ت + ت – الحجم الطبيعي
بين كل عاشقَين لغةٌ خاصة لا يفهمها أحد غيرهما، وهي التعبير الأرقى عن عمق المحبة وصفاء الودّ، وكما ينطبق هذا على دنيا البشر، فهو ينطبق أتمّ انطباق على العلاقة الحميمة الخاصة بين صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وبين خيله الأصيلة العِراب، فعلى كثرة ما رأينا وسمعنا من حب العرب للخيل في القديم والحديث، إلا أنّ ما ينفرد به سموه في هذا الشأن يجعل منه العاشق الأكبر للخيل العربية الأصيلة، حيث يتجلى هذا العشق في صور كثيرة ابتداء من البحث عن جذورها العربية الأصيلة وإعادتها إلى موطنها الأصلي، مروراً بامتلاك أعظم مجموعة من الخيول في العصر الحديث، فضلاً عمّا تشتمل عليه جوانحه من الحب الصادق لهذا الصديق العظيم، حيث يتجلى ذلك في عنايته الخاصة بها، ومنحها أفضل الأوقات وعدم التفريط بها، وكتابة أجمل الأشعار في حسنها وأصالتها وتعلق القلب بها، والاحتفاء بها على نحوٍ منقطع النظير بين فرسان العرب في العصر الحديث، ولا غرو فالخيل هي ثالث ركن من أركان الذاكرة التي لا تشيخ وذلك حين قال صاحب السموّ في سيرته الذاتية الرائعة: «أبي والخيل ودبيّ هي ذكرياتي الأولى عن طفولتي، أبي والخيل ودبيّ هي ذاكرتي التي ستبقى معي حتى النهاية»، ثم فسّر سرّ هذا التعلق بقوله: «الخيل تجمع العِزّة والأنفة والرقة والقوة في نفس الوقت، وكذلك أبي وكذلك دبيّ»، فهذا هو مفتاح السرّ في هذه العلاقة النادرة بين صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد وبين خيله الأصيلة الفاخرة العِراب.
وكثيرة هي القصائد الرائعة التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في حُبّ الخيل والتنويه بشأنها فضلاً عن حفاوته بأمجادها من خلال سباق دبي العالمي للخيل، حيث أبدع في تخليد بعض الخيول الأسطورية مثل دبي ميلنيوم وثندر سنو وغيرهما، وها هو ما زال يواصل التعبير عن هذا الحب الراسخ في ضلوعه للخيل التي تلقى حبها عن والديه الماجدين، واعتلى ظهورها بعنفوان الفارس الذي لا يخشى التحديات، وفي هذا السياق من الحب والاهتمام نشر صاحب السموّ قصيدة في غاية الروعة والجاذبية ستصطفّ بكل أصالة واقتدار إلى جانب عدد من القصائد الكبرى التي كتبها في حُبّ الخيل وطارت شهرتها في كل مكان، حيث أبدع اليوم في هذه القصيدة التي حملت عنوان «خيلي» ونُشرت على الإنستغرام لتكون دلالة على نشاط الروح وبهجة القلب بهذه الحبيبة التي لا تبلى محبتها على مرور الأيام.
الخيل تدري بأني شوقها الساري
وأدري أنا الخيل يجري شوقها بدمّي
أنا لها الهمّ بي تهتمّ وتماري
وأنا بها أهتمّ هي لي ديمه همّي
بهذا المطلع الفائق الجاذبية يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه القصيدة المتميزة بكل المقاييس، مبتدئاً باسم «الخيل» وهو الاسم القريب إلى قلبه، فيؤكّد أنها تدري عن علم ويقين بأنّ شوقها لسموه لا يمكن أن يغيب أو ينقص فهو مثل البدر الساري في كبد السماء ومثل النهر الجاري في السهول والربوع، لكن شوق صاحب السمو إليها أزيد عن ذلك فهو الدم الذي يجري في عروقه وشرايينه، بمعنى أنها حياة للقلب والروح، وهو ما عبر عنه صاحب السمو في قصيدته الشهيرة عن الخيل حين قال:
حُبّ الرمك يجري بشراييني
آحبها وآحب طاريها
وها هو يعود لتأكيد هذا المعنى في هذه القصيدة وبأسلوب مفعم بالحيوية الشعرية، لتنمو الصورة نحو نمط فريد من الاهتمام المتبادل فالخيل لا تحمل في قلبها همّاً سوى همها بصاحب السموّ واشتياقها لطلعته البهية فهي تعرف مُحيّاه حين يُقبل عليها وتؤدي له تحيتها الخاصة لأنها تعرف منزلتها في قلبه الكبير فهي همُّه ومحل عنايته ورعايته، وما ظفرت خيل على ظهر هذه الأرض بمثل ما ظفرت به خيل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد الذي طار صيته في الآفاق بامتلاكه الإسطبل الأشهر في العالم وتحقيقه من المنجزات ما يدخل في عداد الخيال والمستحيل.
