الإمارات.. بين الأرض والفضاء
الإمارات العربية المتحدة دولة اللامستحيل ونموذج البناء والإنجاز والعطاء، والتحول من دولة ريعية إلى دولة متقدمة تغزو الفضاء وتعانق القمر، من دولة كانت قبل ثلاثة عقود تعتمد على البترول كمصدر أساسي للدخل إلى دولة علم وأبحاث ترتاد الكواكب وتدخل عالم الفضاء الواسع، وهي تدشن اليوم المشروع الفضائي الإماراتي الذي يعزز المسيرة التنموية العلمية للدولة ويرسخ مكانتَها في مجال استكشاف الكواكب والفضاء. إنه طموح دولة يناطح السماء ويعمر الأرض ويصنع العقول.
في مهمة فضائية، وضمن طاقم فضائي للوكالة الأميركية «ناسا» سوف تنطلق عام 2023، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء انضمام رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى هذه المهمة، ليصبح أول رائد فضاء عربي يقضي ستة أشهر في الفضاء، فالإمارات هي الدولة الـ11 عالمياً التي ترسل روادَها في مهمة طويلة الأمد للفضاء، حيث يعتبر النيادي أحد أول رائدي فضاء إماراتيين، ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي تم إطلاقه عام 2017، بهدف تدريب وإعداد فريق من رواد الفضاء الإماراتيين من أجل إرسالهم في مهام علمية فضائية مختلفة. فقد سبقه الإماراتي هزاع المنصوري الذي اختِير عام 2019 في مهمة مدتها 8 أيام إلى محطة الفضاء الدولية. وتعد هذه المهمة إحدى المبادرات الإماراتية في قطاع الفضاء، حيث تتجه الإمارات إلى تشييد برنامجها الفضائي الذي بدأت به حين استثمرت 5.4 مليار دولار في تكنولوجيا الفضاء في يناير 2015. وفي أبريل 2017 أُطلق البرنامج الوطني للفضاء برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وتلت ذلك جهود مكثفة لتعزيز الشراكات الدولية مع كبريات وكالات الفضاء في جميع أنحاء العالم، حيث وقّعت وكالة الفضاء الإماراتية اتفاقاً تنفيذياً للتعاون في استكشاف الفضاء ورحلات الفضاء البشرية مع وكالة «ناسا»، في 4 أكتوبر 2018، لتصبح الإمارات قريباً مركزاً لتقنيات الفضاء المتقدمة في المنطقة.
تقول سوزان سيكالي، الباحثة في معهد دراسات دول الخليج العربي في واشنطن، إن علم الفلك متجذر بعمق في الثقافة العربية حيث يشكل هذا العلم حيزاً كبيراً في كتب التاريخ، وهي تربط بين هذا الاهتمام العربي الفلكي القديم وبين ثقافة الفضاء الأكثر «حداثة» التي تتطور بشكل ملحوظ لدى الشباب الإماراتيين. وعقب إطلاقها الناجح لـ«مسبار الأمل» إلى مدار حول المريخ، تخطط الإمارات لإرسال مركبة فضائية غير مأهولة إلى القمر في عام 2024، فضلاً عن مشروع السياحة الفضائية واستكشاف كوكب الزهرة بحلول عام 2028، مما يجعلها رابعَ دولة تفعل ذلك، حيث تندرج هذه الخطط ضمن «مشروعات الخمسين» الإماراتية. وتؤكد سيكالي حرصَ القيادة الإماراتية على تطوير الاهتمام بقطاع الفضاء وآمالها الكبيرة في أن يصبح قطاع الفضاء الجوي سبيلاً يمكنهم من خلاله جعل الدولة مركزاً للتكنولوجيا المتقدمة، إلى جانب اهتمامها بالسياحة والنفط، بغية تنويع مصادر الاقتصاد.
وفي صورة فوتوغرافية بسيطة في ظاهرها، لكنها لافتة وشديدة الدلالة في مضمونها، يجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة على الأرض، ويلتف حوله مجموعة من الأطفال، وبحضور رائدي الفضاء سلطان النيادي وهزاع المنصوري، يتحلّق الجميع حول مجسم صغير لمسبار الأمل. وبقدر ما يبدو عليه الحدث ببساطته وعفويته فإن الصورة أبلغ من مجلدات تكتب في اهتمام دولة الإمارات وقيادتها بالمستقبل وتهيئة جيل من العقول الطموحة التي قطعاً سوف يتجاوز طموحها الأرض إلى أعماق الفضاء وعلوم المستقبل!
*كاتبة سعودية