كتب: المحرر السياسي
يتواصل اتساع نطاق تأثيرات ظاهرة التغير المناخي العاصفة بأوروبا وعدد من دول العالم الأخرى التي تئن تحت وطأة الجفاف وحرارة الطقس وشح المياه، الأمر الذي يلقي بظلاله السلبية على مختلف مناحي الحياة والقطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والاقتصادية والخدماتية في بلدان العالم.
كان نهر «بو»، أطول نهر في إيطاليا، مركزاً حيوياً للنقل عبر التاريخ، وساعد شمال البلاد على التطوّر ليصبح مركزاً صناعياً متميزاً، إلا أن «ملك الأنهار» بدأ يجف الآن، بسبب فترات الجفاف الشديد، ويقول الخبراء: إن منسوب المياه في النهر تراجع بمقدار 3 أمتار، وهو أقل بكثير من المتوسط الموسمي.
وأعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ في خمس مناطق ؛ بسبب الجفاف، والذي وصف بأنه الأسوأ منذ 70 عاماً؛ إذ يعيش نحو ثلث سكان إيطاليا حول نهر «بو» إضافة إلى أكثر من نصف الماشية في البلاد. ويهدد الجفاف إمدادات زيت الزيتون وأرز الريزوتو، مما قد يرفع الأسعار بنسبة تصل إلى 50%،. هناك سببان وجيهان لأزمة المياه هذه، أحدهما نقص مستويات هطول الأمطار خلال السنوات الثلاث الماضية، والثاني هو الارتفاع العام في درجات الحرارة.
الموجة الأسوأ
وتشهد فرنسا أسوأ موجة جفاف منذ أن بدأت في تسجيل البيانات في عام 1958، وتم فرض قيود على المياه في معظم أنحاء البلاد، ومن المتوقع أن يكون محصول الذرة أقل بنسبة 20% تقريباً من عام 2021 كما قالت وزارة الزراعة.
من جهة أخرى، سجلت البرتغال أشد درجات الحرارة في شهر يوليو منذ بدء تسجيل البيانات.
وبالنسبة لرومانيا، فإن 75% من أراضيها تأثرت بالجفاف، ومن المتوقع أن ينخفض محصول الحبوب لديها بمقدار 30 مليون طن.
وحتى في شمال أوروبا، تعاني أجزاء من إنجلترا الجفاف، وتقول المجموعة الوطنية لمكافحة الجفاف: إنه بحلول عام 2050، يمكن أن يتراجع منسوب المياه في بعض الأنهار بنسبة تصل إلى 80% خلال فترة الصيف. وشهد شهر يوليو درجات حرارة في أجزاء من المملكة المتحدة، كسرت حاجز ال 40 درجة مئوية لأول مرة على الإطلاق، في حين ذكرت شبكة «بي بي سي» أن الأشهر الستة الأولى من العام كانت الأكثر جفافاً في إنجلترا منذ عام 1976.
القرن الإفريقي وأمريكا
كما يؤثر الجفاف في قارات أخرى حول العالم؛ إذ حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من أن القرن الإفريقي، يشهد أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاماً؛ حيث يواجه أكثر من 18 مليون نسمة، جوعاً شديداً في إثيوبيا والصومال وأجزاء من كينيا. فيما تقول الأمم المتحدة: إن الجفاف يؤثر في إفريقيا أكثر من أي قارة أخرى.
وشهدت هذه البلدان انخفاضاً في معدل هطول الأمطار على مدار أربع سنوات متتالية، الأمر الذي كان له تأثير مدمر في الزراعة وإنتاج الغذاء. وأطلقت منظمة الفاو خطة طارئة للإغاثة والتخفيف من آثار الجفاف، في حين تناشد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لجمع 42.6 مليون دولار، لتقديم المساعدة للأشخاص المتضررين من الجفاف في المنطقة.
وكشف نظام المعلومات عن الجفاف التابع للحكومة الأمريكية أن أكثر من 43% من أراضي البلاد تعاني الجفاف، وتقول: إن أكثر من 130 مليون شخص يتأثرون حالياً بالجفاف، إضافة إلى 229 مليون فدان من المحاصيل، فيما خسر الاقتصاد الأمريكي ما يقدر ب 300 مليون دولار، بسبب الجفاف وما يرتبط به من فساد المحاصيل.
وتقول الأمم المتحدة: إن وتيرة الجفاف ومدته قد ازدادا بنحو الثلث على مستوى العالم منذ عام 2000، وتؤجج أزمة المناخ ذلك وفقاً لتقرير «الجفاف بالأرقام». وهنالك أكثر من 2.3 مليار شخص حول العالم يواجهون حالياً شحاً في مصادر المياه. وعلى الرغم من أن حالات الجفاف لا تمثل سوى 15% من الكوارث الطبيعية، فقد تسببت في مقتل 650 ألف شخص بين عامي 1970 و2019. وتوفي أكثر من 10 ملايين، بسبب أحداث الجفاف الكبرى على مدى المئة عام الماضية.
ويمضي تقرير «الجفاف بالأرقام»، ليقول إنه بحلول عام 2050، يمكن أن يؤثر الجفاف في أكثر من 75% من سكان العالم. ويمكن أن يعيش ما يصل إلى 5.7 مليار شخص في مناطق تعاني نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل في السنة، وقد ينزح أكثر من 215 مليون شخص من منازلهم، بسبب الجفاف والعوامل الأخرى المرتبطة بتغير المناخ.
العلاقة بالأرض والطعام
من جهته، يقول إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر: «نحن على مفترق طرق، وبحاجة إلى التوجه نحو الحلول بدلاً من الاستمرار في الإجراءات المدمرة، والاعتقاد أن التغيير الهامشي يمكن أن يصلح الفشل المنهجي»، كما قال في تغريدة على «تويتر» إن استعادة الأراضي الصالحة للزراعة، تعد أحد الحلول للمشكلة التي تحتاج إلى استثمارات عاجلة.
ومع ذلك، يشير تقرير «الجفاف بالأرقام»، الصادر عن الأمم المتحدة إلى العديد من قصص النجاح. وقد نجح المزارعون في النيجر في الحد بشكل كبير من مخاطر الجفاف من خلال إنشاء أنظمة جديدة للزراعة الحراجية على خمسة ملايين هكتار من الأراضي. وكان متوسط التكاليف أقل من 20 دولاراً للهكتار الواحد، وأسهم ذلك في زيادة الغطاء النباتي بأكثر من سبعة ملايين هكتار في منطقة الساحل على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية.
ويقدم اعتماد الري بالتنقيط فوائد كبيرة في المقاطعات المعرضة للجفاف في فيتنام وكمبوديا وإندونيسيا؛ إذ استطاع المزارعون هناك زيادة كفاءة استخدام المياه بنسبة تصل إلى 43% والمحصول بنسبة 8% إلى 15%.
وهناك حاجة إلى تبني تقنيات إدارة زراعية مستدامة وفاعلة لزراعة المزيد من الغذاء على مساحة أقل من الأراضي وبمياه أقل، ويجب على البشر تغيير علاقاتهم بالأغذية والأعلاف والألياف، والانتقال نحو النظم الغذائية القائمة على النباتات، كما أن هنالك حاجة ماسة إلى تطبيق سياسة منسقة وشراكات وتمويل على جميع المستويات، للمضي قدماً في تقديم خطط عمل متكاملة لمكافحة الجفاف.