أحبها حب ما يطري على الطاري
وتحبني مثلما خالي ومثل عمّي
إن جيتها تشمني وتدوّر أخباري
فيها ولَهْ من عَناه تضمّني ضمّي
وتزداد العاطفة تجاه الخيل تدفّقاً في قلب سموه ووجدانه المرهف، فهو يحب خيله حباً لا يكاد يخطر في بال أحد، ويُغليها إلى درجة تستعصي على التفسير، وهي بذكائها الفطري ونبلها وأصالتها تعرف صدق هذه العاطفة تجاهها فتبادل سموه حُبّاً صادقاً بحب صادق، وتكاد تحبه أكثر مما يحبه أعمامه وأخواله الكرام الطيبون الذين يمتازون بكرم الأخلاق ويعرفون قدر صاحب السمو، لكن للخيل شأناً خاصاً في ثقافة سموه، فهي التي تندفع تجاهه حين يقبل عليها، وكما يعانق الحبيب حبيبه تبدأ هي بشمّ سموه وكأنها تستفسر عن أخباره وتعاتبه على غيابه، وتكاد من شدة الشوق والولَه والحنين أن تضمّه إلى صدرها تعبيراً عن عمق العلاقة بينه وخيله الأليفة الوفية.
وتلوذ بي وتحتفي بي وتكتم أسراري
كتم المودّ الذي خايف من الذمّي
فيها الوفا والشجاعه خيار الخياري
وأنا لها وافي موعدي أتّمي
في هذا المقطع الرائع من القصيدة يرتقي صاحب السمو بخيله درجة تجعل منها إنساناً عاقلاً نادر الأخلاق، فهي تلوذ به كناية عن عمق الثقة المتبادلة بينهما وتحتفي به تعبيراً عن المحبة الصادقة، ولكنها أيضاً تكتم الأسرار التي قد تضيق بها صدور الرجال، لكن أصالتها تجعلها حريصة على أسرار سموه فتكتمها بإحساس عميق مثل الصديق الودود الذي يخشى الذمّ إذا هو أفشى أسرار الصديق الذي ائتمنه على أسراره، وهي تجمع إلى ذلك من الصفات النادرة ما يجعلها تستحق كل هذا الحب، ففيها خصلتان هما من أرقى الخصال الحميدة لكل مخلوق: الوفاء والشجاعة ليقابلهما سموه بما يستحقانه من الوفاء بالوعد وعدم الخُلْف مطلقاً.
لها أعامل بودّ وحفظ مقداري
لو هي قليله مهمْ النوع لا الكمّي
ما أسومها مثل سوم البايع الشاري
تلاد عندي غلاها جاريٍ بدمي
وتزداد القصيدة إفصاحاً عن المكانة الفريدة للخيل في قلب صاحب السمو وكيف ينظر إليها بكل هذا التبجيل والاحترام، فهو يعاملها بالودّ النابع من مشاعر الحب ويحفظ مقدارها ويعرف مكانتها، ويخلطها بنفسه وأولاده على عادة أجداده من فرسان العرب الشجعان، ولا يهمّه كثرة الخيل الموجودة عنده بل المهم هو أصالتها وشرف نسبها وكريم صفاتها، فهي ميراث تالد توارثه عن أجداده فرسان الجزيرة من آل مكتوم أصحاب الصيت الطائر، لا يمكن أن تخضع في يوم من الأيام لمنطق البيع والشراء، فهي أعزّ مذخور لدى صاحب السموّ، ولذلك كانت بهذه المنزلة التي أصبحت معها دماً يجري في عروقه ولا يستطيع الحياة بدون وجودها.
من خيل مكتوم جدي وزايد أمهاري
تراث ربدان اللي للرمك سمّي
حشمتها دوم في ملكي وفي داري
ووصيت حمدان يكرمها ويهتمّي
ثم كانت هذه الخاتمة الجليلة الموشحة بأسماء فرسان الوطن ورجاله الكبار، فهذه الخيل ميراثٌ حافظ عليه صاحب السموّ من لدن جده مكتوم، رحمه الله، وكذلك كان له من خاله فارس الوطن الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، أوفر نصيب من المهاري الأصايل ليكون ذلك كله تراثاً لحصان أصيل يسمى ربدان كان نموذجاً في الأصالة، حيث لقيت هذه الخيل الأصيلة كل مظاهر التكريم والعناية من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فهي محشومة مصونة قد حفتها العناية من كل الجهات، ولم يكتفِ صاحب السمو بذلك بل عهد برعايتها وإكرامها إلى ولي عهده سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد الذي ورث عن والده حُبّ الخيل والعناية التامة بها، فكما حمّله أمانة دبي ها هو يضع في عنقه أمانة الخيل التي أحبّها صاحب السموّ حُبّاً سيظلّ خالداً على مدى السنين والأيام… ونظرة الوالد تراها ما تخيب.
تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز