الباكستانيون.. وكفاح ما بعد الفيضانات
أدت الفيضانات الكارثية التي أودت بحياة أكثر من 1300 شخص في باكستان إلى إجبار الملايين على ترك منازلهم، مما زاد من مشقة القيام بجهود الإغاثة الحكومية. فالآلاف يقيمون في المخيمات على طول الطرق في خيام مؤقتة، بينما التمس آخرون الملاذ في مبانٍ مهجورة، وبالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى مخيم للنازحين، فإن هناك نقصاً في المساعدات. ومن بين هؤلاء اليائسين عامل يبلغ من العمر 45 عاماً يُدعى لاوانج و16 فرداً من عائلته. إنهم يعيشون تحت غطاء بلاستيكي على جانب طريق في ريف السند منذ أكثر من أسبوعين. يقول لاوانج إن تقريباً جميع سكان قريته، «ميربورخس»، فروا عندما ارتفعت المياه فوق خمسة أقدام وبدأت المباني في الانهيار. كان الطريق هو أقرب أرض مرتفعة يمكن أن يجدوها.
وأضاف: «نحن هنا في هذه الملاجئ منذ 16 يوماً، لكن لم يأت أحد إلينا». كان ملجأه الهش مجرد واحد من حوالي 70 مأوى على طول يمتد لأكثر من كيلومتر من الطريق.
بالنسبة للكثيرين ممن يعيشون على جوانب الطرق، فإن الخيام ليست سوى لوح بلاستيكي واحد مثبت بوساطة أعمدة خشبية رفيعة. تم بناء ملاجئ أخرى بقطعة قماش معلقة بين أغصان مقطوعة من الأشجار القريبة. وتمكنت الأسر المحظوظة من إنقاذ معدات الزراعة والماشية من الفيضانات، بما يكفي للسير حتى الوصول إلى مكان آمن في الحقول المغبرة. لكن كثيرين، مثل لاوانج، كانوا قادرين على إحضار ما يمكنهم حمله فقط: عدد قليل من البطانيات والملابس وإناء لغلي الماء.
قال لاوانج: «بعض الناس يقومون من تلقاء أنفسهم بجلب طعام مطبوخ لنا مرتين في اليوم. لكن لم يزرنا أحد من الحكومة».
يتصاعد الغضب في جميع أنحاء باكستان بسبب بطء جهود الإغاثة التي تبذلها الحكومة. ويقول المسؤولون الباكستانيون إن حجم الأزمة أعاقهم: فقد تضرر حوالي 33 مليون شخص، ودُمر أكثر من 500 ألف منزل. ولا تزال مئات القرى تحت الماء.
في إقليم السند، عانى العديد من الأمطار التي لم تتوقف لأكثر من شهرين، وهو ما يعزوه مسؤولو السيول إلى تغير المناخ. بدأت الفيضانات في يونيو، لكن النازحين يقولون إن الحكومة بدأت في الاستجابة وطلبت مساعدة خارجية الشهر الماضي فقط.
في مخيم تديره الحكومة في مدرسة خارج حيدر أباد، ثاني أكبر مدينة في إقليم السند، يتم تقديم وجبات مطبوخة مرتين يومياً لحوالي 300 شخص يلجأون هناك.
لكن المبنى يفتقر إلى مياه الشرب النظيفة والكهرباء. وغالباً ما تنفد المياه من دورات المياه، بينما تم تكديس المكاتب بشكل عشوائي في أركان الفصول الدراسية لإفساح المجال للعائلات للنوم وتناول الطعام والطهي على الأرض. ولكن في درجات الحرارة البالغة 90 درجة، ينام معظم الناس في الهواء الطلق.
قال «راج كومار»، الموجود في المخيم مع أسرته منذ أكثر من أسبوع: «لا أحد يهتم بنا». يعاني كومار من مرض في القلب، وهو يقول إن طبيباً زار المخيم مرة واحدة، لكنه لم يقدم له أي دواء.
