طوال سنوات عديدة باتت الموسيقى الرقمية محدودة بمعايير ثابتة إلى حد بعيد من حيث طريقة تمثيلها بشكل رقمي، حيث سيطرت صيغة الموسيقى المضغوطة MP3 على الملفات التي يتم تحميلها وتداولها بشكل كامل فعلياً، وبالنسبة لبث الموسيقى عبر الإنترنت بات ترميز AAC هو المهيمن دون شك. لكن ومع أن كلاً من MP3 وAAC جيدتان كفاية للكثير من الاستخدامات، فالواقع الذي لا مفر منه هو أن هذه الصيغ تضحي بالكثير من الجودة مقابل الحجم الصغير لملفاتها.
في الماضي كانت الملفات ذات الحجم الصغير للغاية هي الأولوية، فمساحات التخزين كانت صغيرة إلى حد بعيد، وعندما انتقل التركيز إلى التحميل أو البث من الإنترنت Hwfp التركيز على حجم الملفات الأكبر حتى في ظل محدودية سرعات الإنترنت المتاحة.
لكن الآن بدأت الأمور بالتغير في الواقع، حيث أصبحت مساحات التخزين المتاحة حتى على الهواتف الذكية كبيرة للغاية، وحتى سرعات الإنترنت التي تحسنت بشكل هائل تجعل الحفاظ على المعايير الماضية للموسيقى أمراً غير منطقي في ظل وجود خيارات أخرى لا تضحي بالكثير من الجودة، وفي هذا الموضوع سنشرح فكرة الموسيقى عالية الجودة المضغوطة بشكل غير تدميري وما الذي يميزها.
لماذا نستخدم الموسيقى المضغوطة أصلاً؟
في الماضي كانت الموسيقى تخزن كما تصنع من حيث المبدأ: على شكل أمواج ومنحنيات. وهذه الطريقة القديمة كان تسمى بالتخزين التناظري (Analog). المشكلة في هذه الطريقة هي الحاجة لوسائط تخزين فيزيائية مثل أقراص الفونوغراف التي كانت كبيرة جداً وتتسع لألبوم واحد بأفضل الحالات.
كبديل لذلك تم صنع الموسيقى الرقمية التي تحول الإشارة التناظرية إلى بيانات رقمية (Digital) لتخزينها بهذا الشكل، وعند الحاجة يتم إعادة الموسيقى إلى الشكل التناظري الخاص بها للاستمتاع بها. لكن ونتيجة الطبيعة الرقمية كان الحفاظ على الموسيقى كما هي مستحيلاً فعلياً، بل كان يتم أخذ عينات من الموسيقى وتخزينها رقمياً وكلما زادت الجودة زاد عدد العينات المطلوب أخذها وبالتالي زاد حجم الملفات.
على سبيل المثال تحتاج كل دقيقة موسيقى بالجودة المتعارف عليها للأقراص الضوئية (CD) إلى حوالي 10.5 ميجا بايت لتخزينها، أما بالنسبة للصوت المسجل كأصل في الاستديو فقد كانت الأرقام أضعاف ذلك حتى. لذا ومع محدوديات التخزين والسرعات في الماضي بات الحل المنطقي هو ضغط الموسيقى لجعل حجمها أصغر ما يمكن والسماح بتحميل الموسيقى من الإنترنت مثلاً وتخزينها على مشغلات الموسيقى الصغيرة جداً.
الفرق بين الضغط غير التدميري والضغط التدميري
في عالم الموسيقى والصور وسواها، هناك نوعان مختلفان من الضغط في الواقع، والفرق الأساسي بينهما هو قابلية استعادة البيانات المضغوطة كما هي من عدمه.
في حالة الضغط غير التدميري، يمكن دائماً الحصول على الملف الأصلي من الملف المضغوط دون خسارة أي جزء أو تفصيل منه أبداً. لكن في حالة الضغط التدميري لا يمكن ذلك، بل أن الملف المضغوط هو إعادة تمثيل للأصل لكن مع تفاصيل أقل بشكل محدود وحجم أصغر بمراحل من حيث المبدأ.
على سبيل المثال، نفس الموسيقى التي تحتاج 10.5 ميجا بايت لتخزينها دون ضغط على قرص ضوئي (CD) يمكن أن تضغط وتحافظ على كامل جودتها إلى حجم 5 ميجا بايت تقريباً بصيغة مثل FLAC أو ALAC الخاصة بشركة Apple. ونفس الموسيقى تماماً يمكن أن تضغط إلى حجم أقل من 1 ميجا بايت للدقيقة في حال استخدام ضغط تدميري مثل MP3، لكن النتيجة ستكون أقل جودة من الأصل ولو بنسبة صغيرة فحسب.
هل يمكن تمييز الفرق بين الضغط التدميري وغير التدميري؟ أم أن الأمر مجرد مبالغة؟
يعتمد الأمر هنا على المعدات المستخدمة لإعادة إنتاج الصوت في الواقع. فمن حيث المبدأ هناك فرق دائم ولا مفر منه، فالموسيقى المضغوطة تدميرياً تمتلك جودة أقل كما يقترح اسمها. لكن المشكلة هي أن مكبرات الصوت ذات الجودة السيئة والسماعات الرخيصة غالباً ما تكون سيئة كفاية لتضييع أي فرق ممكن بين الحالتين.
عموماً وحتى بافتراض استخدام مكبر صوت يظهر الفرق بين الموسيقى المضغوطة تدميرياً أو لا فالأمر ليس للجميع، وبينما يمكن لمعظم الأشخاص أن يلاحظوا الفرق (وبالأخص في حالات الصوت المرتفع) فالكثيرون لا يكترثون حقاً، والفئة التي تهتم كثيراً بمدى جودة الصوت لا تزال ذات نسبة صغيرة في الواقع.
عموماً وفي الوقت الحالي لم يعد هناك مبرر حقيقي للتمسك بالضغط التدميري للموسيقى، حيث باتت سرعات الإنترنت المتوافرة وأحجام وسائط التخزين المستخدمة كبيرة كفاية للتعامل مع ملفات أكبر دون مشاكل، ووضع الموسيقى المضغوطة بشكل غير تدميري كخيار هو فكرة جيدة دون شك ونقطة تحتسب لصالح خدمة Apple Music التي أضافتها مؤخراً للموسيقى عبرها.
توضيح مهم:
من الممكن لوصف موسيقى مضغوطة بشكل غير تدميري أن يكون مضللاً في الواقع، حيث أن هذا لا يعني أن الموسيقى النهائية لم تخسر أياً من جودتها منذ عملية التسجيل الأصلية، بل أن عملية الضغط الأخيرة المطبقة عليها لم تكن تدميرية. لذا معظم الموسيقى المضغوطة بشكل غير تدميري لا تقارن بجودة الأصل لأنها مضغوطة من موسيقى جودة CD وليس من الجودة الأصلية القصوى للموسيقى. لذا ومع أن هذه الموسيقى أفضل من MP3 وAAC دون شك، فهي ليست أفضل ما هو متاح وهي نفسها تتضمن خيارات مختلفة ومتنوعة للجودة.