التخطي إلى المحتوى

سعد عبد الراضي (أبوظبي)

انطلقت في أبوظبي، أمس، فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين للمؤتمر السنوي للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات «الأفلا»، الذي يستضيفه الأرشيف والمكتبة الوطنية بدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة ثلاثة أيام تحت شعار «تكامل مؤسسات المعلومات والمعرفة الوطنية في الدولة.. المكتبات والأرشيفات والمتاحف»، بحضور ومشاركة عددٍ كبيرٍ من المسؤولين والخبراء والمختصين بشؤون المكتبات والأرشيفات والمتاحف من مختلف أنحاء العالم، ومشاركة خبراء ممثلين عن دول عربية عدة، من بينها: مصر والكويت والبحرين والسعودية وليبيا والسودان وعمان وتونس والجزائر. 
وأعقبت فعاليات الافتتاح سبع جلسات علمية جرت فيها مناقشة ما يقارب ثلاثين موضوعاً تُعنى بشؤون مؤسسات المعلومات بشكل عام، والمكتبات ومحتواها الرقمي وتحدياتها، والأرشيفات وخدماتها وتجاربها المميزة وتأثيراتها في بناء الثقافة.

الاقتصاد المعرفي
وافتتح المؤتمر معالي محمد أحمد المر رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس مجلس إدارة الأرشيف والمكتبة الوطنية، بكلمة رحب فيها بالمشاركين وبضيوف المؤتمر، وأكد أهمية الصناعات الثقافية والإبداعية التي تحفز النمو والتنوع الاقتصادي في المجتمعات، وبتضافرها مع التقنيات الحديثة والرقمية صارت من أهم أركان الاقتصاد المعرفي والإبداعي الذي ينسجم مع مسارات التنمية.
وأعرب معاليه عن أمنياته للمؤتمر بتحقيق أهدافه المنشودة في تشجيع الحوار وتبادل المعرفة والتجارب الإبداعية المميزة، والممارسات المهنية الحديثة التي تتسم بالابتكار.
كما دعا معاليه المشاركين إلى كونجرس المجلس الدولي للأرشيف، الذي سيستضيفه الأرشيف والمكتبة الوطنية في أبوظبي في أكتوبر 2023، تحت شعار «تمكين مجتمعات المعرفة» لكي يناقش فيه الخبراء والمختصون مستقبل الأرشيفات وقضاياها المستقبلية عالمياً.

ذاكرة الوطن
وألقي عبدالله ماجد آل علي، مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية، كلمة ترحيبية بالمشاركين في المؤتمر ألقى خلالها الضوء على الدور الذي يؤديه الأرشيف والمكتبة الوطنية على صعيد حفظ ذاكرة الوطن، وإتاحتها، مؤكداً أن الأرشيف والمكتبة الوطنية بمقتنياته الثمينة المتمثلة بالنتاج الفكري المكتوب عن دولة الإمارات يسهم في بناء الاقتصاد المعرفي، فكل وثيقة تاريخية، وكل من الوسائط المتعددة فيه لها قيمتها التي يدركها الباحثون والمهتمون بتاريخ الدولة، حيث تعدّ منظومة الاقتصاد المعرفي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في العصر الحالي، ومن خلالها يتم توظيف المعرفة والتكنولوجيا في تقديم مُنتجات أو خدمات متميزة ومبتكرة، يُمكن تسويقها.

