التخطي إلى المحتوى

موسكو ترى أن العقوبات «تهدد» عمل خطّ الأنابيب… وواشنطن تتهمها باستخدام الطاقة سلاحاً

كان من المتوقع استئناف الإمدادات من الغاز الروسي إلى أوروبا أمس (السبت)، بعد انتهاء أعمال الصيانة التي أعلنت عنها موسكو في محطة لضغط الغاز بروسيا. لكن أعلنت شركة «غازبروم» الروسية العملاقة أنّ خط أنابيب الغاز «نورد ستريم» الذي يربط روسيا بشمال ألمانيا، وكان من المقرّر أن يستأنف الخدمة بعد انقطاع استمرّ ثلاثة أيام لعمليات الصيانة، سيتوقّف «تماماً» حتى يتم إصلاح التوربين، من دون تحديد موعد نهائي.

اتهم البيت الأبيض روسيا باستخدام الطاقة أداة للضغط على أوروبا، وذلك فيما يتعلق بتأجيل عودة عمل الخط مع اقتراب أوروبا من فرض حظر على واردات النفط من روسيا، وهذا ما رفضه الكرملين الذي اعتبر أن النقص في إمدادات الطاقة سببه العقوبات المفروضة على روسيا. وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي لـ«رويترز» في رسالة بالبريد الإلكتروني بشأن إغلاق خط الأنابيب الذي ينقل الغاز إلى أوروبا: «للأسف ليس مستغرباً أن تستمر روسيا في استخدام الطاقة سلاحاً ضد المستهلكين الأوروبيين».

لكن أكد المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتلوني، السبت، أن الاتحاد الأوروبي «على استعداد جيد» في حال الوقف الكامل لإمدادات الغاز الروسي، بفضل التخزين وإجراءات اقتصاد الطاقة. وقال للصحافيين على هامش المنتدى الاقتصادي الذي نظمه «البيت الأوروبي – أمبروسيتي» في تشرنوبيو على بحيرة كومو: «نحن على استعداد جيّد لمقاومة استخدام روسيا المفرط لسلاح الغاز». وأضاف: «لسنا خائفين من قرارات بوتين، نطالب الروس باحترام العقود، ولكن إذا لم يفعلوا ذلك، فنحن مستعدّون للرد».

وفي ظل المخاوف المزدادة على الإمدادات لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء، تسعى الدول الأوروبية لإيجاد مزودين آخرين والحد من استهلاكها للغاز وسط ارتفاع حاد في الأسعار بالسوق. واعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الجمعة، أنه «حان الوقت» لتحديد سقف لسعر الغاز المستورد عبر خط الأنابيب من روسيا، ما يدعم تطبيق إجراء دعا إليه رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي.

وأشار جنتلوني إلى أنّ «تخزين الغاز (في الاتحاد الأوروبي) بلغ حالياً نحو 80 في المائة، بفضل تنويع مصادر الإمدادات»، حتى إن اختلف الوضع بين دولة وأخرى. وقال المفوّض الأوروبي إن بروكسل «فعلت الكثير في الأشهر الأخيرة»، ولكن «اليوم من الممكن القيام بالمزيد». وأوضح أن الهدف «متابعة استراتيجية أوروبا الموحدة التي تعمل ضد غزو أوكرانيا عبر استخدام السلاح الاقتصادي».

وقال: «نحن لا نشارك في الحرب، لا نشارك في التصعيد العسكري»، لكننا «ندعم أوكرانيا» و«يجب علينا فعل ذلك الآن بفاعلية أكبر».

ويزيد التحذير الروسي من الغموض المحيط بمستقبل إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب، وهي حالياً متوقفة بسبب أعمال صيانة يفترض أن تكون قد انتهت أمس (السبت)، بحسب موسكو. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافة: «من الناحية الفنية، ليست هناك احتياطات، هناك توربين واحد يعمل». وتابع أن «موثوقية عمل النظام برمته مهددة»، مؤكداً أن هذا ليس نتيجة «خطأ من جانب غازبروم» المجموعة الروسية التي تؤمن الإمدادات عبر خط الأنابيب.

ويتهم الأوروبيون الكرملين باستخدام الغاز وسيلة ضغط عليها بسبب اعتمادها الكبير على مصدر الطاقة هذا، غير أن موسكو تنفي ذلك، مشيرة إلى مشكلات فنية ناتجة عن العقوبات أو تأخير في تسديد المستحقات.

