لأن مقاييس الزلازل مستخدمة بالفعل في دراسة الزلازل في جميع أنحاء العالم، فإنها يمكن أن تساهم في تجنب التكلفة الباهظة للحفر وصيانة الأجهزة المخصصة لمراقبة آبار المياه الجوفية.
توصل باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة ستانفورد ومعهد علوم الأرض في فرنسا إلى طريقة منخفضة التكلفة لإدارة المياه الجوفية، تجمع بين علم الزلازل والهيدرولوجيا (علم المياه)، وقد نشروا نتائج بحثهم في دورية نيتشر كوميونيكيشنز Nature Communications.
مقاييس الزلازل ومشكلة المياه الجوفية
نظرا لبُعد التكوينات الحاملة للمياه والمخفية تحت سطح الأرض، فإن التوزيع المكاني لطبقات المياه الجوفية لا يزال غير مفهوم جيدا، ورغم توفر العديد من الطرق التي تُستخدم لمراقبة المياه الجوفية داخل الأرض، فإن لها سلبيات كثيرة.
على سبيل المثال، فإن سعر الرؤوس الهيدروليكية التي تُستخدم في حفر الآبار مرتفع للغاية، كما أنها لا تمد الباحثين بمعلومات كافية عن المناطق المحيطة بمركز الحفر. ومن ناحية أخرى، فإن تقنيات الاستشعار في الأقمار الاصطناعية تفتقر إلى الحساسية والدقة اللازمة لمراقبة الأعماق الغائرة.
لذلك، فكر الباحثون في استخدام مقاييس الزلازل (seismograph) لمراقبة تقلبات المياه الجوفية ورسم خرائط لها، ومقاييس الزلازل هي أداة تستخدم لقياس اهتزازات الأرض مثل الموجات الناتجة عن الزلازل، حيث يمكنها قياس سرعة انتشار هذه الموجات. وتكمن أهمية قياسات السرعة الزلزالية في فهم الحالة الميكانيكية للصخور تحت الأرض واستجابتها المادية للبيئة المحيطة بها.
ضوضاء الاهتزازات.. ثروة من البيانات
سابقا، كان العلماء يستخدمون السرعة الزلزالية داخل المختبرات فقط لمعرفة التغيرات في الصخور، ولكن في الآونة الأخيرة تمكنوا من قياسها في بيئات جيولوجية على أرض الواقع، وفي هذه الدراسة قدم الباحثون نهجا رباعي الأبعاد لمراقبة أنظمة المياه الجوفية.
قالت شوجان ماو -الباحثة في جامعة ستانفورد- في البيان الصحفي الذي نشره الموقع الرسمي لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT يوم 22 أغسطس/آب الماضي إن “بحثنا يقدم طريقة جديدة لإدارة المياه الجوفية وتقييم تأثير الأنشطة البشرية على النظام المائي تحت الأرض”.
وتشرح ماو قائلة “دائما ما يوجد اهتزازات في سطح الأرض، هذه الاهتزازات تحدث بسبب أمواج المحيط أو الرياح أو الأنشطة البشرية، وغالبا ما تكون هذه الاهتزازات ضئيلة للغاية، لذلك يعتبرها علماء الزلازل مجرد ضوضاء، على عكس الاهتزازات الكبيرة التي ينتج عنها الزلازل، ولكن مؤخرا وجد العلماء أن سجلات الضوضاء تلك تحتوي على ثروة من المعلومات عما يدور داخل باطن الأرض”.
وقد وقع اختيار الباحثين على منطقة متروبوليتان في لوس أنجلوس التي تعاني من الجفاف ومن الكثافة السكانية لدراسة سجلات الضوضاء لآبارها الجوفية. وقد استخدموا تقنية تسمى “قياس التداخل الزلزالي”، وهي تقنية تحلل تداخل الموجات الزلزالية ليتمكنوا من حساب السرعة الزلزالية للوسط (أي الصخور) الذي تمر فيه الموجات.
مزايا إضافية مجانية
تطابقت نتائج قياسات ماو وفريقها مع قياسات الرؤوس الهيدروليكية على مدار20 عاما مضت، وتطابقت أيضا مع بيانات الأقمار الاصطناعية، كما تمكن الباحثون من رؤية التغيرات في طبقات المياه الجوفية بدقة عالية، ورصدوا الاختلافات في تغير مناطق تخزين المياه داخل الأرض بسبب تنوع طرق ضخ المياه إلى السطح، وهذه المعلومات مهمة لتطوير بروتوكولات إدارة المياه.
ونظرا لأن مقاييس الزلازل مستخدمة بالفعل في دراسة الزلازل في جميع أنحاء العالم، فإنها يمكن أن تساهم في تجنب التكلفة الباهظة للحفر وصيانة الأجهزة المخصصة لمراقبة آبار المياه الجوفية.
كما شددت ماو على أن هذه الدراسة هي مجرد بداية لاستكشاف التطبيقات الممكنة لقياس تداخل إشارات الضوضاء. وبينت أنه يمكن استخدامها لمراقبة الأنظمة الأخرى القريبة من السطح، مثل أنظمة الطاقة الحرارية الأرضية أو البركانية، وتقوم ماو حاليا بتطبيق هذه التقنية على حقول النفط والغاز.
واختتمت ماو حديثها قائلة “إنه من الضروري في الوقت الحالي وصف التغييرات في خزانات المياه الجوفية حتى نتمكن من تعزيز صنع السياسات المستنيرة بالبيانات للمساعدة على الازدهار في ظل الإجهاد المائي المتزايد”.