الثقافة قوة حضارية
وقال عبدالله ماجد آل علي المدير العام: يسعدنا أن يستضيف الأرشيف والمكتبة الوطنية فعاليات النسخة الثالثة والثلاثين من مؤتمر الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات في أبوظبي، تحت شعار «تكامل مؤسسات المعلومات والمعرفة الوطنية في الدولة.. المكتبات والأرشيفات والمتاحف»، ومن المؤكد أن الاهتمام الذي حظي به هذا المؤتمر في أبوظبي دليل حتمي على حرص قيادتنا الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة على دعم الثقافة كقوة حضارية تعزز مكانة الدولة في المشهد الثقافي عربياً وعالمياً. 
وأكد على أهمية هذا المؤتمر مُبدياً تفاؤله بمخرجاته بعد مناقشة القضايا التي تشغل ميادين المعرفة، وخاصة أن هذه القضايا هي محل دراسة ونقاش في برنامج المؤتمر، وجهود المشاركين ستضيء الطريق وتمهده نحو مستقبل يمتاز بالتعاون والعمل المشترك في تعزيز الثقافة وحفظ الذاكرة وإمكانية استفادتها من التطور التقني المتسارع في عالمنا. وأشار إلى أن الأفكار والآراء والتجارب المميزة التي تمّ إثراء المؤتمر بها تمثل تمكيناً حقيقياً لمؤسسات المكتبات والأرشيفات والمتاحف التي من شأنها تعزيز الدور الذي تؤديه في إطار حفظ المعرفة وخدمتها وإدارتها وإتاحتها، والحرص على التراث الذي يتوارثه الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، وهو ركن مهم من الهوية الوطنية.

التقنيات المبتكرة
كما أكد آل علي أهمية الاعتماد على التقنيات المبتكرة، وحوكمة المعلومات من حيث تحديد الحقوق، وإنشاء المعلومات، وتخزينها واستخدامها، وتقييمها وأرشفتها وحذفها، والاستخدام الفاعل للمعلومات وإمكانية إتاحتها، مؤكداً أن المعلومات الدقيقة، وذاكرة الوطن قيمة وأمانة ينبغي على المؤسسات المعرفية أداؤها بما يخدم الفرد والمجتمع، فالمعلومة الموثقة تعزز الاقتصاد المعرفي الذي نسعى من أجل استدامته وتمكينه استعداداً للمستقبل الذي سيكون أكثر ذكاء باعتماده على الإبداع والابتكار.
 وشدد كذلك على أهمية التعاون بين الأرشيف والمكتبة الوطنية والاتحاد العربي للمعلومات والمكتبات، ومع الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، وجميع المؤسسات المعرفية ذات الصلة من أجل إثراء المكتبة الوطنية التي يجري العمل على إنشائها في دولة الإمارات، إيماناً منه بأن تحقيق التميز يتطلب التكامل والتعاون والعمل المشترك، وأن التجارب الناجحة والمبتكرة يمكن تبادلها في مثل هذه اللقاءات البناءة.

القوة الناعمة
كما ألقت بربرا ليسون رئيسة الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات «الأفلا» كلمة في بداية افتتاح المؤتمر شكرت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة على استضافة الحدث، وأثنت على الأرشيف والمكتبة الوطنية لما قدمه من جهود لتنظيم المؤتمر، وأكدت أهمية التنسيق بين المكتبات والأرشيفات والمتاحف بوصفها من المؤسسات الثقافية والقوة الناعمة التي من شأنها تحريك عجلة التنمية والارتقاء بحياة الإنسان، وأشادت بثراء المحاور التي سيناقشها المؤتمر، وبالعلاقات الوطيدة بين الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات والاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، وكذلك الدكتور حسن عواد السريحي رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات.

النسخة الأشمل
ومن جانبه، أشاد الدكتور حسن عواد السريحي رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات بدور الأرشيف والمكتبة الوطنية وبالفعاليات والمؤتمرات الثقافية التي ينظمها ويرعاها وبما لها من أهمية على الصعيد الثقافي المحلي والعربي والعالمي، وشكر دولة الإمارات العربية المتحدة على استضافة النسخة الـ 33 من مؤتمر الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات.
وأشار إلى أن هذه النسخة من المؤتمر تعدّ أشمل من سابقاتها؛ لأنها جمعت بين المكتبات الوطنية والأرشيفات ومراكز الوثائق والمحفوظات الوطنية والمتاحف، وجميعها مؤسسات للمعرفة تهتم بحفظها وإدارتها وإتاحتها، وتهتم بخدمة التراث وذاكرة الوطن.
ولفت السريحي إلى تطور وظائف مؤسسات المعلومات والمعرفة تبعاً للتطورات المتسارعة. وإلى أن تعاون وتكامل هذه المؤسسات المهمة في الدولة يعدّ أمراً حيوياً لاستمرار أدائها بنجاح وهو ما دفع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات لطرح هذا الموضوع عنواناً لمؤتمره الحالي، إضافة لاستمراره في نشر الإصدارات المعيارية التي تدعم المؤسسات. 

مجتمع معلوماتي
وقال الدكتور فيصل التميمي رئيس الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف «عربيكا» في كلمته: إن ظهور تقنية المعلومات في نهايات القرن الماضي وما تبعه من تطورات نشهدها اليوم أحدث نقلة نوعية، فأسهمت في ظهور أساليب خدمية جديدة تنتهجها المكتبات والأرشيفات في خدمة مجتمع المستفيدين، ولذا فإن مسؤولية التأكد من صحة هذه المعلومات وموثوقيتها تتطلب تعاوناً كاملاً وتنسيقاً مستمراً بين المكتبة والأرشيف بما يسهم في خلق مجتمع معلوماتي واعٍ ومدرك لأهمية المعلومة الصحيحة والدقيقة وما تشكله من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني في عصر أصبحت فيه المعلومات تشكل جزءاً مهماً من الناتج المحلي للدول.
وحث التميمي المشاركين على العمل سوياً يداً بيد للتقارب والمشاركة فيما يخدم مصالح الشعوب العربية التي تستحق العمل على نشر الصورة الحقيقية للحضارة والقيم العربية الأصيلة التي هي مصدر فخر واعتزاز.
ويهتم المؤتمر بنسخته الحالية بالمكتبات والأرشيفات والمتاحف انطلاقاً من كونها مؤسسات أساسية في الدول، تهتم بحفظ وإتاحة وخدمة المعرفة والتراث وذاكرة الوطن.ومع التطورات التقنية والتغيرات التي طرأت في مجال البيانات وتطور التواصل التفاعلي جاءت النسخة الـ 33 من المؤتمر لتطرح هذا الموضوع، وتناقش تجارب دولية مفيدة ومميزة.

مشاركات متميزة
ويناقش المؤتمر في جلساته العلمية مشاركات بناءة ومفيدة للخبراء، من شأنها إثراء المؤتمر وربط دور علم الأنطولوجيا في دعم تكامل النظم وخاصة نظم الاسترجاع. ودور المنظومة في أرشفة المحتوى العلمي العربي، إضافة إلى مبادرة التكامل بين المكتبات ودور الأرشيف والمتاحف في الفهرس العربي الموحد وتمكين المكتبيين من التقنية لتحقيق مبادراتهم في خدمة المجتمع.
وتشارك دولة الكويت بدراسة ميدانية عن دور مؤسسات المعلومات في دعم وتحقيق رؤية دولة الكويت للتنمية الوطنية، ومتاحف دولة الكويت ودورها التكاملي كأداة تعليم حديثة، بالإضافة إلى دورها في حفظ وتوثيق تاريخ الدولة وتفعيل دور التقنيات الرقمية لحفظ التراث والإنتاج الفكري الوطني بمكتبة الكويت الوطنية. 
ومن المملكة العربية السعودية: «دراسة حالة دور الحوكمة الإلكترونية في تحقيق التكامل بين مؤسسات المعلومات الوطنية: المكتبات والمتاحف والأرشيف وإلمام العاملين في مراكز الوثائق والمحفوظات بالأجهزة الحكومية السعودية بالتقنيات الناشئة».كما يستعرض الخبراء المشاركون من مصر رقمنة الصحف الإيطالية الصادرة في مصر في الفترة من 1845 إلى 1940: استراتيجيات الضبط والحفظ والإتاحة. ودور أقسام المكتبات العربية في دعم تكامل المتاحف الوطنية مع مؤسسات المعلومات في المستقبل: دراسة لتطوير مقرر دراسي لقسم المكتبات والمعلومات بجامعة الإسكندرية. وقياس مستوى وعي العاملين بالمكتبات الأكاديمية في مصر بالتقنيات الناشئة: دراسة ميدانية. وكذلك دور تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال NFT في حفظ ونشر التراث الوثائقي بالمؤسسات التراثية في مصر. والتحليل الاستراتيجي لدور دار الكتب والوثائق القومية المصرية في بناء اقتصاد المعرفة. ودور الهواتف الذكية في نظم إدارة المحتوى والرقمنة وإدارة المتاحف «متحف كلية الحقوق جامعة القاهرة نموذجاً».