وتؤكد روسيا بصورة خاصة أن العقوبات تمنعها من استعادة توربين من صنع شركة «سيمينز» أرسل إلى كندا لإصلاحه، فيما تؤكد ألمانيا حيث يفترض أن يكون التوربين مثبتاً، أن موسكو هي التي تعيق استعادة هذه القطعة الأساسية. وأعلنت مجموعة «غازبروم» الثلاثاء، تعليق شحناتها من الغاز لمجموعة «إنجي» الفرنسية «بالكامل»، مؤكدة أنها لم تسدد ثمن الشحنات لشهر يوليو (تموز). وقطعت أيضاً الإمدادات عن عدة دول أوروبية مثل بلغاريا والدنمارك وفنلندا وهولندا وبولندا، وخفضت التدفقات عبر خطوط أنابيت أخرى منذ إطلاق ما تسميه «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا.

– خيارات أوروبا إذا قطعت روسيا إمدادات الغاز عنها

تسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد إمدادات بديلة، ويشمل ذلك بعض الغاز الروسي الذي أوقفت موسكو ضخه بعد رفض طلب روسيا دفع الثمن بالروبل. وما زالت دول أخرى، من بينها ألمانيا، في احتياج إلى الغاز الروسي وتحاول إعادة ملء مستودعاتها قبل حلول الشتاء. وتشمل الطرق البديلة إلى أوروبا، التي لا تمر عبر أوكرانيا، خط الأنابيب يامال – أوروبا، الذي يمر عبر روسيا البيضاء وبولندا إلى ألمانيا. وتبلغ طاقة خط يامال – أوروبا 33 مليار متر مكعب، أي نحو سُدس صادرات الغاز الطبيعي الروسية لأوروبا. ومنذ بداية العام الحالي، تم عكس التدفقات لتكون إلى الشرق بين ألمانيا وبولندا.

وفرضت موسكو عقوبات على مالك الجزء البولندي من الخط يامال – أوروبا. ومع ذلك، قال وزير المناخ البولندي إن بإمكان بلاده أن تستخدم الخط دون عكس تدفق الغاز في خط يامال.

بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة وشبكة غاز أوروبية متصلة ببعضها، بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت شحيحة حتى قبل الأزمة الأوكرانية. وربما تستورد ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا والتي أوقفت التصديق على خط أنابيب الغاز «نورد ستريم2» الجديد المقبل من روسيا بسبب حرب أوكرانيا، الغاز من بريطانيا والدنمارك والنرويج وهولندا عبر خطوط أنابيب.

وتعمل النرويج، ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا، على زيادة الإنتاج لمساعدة الاتحاد الأوروبي في تحقيق هدفه المتمثل في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027. وأبرمت شركة سنتريكا البريطانية اتفاقاً مع شركة إكوينور النرويجية لزيادة الإمدادات في فصول الشتاء الثلاثة المقبلة. ولا تعتمد بريطانيا على الغاز الروسي ويمكنها أيضاً التصدير إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب.

ويمكن لجنوب أوروبا استقبال الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا.

وقالت الولايات المتحدة إنها تستطيع توريد 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام.

لكن مصانع الغاز الطبيعي المسال الأميركية تنتج بكامل طاقتها، وسيؤدي انفجار وقع في محطة تصدير الغاز الطبيعي المسال الرئيسية في تكساس إلى بقائها معطلة حتى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني). ولدى محطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا قدرة محدودة أيضاً على توريد كميات إضافية، على الرغم من أن بعض الدول تقول إنها تبحث عن طرق لزيادة الواردات والتخزين. وألمانيا من بين أولئك الذين يرغبون في بناء محطات جديدة للغاز الطبيعي المسال وتخطط لبناء اثنتين في غضون عامين فقط.

وقالت بولندا، التي تعتمد على روسيا في نحو 50 في المائة من استهلاكها من الغاز أو نحو 10 مليارات متر مكعب، إنها تستطيع الحصول على الغاز عبر وصلتين مع ألمانيا. وسيُفتتح خط أنابيب جديد يسمح بتدفق ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً بين بولندا والنرويج في أكتوبر (تشرين الأول). كما تم تشغيل وصلة غاز جديدة بين بولندا وسلوفاكيا الأسبوع الماضي. وتريد إسبانيا إحياء مشروع لبناء خط ثالث للغاز عبر جبال البرانس، لكن فرنسا قالت إن محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التي يمكن أن تكون عائمة، ستكون خياراً أسرع وأرخص من عمل خط أنابيب جديد.

ويمكن لبعض الدول أن تسعى لسد الفجوة في إمدادات الطاقة من خلال اللجوء لواردات الكهرباء عبر الموصلات من جاراتها أو من خلال تعزيز القدرة على توليد الكهرباء من الطاقة النووية أو الطاقة المتجددة أو الطاقة الكهرومائية أو الفحم. وقال وزير الطاقة الهولندي إن من الممكن اللجوء لحقل خرونينجن الهولندي لمساعدة الدول المجاورة في حالة القطع الكامل للإمدادات الروسية، لكن زيادة الإنتاج قد تتسبب في حدوث زلازل.


Scan the code