وتحذر عاملة صحية تساعد في إدارة المخيم من أن الظروف هناك خطيرة بشكل خاص بالنسبة للأطفال. تقول زرينا خالقداد: «لدينا 107 أطفال في المخيم ومعظمهم يعانون من سوء التغذية. ولا توجد خطة لتوفير الحليب» أو أي طعام آخر للرضع. وأضافت خالقداد: «الناس الذين يعيشون هنا في المخيمات من القرى المجاورة فقراء. وقد جعلتهم الفيضانات الآن عاطلين عن العمل، لذا لا يمكنهم شراء الطعام لأطفالهم».
وقال زين العابدين، وهو مسؤول محلي في «ميربورخاس»، إن الحكومة أقامت مئات المعسكرات في جميع أنحاء إقليم السند، ولكن لديها «سلع إغاثة محدودة للغاية مقارنة بالدمار».
وأضاف: «بعض الأفراد والمنظمات الإنسانية يعتنون بأشخاص في مناطق لم يزرها موظفو الإغاثة الحكوميون بعد. الناس يحصلون على الطعام، لكنهم بحاجة ماسة إلى الخيام والناموسيات ومواد الإغاثة الأخرى».
وأكد عابدين أن الأزمة «غير مسبوقة» في تاريخ باكستان وتختلف تماماً عن أي شيء رآه في عام 2010، وهي آخر مرة تعرضت فيها البلاد لفيضانات كارثية.
وقال محسن شيخ، المسؤول المحلي في دادو، وهي منطقة أخرى تضررت بشدة، إن الحكومة تبذل كل ما في وسعها لمساعدة المحتاجين.
وأضاف: «كانت هناك مقاومة من الناس. لقد تجاهلوا تحذير الحكومة من التهديد، معتقدين أنهم يستطيعون النجاة مثلما فعلوا في فيضانات 2010».
لكن في السند، أثرت هذه الكارثة بالفعل على أكثر من ضعف عدد المناطق التي ضربتها الفيضانات في عام 2010. وبسبب عدم تمكنهم من العثور على مخيم، لجأت حوالي 50 أسرة في ميربورخس إلى مستشفى غمرته المياه جزئياً. كان كريشان، 18 عاماً، وشقيقته يقيمان في إحدى الغرف التي كانت لا تزال جافة. لقد لاذا بالفرار من قريتهما عندما ارتفع منسوب المياه فجأة فوق خمسة أقدام. وكل ما لديها هو الملابس التي كانا يرتدونها.
تقيم معظم العائلات في المستشفى المهجورة منذ أكثر من أسبوعين ولم تلتق قط بأي مسؤول محلي أو منظمة إغاثة.
وحسب نافيد حسن عوان، من منظمة الإغاثة الإسلامية، فاجأ حجم الأمطار والفيضانات التي أعقبت ذلك الجميع. وأضاف: «لم يكن أحد مستعدا للتعامل مع الأزمة الناشئة. ليس فقط الحكومة ولكن أيضا وكالات الإغاثة. كان هناك نقص في مواد الإغاثة في السوق، ولم تكن هناك خيام. الآن أصبح المجتمع الدولي نشطاً وستصل المزيد من مواد الإغاثة».
لكنه حذر من أن الحاجة الإنسانية من المرجح أن تستمر لأسابيع أو أكثر: «الأزمة يمكن أن تستمر لأشهر وعلى الحكومة تسريع جهودها لإنقاذ الناس من البرد القادم». كما أن الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والأراضي الزراعية – وهي ما يعتمد عليها غالبية سكان المناطق الريفية في إقليم السند لإطعام ودعم أسرهم – تهدد أيضاً بدفع الملايين إلى هوة أعمق في الفقر.
حق نواز خان
صحفي لدى «واشنطن بوست»
سوزانا جورج
رئيسة مكتب «واشنطن بوست» في أفغانستان وباكستان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»