منارة حضارية
وتأتي استضافة الأرشيف والمكتبة الوطنية للمؤتمر، انطلاقاً من حرص الأرشيف على بناء العلاقات المثمرة والفاعلة وتعزيز أطر التعاون وتضافر الجهود بما يخدم التنمية المستدامة التي تنتهجها الدولة في مختلف المجالات، 
وسيتناول المشاركون من الإمارات في جلسات المؤتمر دور الأرشيف والمكتبة الوطنية في دعم البحث العلمي لدى طلاب الجامعات.. دراسة حالة مكتبة جامعة أبوظبي. وكذلك فرص وتحديات المنصات المعرفية الشاملة ودورها في دعم استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة. ومركز المعرفة الرقمي نموذجاً لتكامل الأدوار والمهام بين المكتبات والأرشيفات والمتاحف الوطنية في المدن الذكية، بالإضافة إلى دور المكتبة الوطنية في دعم عملية تحول المكتبات العامة إلى مكتبات ذكية.
ومن المرتقب أن يثمر نقاش المختصين في الجلسات العلمية عن وضع أسس راسخة للمكتبة الوطنية الإماراتية لتضاهي كبريات المكتبات الوطنية في العالم، لتصبح منارة حضارية وثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

توزيع جوائز
إلى ذلك تم توزيع جائزتي أكاديمية نسيج للتميز العلمي والمهني وقد فازت بها الدكتورة فاتن بامفلح من المملكة العربية السعودية، وجائزة التميز المهني وفاز بها الأستاذ رياض رضوان من مصر.
كما وزّع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات جائزتيه لأفضل رسالة علمية في تخصص المكتبات والمعلومات وفازت بها الدكتورة أماني عبد القوي من جامعة الملك عبدالعزيز، وجائزة أفضل مشروع متميز، وتم تقديمها لمكتبة الشيخ محمد بن راشد في دبي، وتسلم درع الجائزة الدكتور محمد المزروعي.

خمسة أعمال معيارية
في تصريح خاص لـ«الاتحاد» قال الدكتور حسن عواد السريحي، رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات: نحن سعداء باستضافة الأرشيف والمكتبة الوطنية لهذه النسخة المهمة من المؤتمر التي تحمل شعار تكامل مؤسسات المعلومات والمعرفة الوطنية في الدولة.. المكتبات والأرشيفات والمتاحف.
وأضاف: نقصد بالتكامل المكتبات ولأرشيفات والمتاحف الوطنية، وأن التكامل عنصر مهم لتنمية الخدمات وتطويرها.
وقال: يسعدني الإعلان عن إصدار الاتحاد لخمسة أعمال معيارية منها دليل التوصيف الوظيفي، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي لخدمة الوزارات والمؤسسات المعنية بالتوظيف في قضايا المكتبات والمعلومات وإدارة المحتوى، ومجموعة من المعايير منها المعيار العربي للمكتبات الوطنية الذي يصدر بالتعاون مع الأرشيف والمكتبة الوطنية.
وأضاف: يشارك في المؤتمر أكثر من 65 باحثاً من مختلف دول العالم وثلاثة باحثين عالميين وهم رئيسة الاتحاد العالمي وجمعية المكتبات الأميركية والرئيس السابق للمجلس الدولي للأرشيف، بالإضافة إلى أربعة من كبار المتحدثين العرب.

Scan the code