أثار إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأحكام العرفية في أربعة أقاليم ضمتها روسيا من أوكرانيا، التساؤلات حول ما هي تلك الأحكام وما أسباب فرضها في المناطق الأوكرانية، وما مدى تأثيرها على الداخل الروسي في ظل الخسائر العسكرية المتواصلة في ساحة المعركة.
وأعلن بوتين، الأربعاء، الأحكام العرفية في أربعة أقاليم أوكرانية ضمتها بلاده من جانب واحد وهي دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، فيما بدأت السلطات الموالية للكرملين في خيرسون الانسحاب من المدينة الواقعة في جنوب أوكرانيا التي تحرز قواتها تقدما.
لماذا الآن؟
تعد تلك المناطق الأربع المحتلة في شرق وجنوب أوكرانيا “نقاط محورية في الصراع”، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
وتزامن قرار بوتين مع إعلان أوكرانيا إسقاط “صواريخ روسية عدة” فوق كييف في اليوم الثالث على التوالي في سياق ضربات تشنها روسيا بالصواريخ والمسيّرات على العاصمة الأوكرانية بعد سلسلة نكسات عسكرية لموسكو، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتلك الخطوة هي “أحدث تصعيد لبوتين مع استمرار جيشه في خسارة الأراضي المحتلة”، وجاءت ردا على نجاحات كييف المستمرة في الهجمات المضادة، وفقا لتقرير لصحيفة “فاينينشال تايمز”.
ما هي الأحكام العرفية؟
بموجب القانون الروسي، فإن الأحكام العرفية توسع سلطات الجيش وسلطات إنفاذ القانون.
ويسمح للجيش بفرض حظر التجول وتقييد حرية الحركة والاستيلاء على الممتلكات المدنية ومراقبة الاتصالات وأمر المواطنين بإعادة بناء المدن المدمرة.
وقال مدير برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ماكس بيرغمان، إن “الأحكام العرفية تعني بشكل أساسي تعليق الإدارة العادية للاقتصاد، وسيادة القانون، مضيفا أنها تسمح للجيش بالاستيلاء على الأصول المدنية والمباني ونشر الموارد حسب الحاجة”.
ويمنح المرسوم صلاحيات أوسع نطاقا للحد من حركة النقل إلى ومن وفي المناطق ويتيح إجلاء سكان هذه المناطق إلى “مناطق آمنة”، وفقا لـ”فرانس برس”.
ويمنح مرسوم بوتين “الحكومات المحلية في كل منطقة من مناطق البلاد درجات متفاوتة من السلطة الجديدة لمعالجة المخاوف الأمنية”، وفقا لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
ويمنح تطبيق الأحكام العرفية، الذي يدخل حيز التنفيذ، الخميس ، المسؤولين المدعومين من موسكو في الأراضي المحتلة جزئيا عددا من الصلاحيات الواسعة.
وتشمل هذه الأحكام “حظر التجول، والاحتجاز لمدة تصل إلى 30 يوما لأي شخص، وفرض قيود على حرية التنقل، وإعادة التوطين القسري، واعتقال المواطنين من أي دولة يُعتقد أنها تشن حربا ضد روسيا”، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.
ووصفت صحيفة “الغارديان” البريطانية، تلك الصلاحيات بأنها “سلطات كاسحة”، وتهدف للحفاظ على النظام العام وزيادة الإنتاج لدعم حرب موسكو التي تدخل شهرها الثامن.
كيف ستتغير الحياة في المناطق الأوكرانية؟
لا تسيطر موسكو بشكل كامل على المناطق الأربع، لذلك من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على تنفيذ الأحكام بشكل فعال، أو كيف ستختلف عن الظروف الحالية في ظل الاحتلال العسكري، وفقا لتقرير “واشنطن بوست”.
وحسب حديث بيرغمان، فإن المرسوم بمثابة “إضفاء الطابع الرسمي على الكثير مما كان يحدث بالفعل على الأرض”، مؤكدا أنه “يلغي فكرة أن هذه المناطق قد أجريت انتخابات”.
وقال إن إعلان بوتين يمثل “إشار مهمة على احتلال تلك المناطق عسكريا فقط”، مضيفا أن “الخطوة بمثابة فرصة للحصول على المزيد من الموارد وتعبئتها للقوات الروسية”.
متى كانت آخر مرة فرضت فيها موسكو الأحكام العرفية؟
لم تعلن موسكو الأحكام العرفية منذ أن فرضها الاتحاد السوفيتي، خلال الحرب العالمية الثانية.
وخلال الحقبة السوفيتية، خاضت روسيا عددا من الحروب، لكنها فعلت ذلك من خلال قواتها النظامية، ولم يكن عليها القيام بالتعبئة الجماهيرية المطلوبة الآن، حسب “واشنطن بوست”.
ويقول بيرغمان “في العقود القليلة الماضية، غزت روسيا الجارتين جورجيا وأوكرانيا، وتدخلت في سوريا، لكن تلك الصراعات لم تتطلب تعبئة جماهيرية”، مضيفا “قيل للشعب الروسي أن هذه كانت عملية عسكرية خاصة ويتم تعبئتها الآن مثل الحرب العالمية الثانية”.
ما الأثر الأوسع للمرسوم؟
بالإضافة إلى إعلان الأحكام العرفية ، فرض بوتين “مستويات استجابة” في 26 منطقة، بما في ذلك موسكو ، ويشير بعض الخبراء إلى “تداعيات أوسع لتلك الخطوة على روسيا محليا”.
وفي المناطق الروسية القريبة من أوكرانيا أو على الحدود معها مثل كراسنودار، بيلغورود، بريانسك، فورونيج، كورسك، روستوف، وكذلك شبه جزيرة القرم، يتم فرض بعض القيود في زمن الحرب ولكنها خطوة أقل من “الاستجابة القصوى” التي قدمها الكرملين في الأراضي الأوكرانية المحتلة، وفقا لـ”واشنطن بوست”.
ويقول بيرغمان: “ما نراه هو نوع من استراتيجية الغليان، فبدلا من الإعلان عن كل خطوة رئيسية قد تطغى على الرأي العام الروسي، فإن الفكرة هي طرحها تدريجيا”.
وتشير “فاينينشال تايمز”، إلى “نقطة غامضة الصياغة في المرسوم”، تسمح لبوتين بسن “تدابير أخرى”، وهو ما يثير احتمالية أن يضع الكرملين روسيا بأكملها في حالة حرب.
وتصاعد التوتر الداخلي في روسيا نتيجة “الخسائر الفادحة في ساحة المعركة، بالإضافة إلى الاحتجاجات العنيفة ضد حملة بوتين لتجنيد 300 ألف رجل إضافي للقتال في الصراع في أوكرانيا”، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.