أي ضوء خافت يصل إلينا من الفضاء يحمل معه تفاصيل حدث قديم في عمق تاريخ الكون، وكلما ازداد خفوت الضوء، دل على حقبة أبعد من تاريخ الكون.
يبدو أن تلسكوب “جيمس ويب” (James Webb) التابع لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” (NASA)، وهو أكبر وأقوى تلسكوب فضائي تم إطلاقه ويعمل على بعد مليون ميل من الأرض، لن يكف عن إبهارنا وتحطيم الأرقام القياسية لأبعد المجرات في عمق الكون.
رقم قياسي جديد
فقد أعلن علماء الفلك الذين يستخدمون تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي تم تشغيله في ديسمبر/كانون الأول 2021، عن اكتشاف ما يبدو أنها أبعد مجرة حتى الآن، تبعد 235 مليون سنة فقط عن الانفجار العظيم.
بيد أن هذا ليس أول رقم قياسي يرصده ويب خلال المدة القصيرة الماضية، فقد سبق أن أعلن علماء الفلك عن رصدهم مجرة في لحظة من الزمن تبعد 330 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم، ثم عن مجرة أخرى في نقطة تبعد 300 مليون سنة من الانفجار العظيم.
المجرة صاحبة الرقم القياسي الجديد “سي إي إي آر إس-93316” (CEERS-93316) هي جزء من رؤية غير مسبوقة للأجزاء المظلمة والغامضة لبداية الكون، وقد تم توثيق هذا الكشف في الورقة البحثية بقيادة عالم الفيزياء الفلكية كالوم دونان من جامعة أدنبره (University of Edinburgh) إلى دورية “مانثلي نوتيس أوف ذا رويال أسترونوميكال سوسايتي” (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society).
تاريخ الكون البعيد
يقول دونان في البيان الصحفي المنشور على موقع جامعة إدنبره في الأول من أغسطس/آب الجاري، إن “جيمس ويب قد صُمم لينظر بعيدا في المكان والزمان أكثر من أي تلسكوب آخر قبله، لذا فليس من المستغرب أنه ربما يكون قد اكتشف أبعد مجرة تم رصدها على الإطلاق”.
وأضاف “المجرة التي تعرف باسم “سي إي إي آر إس-93316″ تبعد حوالي 35 مليار سنة ضوئية، أي أنها كانت تبعد 235 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم، وهي قريبة من الوقت الذي يعتقد أن المجرات الأولى قد بدأت فيه، وبعد حوالي 135 مليون سنة فقط من ولادة النجوم الأولى”.
ويشرح التقرير الذي أعدته “ساينس ألرت” (Science Alert)، أهمية البحث في السنين الأولى من عمر الكون بعد الانفجار العظيم بأنه الوقت الذي تشكل فيه كل شيء من مادة مضادة ومادة مظلمة ونجوم ومجرات وغبار، وأنه نظرا لأن الضوء يستغرق وقتا في الانتقال فإنه يعمل بمثابة آلة للزمن، أي أن أي ضوء خافت يصل إلينا من الفضاء يحمل معه تفاصيل حدث قديم في عمق تاريخ الكون، وكلما ازداد خفوت الضوء، دل على حقبة أبعد من تاريخ الكون.
ويذكر التقرير أيضا أن توسع الكون قد أدى إلى تمدد الموجات الأكثر نشاطا لتتحول إلى أشعة باهتة أقرب إلى أجزاء الأشعة تحت الحمراء من الطيف، مما يجعل قراءة الأجسام الأكثر وضوحا أمرا صعبا، وهو ما يجعل إعادة البناء التفصيلية لتلك الفترة من عمر الكون صعبة للغاية.
أداة واعدة
لهذا السبب، يعد جيمس ويب أداة واعدة لدراسة فجر الكون المبكر، حيث يمكنه التقاط ضوء الأشعة شبه-تحت الحمراء والأشعة تحت الحمراء بدقة أعلى من أي تلسكوب تم إرساله إلى الفضاء، وهو مصمم ليتفوق في اكتشاف المجرات شديدة الانزياح نحو الأحمر، على أمل أن تسمح بياناته لعلماء الكونيات بالنظر بشكل أكثر تفصيلا في أحداث الماضي السحيق للكون.
ومن المحتمل ألا ترتدي “سي إي إي آر إس-93316” وشاح المجرة الأبعد على الإطلاق لمدة طويلة، ولذا هناك احتمالات جيدة بأننا لن ننتظر وقتا طويلا حتى يُظهر جيمس ويب شيئا جديدا.