمارات في القطاع النفطي، الأمر إلى سيسمح للدول بوفاء بالتزاماتها وحصصها الإنتاجية مستقبلاً.
انتفاء الحاجة
ترجح بعض التقديرات أن تحالف «أوبك بلس» لن يدخل في اتفاق جديد بشأن الإنتاج، لطالما بقيت ديناميكيات سوق النفط متوازنة، خاصة أن العديد من دول التحالف لم تتمكن من الوفاء بحصتها من إنتاج النفط، وذلك بالنظر إلى الآتي:
– حدود الطاقة الإنتاجية: قد يفضل بعض المنتجين خاصة أولئك الذين يمتلكون طاقات فائضة كبيرة عدم التقيد بحصص إنتاجية، حيث لا تميل الدول إلى الالتزام بأي قيود على طاقتها الإنتاجية، كما لا ترغب في التنازل عن أي حصة للمنافسين في السوق، سواء داخل التحالف أو خارجه.
ولكن على الجانب الآخر، بلغ عدد من منتجي التحالف بالفعل الحد الأقصى لما يمكنها ضخه من النفط، بسبب مشكلات هيكلية في قطاع التنقيب والإنتاج، بالإضافة إلى اعتراف روسيا بأن إنتاجها قد ينخفض بنحو 8.4% خلال العام الجاري؛ بسبب العقوبات الغربية.
فعلى الرغم من قرار «أوبك بلس» الأخير بشأن زيادة الإنتاج، فإن الكثير من دول التحالف ليست قادرة على زيادة إنتاجها والوفاء بحصصها تجاه إمدادات سوق النفط.
– التحول نحو الطاقة المتجددة: على الرغم من حرص دول التحالف على بقاء الأسعار المنتعشة، والتي تدعم موازناتها وتعزز من الاستثمارات في القطاع، فإن الأسعار المرتفعة تزيد مخاوف المستهلكين بشأن أمن الإمدادات، وتدعم التوجهات نحو تحوّل قطاع الطاقة والابتعاد عن الوقود الأحفوري.